الشهيد عز الدين سليم وبناء الإنسان-مرتضى أحمد العبودي
Tue, 20 Sep 2011 الساعة : 10:42

بعد تراجع القيم والمثل لدى االبعض من أبناء الشعب العراقي بسبب حماقات الدكتاتور صدام الأرعن أو سياسات أسياده أو من أراد تجويع الشعب العراقي وزج البلد في أتون حروب قاتلة حتى تغيير اللانظام العفلقي شاعت فوضى غريبة أطلق عليها الأمريكان مصطلح (( الفوضى الخلاقة )) والتي ترددت كثيراً في الأدبيات القديمة للماسونية ، ولاقت رواجاً كبيراً بعد ما أفرزته تجربة حكم بيرمر للعراق وسياسته التي عارضها وبشكل صريح الشهيد عز الدين سليم خصوصاً عندما ترأس مجلس الحكم الإنتقالي أنذاك حتى إستشهاده في أغرب وأبهم حادثة منذ التغيير الى يومنا هذا ، وقد أصبح من الصعب التعامل مع هذه الظاهرة أو حتى التفكير في خوض محاولة لقياسها ، الفوضى عمت جميع المفاصل ، فوضى سياسية ، فوضى ثقافية ، فوضى إجتماعية ، فوضى في إدارة الوزارات والحكومات محلية كانت أم مركزية...الخ.
كان من أهم مظاهر هذه الفوضى هي إنتشار المليشات المسلحة شيعية ، سنية ، كردية والتي لا تزال موجودة بمسمياتها القديمة أو الجديدة ، منها من شارك في الحكومة ومنها من لم يكتب لها االنمو والإستمرار ومنها من يفتقر الى الإدارة ومنها من إعتمدها الأمريكيون في عملية التغيير. وأعتقد أن معارضة عز الدين سليم لسياسة بريمر وطرحة نظرية حكومة الإنسان - التي من شأنها هزيمة نظرية الفوضى الخلاقة التي نظر لها العديد من الأنصار المتطرفين لإسرائيل أمثال إليوت كوهين ، شارانسكي ، برناد لويس...الخ من اللذين يؤمنون بأن الإسلام عدو يجب التخلص منه من خلال تشهويهه ثم إنهاء متبنيه عسكرياً – الأثر الهام في قرار تصفيته خصوصاً وهو المفكر الإسلامي اللامع عراقياً صاحب الشعبية العريضة ، والمؤلفات الكثيرة ، والمتواضع ، ذو الأخلاق النبيلة التي لا يختلف عليها شيعي أو سني أو كردي ، وقد تبنت الإدارة الأمريكية نظرية الفوضى الخلاقة والتي ترى أن الخراب الذي يصاحب الفوضى سينقلب الى بناء!!!
فوضى وبناء خلاق أعتمدها الساسة الأمريكيون في النظر الى تحولات المشاهد العراقية. وإذا إعتمدنا الصراحة علينا أن نقر بالفوضى أولاً ، لكن ، علينا الخوض بالبحث بأسباب هذه الفوضى ، وأعتقد أن النتيجة الأولية لأي بحث ، لا بد وأن تكون من مسببات هذه الفوضى هي مغامرات اللا نظام الذي نفذ المشروع التدميري وصولاً الى خسارة البلاد الرهيبة وضرب أسس بناء الدولة من خلال قتل قيم الإنسان العراقي ومثله العليا ، حيث الحروب والقتل الجماعي والإرهاب غير المنقطع وسياسة التجويع التي ساهمت فيها قرارات مجلس الأمن الدولي ، والسؤال هو أين البناء الخلاق إذا؟
البناء الخلاق هو جوهر أصيل في نظرية حكومة الإنسان ، إذ علينا أولاً بناء ما سرق منا من قيم ومثل وإعادتها للمواطن العراقي الذي لعب على ذقنه الساسة المنتفعون أصحاب الأغراض الوقتية ، المرتبطين بأسيادهم وبمصالحهم ، بناء الثقة بين المكونات العراقية الأصيلة التي تباعدت بفضل التثقيف المستمر الدؤوب لهؤلاء الساسة الملهوثين لخدمة أعداء الوطن ، صدام إعتمد سياسة الحروب والتجويع وهدر المال العام وسرقته وتشويه روح المواطن ، وهم أعتمدوا تثقيف العنصرية والمذهبية البغيضة التي باعدت المكونات ، فما عاد هناك حوار ولا تفاهم بناء لإنجاز دولة رصينة.
الثقة والتعاون والتكاتف والتطوع لخدمة الآخرين والمحبة والتسامح والتكافل والتطلع لبناء الوطن والحفاظ عليه وعلى مصلحته العليا كلها قيم ومثل سرقت من إنساننا العراقي بفضل سياساتهم ، والشهيد عز الدين سليم ما كان إلا ليستحضر كل هذا الطارىء ويبلور أهم نظرية تكافح مشروع التصحر القيمي للإنسان العراقي قبل تصحر أراضي الوطن ، في شعاره بناء الإنسان أولاً ، واليوم وبعد غياب الشهيد عز الدين سليم والمتصدين الحقيقيين نرى إذا ما تسنم مواطن منصب أو مسؤولية في الدولة ولم يسرق أو يحتال على المال العام تعد سابقة خطيرة ويوصف ذلك المواطن بالشاذ !!! كأنما كل عطاءات المناضلين من أكبر الأخطاء في حياتهم !!! كإنما الشهداء الأكرمون منا ليسوا أحياء عند ربهم يرزقون !!! فلا دين لنا نؤمن به ولا وطنية نحيا من أجلها !!! والجميع (( إزواج )) بالمصطلح العراقي ، وهذا ينجر على جميع شهداء الحركات الإسلامية والوطنية من القائد الشيوعي أحمد حسين الرضي ورفاقه الذين أعدموا الى قادة الدعوة الإسلامية ومنهم الشهيد القائد هادي السبيتي والشهيدين الصدر الأول والصدر الثاني الى الشهيد محمد باقر الحكيم والشهيد عز الدين سليم رضوان الله عليهم جميعاً !!!
الذي لا يعتقد أن هذه قضية جوهرية وإن إصلاح البلد يأتي من بناء الإنسان أولاً ، فلا داعي له أن يتأمل حتى في نضال هؤلاء الشهداء الأولين ولا الآخرين ، ومن لا يؤمن بأن تيار الشهيد عز الدين سليم ليس مجرد زيادة أو رقم إضافي جديد يضاف الى وفرة العنوانين والأسماء السياسية التي ما عاد لها بريق فليبتعد عن الطريق أو يظل مع أصحاب المصالح الزمنية المنتفعين من مناصبهم حتى يأتي يوم لا ريب فيه حين تقتلعهم الجموع المؤمنة بإقامة حكومة الإنسان وإنتمائها العراقي الذي لا يعلوه أي إنتماء.
بناء الإنسان أولاً والذي يعني الإيمان بالمبادىء والقيم العراقية الأصيلة التي زرعت بنا ، وتوارثناها أباً عن جد ، بها وحدها نقضي على آفة الفساد المهلكة ، وبها وحدها نؤسس لبناء دولة الإنسان التي ننشدها.