القضاء أعلى من السياسة يا نواب العراق/علي الحسيني
Sun, 1 Mar 2015 الساعة : 19:10

مرةً أخرى يُثبت مجلس النواب العراقي، على الرغم من تغيير الوجوه والتوجهات، يُثبت انهُ عازم على خرق الاعراف والقوانين والقفز فوق قرارات القضاء الذي يفترض أنه صاحب كلمة الفصل في كل الاختلافات والقضايا، ودون التزام الجهات ذات العلاقة بذلك تصبح الحياة الدستورية مجرد وهم، فالدول التي يمكن وصفها بأنها تعيش حياة سياسية دستورية، هي من تمتلك خاصة الفصل بين سلطاتها، مضافاً اليها احترام قرارات القضاء مهما كانت هذه القرارات، وضد اي طرف.
في بعض التجارب الدولية، اطاحت قرارات القضاء فيها بحكومات قائمة واغلبيات برلمانية حاكمة، ولم يُسمع عن التفاف سياسي او تجاهل لتلك القرارات، مهما بدت غريبة عن الواقع الدستوري، ولكن الالتزام بها كان سيد الموقف، لأن النخب السياسية تُدرك أهمية احترام كلمة القضاء، وتغليبها لتجنب الفوضى وانفلات النظام والميكانيزم الضابط لعمل المؤسسات الرسمية.
فيما يضرب العراق الديمقراطي، اسوء الامثلة في عدم إنفاذ قرارات القضاء، لاسيما من الطبقة السياسية الحاكمة، والتي تعتقد أنها من اوجدت النظام السياسي، والحقت به نظام قضائي ملحق بها، ولذا فهي مستمرة في عملية تنسيق قرارات القضاء، وفق مقاسات مصالحها لا مصالح الدولة .
مناسبة هذا الحديث هو ما جرى اليوم في مجلس النواب، الذي كان من المفترض ان يصوت على تطبيق قرارات المحكمة الاتحادية العليا بالغاء عضوية بعض المرشحين الذين تبئوا مقاعداً ليست لهم، وارجاع الحق لاصحابه الذين هم اكثر شرعيةً حيث حصدوا اعلى الاصوات، وهذا ما اكده النائب فائق الشيخ علي قبل يوم واحد، مبيناً ان القضاء ابطل عضوية 60 عضواً بديلاً تقريباً، وان رئاسة البرلمان عازمة على طرح هذا الملف للتصويت في جلسة اليوم السبت، فيما يبدو ان الارادات الكبرى للقوى النافذة كانت اقوى واكثر تأثيراً من قرارات القضاء، الامر الذي اجبر رئاسة مجلس النواب على تأجيل التصويت الى اشعار اخر، بحجج غير مقنعة.
ان تغليب لغة السياسة على لغة القانون بهذا الشكل، مؤشر خطير يضيف انتهاكاً اخر للانتهاكات المتكررة التي ترتكب بحق القضاء العراقي، الذي هو الممثل الاكثر واقعيةً للشعب، وهو الاكثر تماساً مع مصالحه العليا، كما ان استمرار رئاسة البرلمان ممثلة بالدكتور سليم الجبوري، ونائبيه همام حمودي وآرام شيخ محمد، وقادة الكتل السياسية الكبار، بمنهج التلاعب والتحايل على القرارات القضائية، والتهرب من تطبيقها، يعد حنثاً باليمين، وخيانة للدستور وللشعب العراقي، الذي اقسم هولاء السادة على حفظ مصالحه، واحترام الدستور والامتثال لقرارات القضاء المستقل، وهذا يتطلب من الادعاء العام في البلاد التحرك الجاد، في ايقاف هذه المهزلة السياسية، واتخاذ قرارات اكثر حزماً، في سحب شرعية من يعطل قرارات القضاء الباتة، ويحيلهم الى المحاكم المختصة بتهمة خيانة الشعب وتعطيل مصالحه العليا.


