المجلس الوطني لسياسات الخروج من الأزمة -محمد الكاظم
Tue, 20 Sep 2011 الساعة : 12:31

يزعجني كما يزعج غالبية العراقيين استمرار الجدل حول مشروع قانون المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية الذي اصبح عقدة العقد في العملية السياسية في العراق، في ظل اصرار جميع الاطراف على الاستمرار بتكرار نفس الألفاظ منذ اشهر وإعادة نفس التبريرات المؤيدة لفكرة المجلس او الرافضة له، دون تبدل حقيقي في المواقف، كأن القوى المتصارعة تعتمد على فكرة المطاولة وتكتيك عض الاصابع الذي يقوم على انتظار الطرف الذي سيصرخ اولا معلنا انهزامه. او انتظار ان يبدو الوهن على الغريم فترتخي قبضته عن خيط في شبكة التوازنات المعقدة فيلتهمه الآخرون.
هذا التحجر في المواقف دفع البعض الى اطلاق بعض الافكار اغلبها للأسف لاتعدو كونها حلولا ترقيعية وقتيه لأنها تدور حول مفهوم واحد يبدو ان الفريقين المتصارعين ينطلقان منه هو إن هذا المجلس هو مجلس ترضية لاأكثر ، حتى ان كثيرين لايجدون غضاضة في تسميته بمجلس علاوي، دون بذل جهد لتفهم رؤية علاوي أو إقناعه، ودون ان تبدر من الدكتور أياد نفسه بادرة مقنعة تدحض مايقوله خصومه كأنه أعجب بفكرة الحصول على جائزة ترضية تعوضه عما يعتقده من حق في تشكيل الحكومة.
اقول اذا كان لابد من مجلس للدكتورعلاوي فليكن مجلسا لسياسات الاعمار على غرار مجلس الاعمار في العهد الملكي الذي لم ننجح لحد الان في ايجاد تطبيقات مشابهه له رغم محاولات احياءه من قبل البعض.
على ان يمنح صلاحيات مناسبة تمكنه من تحقيق انجازات واقعية سريعة للبلاد.فالعراق في ظروفه الحالية قد لايحتاج الى استراتيجيات وخطط اقليمية ودولية متشعبة في ظل تركيزه على المشي قرب الحائط، واعتماد سياسة درء مخاطر الاخرين، وقد لايحتاج العراق الى محطة جديدة تقف فيها القرارات كمجلس السياسات المقترح، تضاف الى محطات البرلمان والحكومة لتؤخر المتأخر أصلا.
لكن في نفس الوقت يحتاج العراق بشدة الى عمل حثيث وحرق للمراحل، ووضع خطط واستراتيجيات في ادارة ملفات الخدمات واعمار البلاد وتنفيذ حملات واسعة النطاق لتحريك عجلة البناء وترسيخ ثقافة التحول الاقتصادي، والقضاء على البطالة. وتجاوز البيروقراطية .
أليس هذا مايحتاجه المواطن العراقي الآن؟
اذن لماذا هذا الالحاح والصراع على فكرة المجلس الوطني للسياسات بطريقة توحي بأن الأثر السياسي والطموح الشخصي لايتحققان الا عن طريق ادارة ملفات العلاقات الخارجية او الملفات الامنية ، الامر الذي يجعل مخاوف المتخوفين مبررة، خصوصا مع وجود حساسية عراقية شديدة تجاه قضايا الأمن في وضع اقليمي مضطرب.
في الاتجاه الآخر لم لايركز العراق على مالديه من امكانات ويستفيد من طاقة ابناءه وثقلهم الاجتماعي والسياسي في تفعيل ملفات حيوية تحتاجها البلاد، ويحول الإختلاف الى نقاط قوة عبر تحميل بعض القادة السياسيين ومنهم الدكتور علاوي جزءا من مسؤولية ادارة البلاد بدل الاغراق في لغة التخوين التي تنتج مفردات اقصائية تدفع الشريك الى الطرف الآخر.
في ظل هذا التوتر الذي يلقي بظلاله على مجمل الاداء العام للدولة هناك حاجة للحل السياسي الاستثنائي فما الفرق بين السياسي والانسان العادي غير الممارس لفعل السياسة اذا لم تتمكن النخبة السياسية من ايجاد حلول لمشاكلها بالوسائل السياسية.
يبدو لي ان مجلسا وطنيا لسياسات الاعمار سيكون اكثر جدوى وفعالية من فكرة مجلس السياسات المطروحه امام البرلمان، بل انه سيكون اكثر بقاءا في ذاكرة الناس الذين سنجد الملصقات الجدارية بعد فترة بسيطة تدعوهم لانتخاب هذا السياسي او ذاك .
ولدي دليل على ذلك فالكثير من العراقيين قد ينسون ترتيب الملوك الثلاثة الذين حكموا العراق ، لكنهم لايمكن ان ينسوا تجربة مجلس الاعمار التي اثرت كثيرا في التأسيس للدولة العراقية وفق اشتراطات مدنية معاصرة في العهد الملكي ، وقد يختلف العراقيون حول طبيعة حكم عبد الكريم قاسم لكنهم يجمعون على انه ابو الفقراء وأنه مكن جزءا كبيرا من العراقيين من امتلاك وطن صغير وساهم في دفع عجلة اعمار البلاد وتدعيم بنيتها التحتية .
بينما نسي العراقيون كل شي عن خطر الشيوعية ، وعن الحرب العربية الاسرائيلية ، وخرافة الوحدة العربية، واذناب الاستعمار ومؤامرات الامبريالية وغيرها من اهتمامات النخبة السياسية في العهدين الملكي والجمهوري .كما نسوا ادبيات تلك المراحل وشعاراتها وخلافاتها وتكتيكاتها المستخدمة في الاقياع بالخصوم ، كما نسوا شبح الانقلاب العسكري المعيمن على العقل العراقي حتى الآن، لكنهم لم ينسوا المنجزات التي مازال الكثير منها قائما، وسينسى العراقيون كل الجدل السياسي القائم حاليا ، وسينسون مقدار ماحصلت عليه العراقية او دولة القانون من اصوات في الانتخابات ، وسينسون اتفاقية اربيل والاتهامات المتبادلة، لكنهم بالتاكيد لن ينسوا الذي أنشأ هذا الجسر، أو بنى تلك المدرسة ،او عبّد هذا الشارع او قام بتوفير السكن.
فماينفع الناس يمكث في الارض و زبّد التصريحات فيذهب جفاء.
يبقى سؤال مهم يجب طرحه الآن وليس غدا .هل يقبل الخصوم بتمرير مجلس وطني اعلى لسياسات الاعمار؟ والأهم من ذلك هل يقبل الدكتور اياد علاوي نفسه؟
آمل ذلك .