الـمـالـكـي ... والـقـرار الـصـعـب -الـجـزء الـثـانـي- صـبـاح حـسـن يـاسـيـن

Tue, 20 Sep 2011 الساعة : 10:50

ذكـرنـا فـي الـحــديـث الـسـابـق عـن قـرب الـمـوعـد الـمـقـرر لانـسحـاب الـقـوات الأمـريـكـيـة مـن الـعـراق بـمـوجـب الاتـفـاقـيـة الـمـبـرمـة بـيـن الـبـلـديـن ، وأشـرنـا إلـى الـنـتـائـج غـيـر المـعـروفـة ، والـفـراغ الـمـجـهـول الـذي يـعـقـب الانـسـحـاب مـن دون تـحـديـد مـلامـح الـمـرحـلـة الـقـادمـة ، سواء ً عـلـى الـمـستـوى الـداخـلـي أو الـخـارجـي عـلـى الـسواء ، إذ لا يـستـطـيـع كـائـن مـن كـان أن يـتـكـهـن بـتـلـك الـنتـــائـج والـمـعـطـيـات الـتي يـلـفـهـا الـغـمـوض ويـكتـنـفـهـا الارتـيـاب . ولـقـد جـاءت تـوقـعـاتـنـا مـتـطـابـقـة  مـع الـواقـع الـسـيـاسـي والـحـراك الـدائـر هـذه الأيـام ، بـعـد أن كـلـف قـادة الـكتـل الـسيـاسـيـة الـبـارزيـن الـرئـيـس الـمـالـكـي وحـكـومـتـه بـإدارة الـمـفـاوضـات مـع الـجـانـب الأمـريـكـي لإبـقـاء جـزءا ً مـن الـقـوات الأمـريـكـيـة لأغـراض الـتـدريـب والـتـأهـيـل ، وهـذا ألـتـكـلـيـف يـجـب أن يـتـوقـف عـنـده الـمتـابـع اللـبـيـب ويـتـأمـلـه بـعـنـايـة فـائـقـة ، لأنـه بـأبـسـط الأوصـاف تـقـريـر مـصـيـر لـشـعـب ودولـة وحـكـومـة ووطـن !
والـسـؤال الـصـعـب والأكـثـر تـداولا ً فـي هـذه الأيـام هـوَ :- إلـى مـاذا يـفـضـي هـذا الـتـخـويـل ؟ ومـا حـدود الـصـلاحـيـات الـمـمـنـوحـة لـدولـة الـرئـيـس ، والـقـائد الـعـام للـقـوات الـمـسـلـحـة ؟ أ مـطـلـقـة هـي ّ  أم مـحـدودة ...؟ أم انـه مـجـرد مـفـاوض عـلـيـه الالتزام بـبـنـود الانـسـحـاب ، وتـلـخــيص مـفـاوضـاتـه عـلـى بـقـاء مـدربـيـن فـقـط ؟
لـقـد أزاح الـجـمـيـع الـجـمـر مـن مـواقـدهـم ووضـعـوه في بـوتـقــة الـمـالـكـي ، وعـلـيـه أن يـهـنـأ بـدفـئـهـا أو أن يـحـتـرق .
أن مـشـكـلـة الـعـراق في الـمـرحـلـة الـقـادمـة لا تـتـلـخـص بحـاجـتـنـا الـمـاسـة إلـى مـدربـيـن أمـريـكـان كـانـوا أو روس أو أوربـيــين ، إذ إن مـا نـمـلـكـه الآن مـن أسـلـحـة مـيـدان وأسـلـحـة سـانـدة لا تـحتـاج إلـى خـبـراء عـالـمـيـيـن لـتـدريـب جـنـودنـا عـلـيـهـا ، فـكـوادرنـا وضـبـاطـنـا وضـبـاط الـصـف الـمـعـلـمـيـن لـديـهـم الـكـفـاءة والـمـقـدرة الـعـالـيـة عـلـى تـدريـب الـمـستـجـديـن الـمـنـخـرطـيـن فـي صـفـوف الـقـوات الـمـسـلـحـة ، ولـكـن مـشـكـلـة الـعـراق الـحـقـيـقـيـة :- هـي مـن يـحـمـي الـحـدود !؟     

دعـونـا نـعــتـرف ومـن دون كـبـريـاء زائـفـة  ، وعــنـتـريـات خـائـبـة ، إنـنـا اضـعـف دولـة فـي مـحـيـط الـمـنـطـقـة مـن حـيـث الـكـفـاءة والـتـسـلـيـح ، وإن الـدول الـسـت الـمـحـيـطـة ُ بـنـا كـانـت قـد قـطـعـت أشـواطـا ً مـتـقـدمـة ً فـي مـجـال الـتـسـلـيـح والـتجـهـيز الـقـتـالـي ، وتـمـتـلك جـمـيـعـها تـرسـانـة مـن الأسـلـحـة الـمـرعـبـة أرضـا ً وجـوا ً وبـحـرا ً ، وإن مـن يـضـن أو يـتـصـور أو ( يـعـتـقـد ! ) بأن تـوجـهـاتـنا الـسـلـمـية ومـبادئ حـسـن الـجـوار الـتي نـتكئ عـلـيـها  ، وتـبـادل الابتـسـامـات الـصـفـراء وعـبـارات الـمـجـامـلـة كـفـيـلـة بـحـمايـة حـدودنا مـن الـجـيـران فـإنـه علـى وهـم كـبـير ، وضيـّـق الأفـق ، ولـم يـقرأ التـاريـخ جـيداً وبـإمـعـان .
إن تـرك الـبـلاد ريـشـة ٌ فـي مـهـب الـريــح بـعـد خـروج الـقـوات الأمـريـكـيـة ، والاعـتـمـاد عـلـى الـقـدرات الـبـشـريـة دون وجـود سـلاح رادع ومـتـكافـئ هـو رهـان خـاسـر ، وخـطـأ جـسـيـم ، سـوف لـم يـرحـم التـاريـخ مـن يـرتـكـبـه ، إذ لا يـمـكـن أن نـذر الـوطـن فـي أتـون المـجـهـول ونـتـفـرج علـى مـحـنـته .
لـقـد تـغـيرت المـعادلات والإسـتـراتـيـجـيـات فـي الـعـالم مـنـذ نـهـاية الـحـرب الـعالـمـية الـثـانـية ، وتـداخـلـت الـمـصـالـح بـيـن الأمـم وتـشـعـبـت مـنـهـجـيـتـهـا بـيـن الـشـعـوب ، وولـى إلـى الأبـد ومـن دون رجـعـة مـفـهـوم الاسـتـعـمـار ( الـكولـنـيـالي ) والـهـيـمـنـة علـى مـنـابـع الـبـترول ، وبـدأ عـصـر الـعولـمـة الـذي يـسـتـفـز الـرعـاع والأمــيـّـيـن .
إن مـن الـخـطأ الـفـادح والفـظـيـع تـرك الـبـلاد والـعـباد عـرضـة للأخـطـار الـمـحـدقـة مـن أطـراف لا زالـت تـرى إن الـعـراق عـدوا ً أزلـيا ً بـعـد أن خـلــّـف ( صـدام الأرعـن ) فـي قـلوب جـيـرانـه جـروح  غـائـرة لـمـّا تـزل دمـاؤهـا حـارة وضـحـايـاهـا حـاضـريـن يـترقبـون .  
إن الأصـوات الـتـي تـنـادي بالانـسـحـاب الـكـامـل للـقـوات الأمـريـكـية بـمـوعده الـمـحـدد ومـن دون تـأخـيـر هـي قـطـعـا ً مـنـغـمـسـة فـي بـحـر نـظـريـتـيـن لا ثـالث لـهـمـا ، أمـا أنـهـا تـجـهـل أو تـتـجاهـل عـن عـمـد مـا يـدور فـي عـالـم الـسـياسـة وأروقـتـهـا الـخـفـيـة ولا تـرى أبـعـد مـن أرنـبـةِ أنـفـهـا ، ولـيـس لـهـا ( وقـت ! ) لـمتـابـعـة مـا يـدور فـي الـعـالـم مـن مـستـجـدات مـتواتـرة وأحـداث مـتـسـارعـة وتـطـورات مـخـرت عـبـاب الـسـمـاء ، وتـمـضـي فـي تـرديـد لازمـة ( خـروج الـمـحـتـل ) مـن دون أن تـعـي مـا يـتـرتـب علـى هـذا الانـسـحـاب الـعـشـوائـي مـن نـتائـج كـارثـية ، لا يـعـلـم مـداها إلا ّ الله . والـنـظـريـة الـثـانـية ، وهـي ّ الأقـرب للـواقـع  :-  أنـهـا تـرى الأمـور فـقـط مـن نـافـذتـها الـضـيـقـة والـقـصـيرة الـنـظـر والـمـحـدودة الـتبـصّـر ، وتـريـد فـرض أجنـدتـهـا ونـوايـاهـا الـمـبـيـتـة وكـسـب مـنـافـع فـئويـة وسـيـاسـيـة  ، ولـيـنزل فـي الـبـلـد مـن  بـعد ذلك  الطـوفـان .   
    [email protected]

Share |