تاملات في القران الكريم ح263/حيدر الحدراوي

Fri, 27 Feb 2015 الساعة : 13:11

سورة  الفرقان الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً{32}
تروي الآية الكريمة مقترحا اخرا للكفار (  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ) , هلا انزل عليه القرآن دفعة واحدة كالكتب السماوية الاخرى , (  كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ) , كذلك انزل الله تعالى القرآن على دفعات , ولذلك الكثير من الفوائد , منها تثبيت القلوب وتيسير حفظه وفهمه , وهو اثبت واقر في قلوب المسلمين عما اذا نزل دفعة واحدة , (  وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ) , قرأناه عليك شيئا بعد شيء , مدة عشرون او ثلاثة وعشرون سنة , ليتسنى للجميع حفظه وفهمه .

وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً{33}
تستمر الآية الكريمة في نفس الموضوع (  وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ ) , حجة او شبهة بهدف ابطال نبوتك والقدح فيها , (  إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ ) , بالحق الثابت الدامغ لكل شبهاتهم وحججهم الباطلة , (  وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ) , وايضا ما هو احسن وافضل بيانا .

الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً{34}
تقرر الآية الكريمة (  الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ ) , الكفار يساقون اليها , لكن ليس على اقدامهم , بل يدخلونها على وجوههم , (  أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً ) , أسوء الاماكن "جهنم" , (  وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) , على الطريق الاكثر اخطاء وانحرافا من غيره .
(  عن النبي صلى الله عليه وآله انه سئل كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال ان الذي امشاه على رجليه قادر ان يمشيه على وجهه يوم القيامة ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً{35}
تنتقل الآية الكريمة لتنقل صورة من خبر موسى وهارون عليهما السلام (  وَلَقَدْ ) , ( قَدْ ) للتحقيق واللام للتأكيد , (  آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ) , التوراة , (  وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً ) , معينا مؤازرا له في اداء مهام رسالته .

فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً{36}
تروي الآية الكريمة الامر الالهي لهما عليهما السلام (  فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ) , فرعون وقومه , (  فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً ) , كذب فرعون وقومه برسالتهما عليهما السلام , فاهلكهم جل وعلا هلاكا .

وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً{37}
تنتقل الآية الكريمة لتذكر شيئا موجزا عن خبر نوح "ع" وقومه (  وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ ) , المعلوم ان نوحا "ع" واحد , فلماذا جاءت كلمة ( الرسل ) جمعا ؟ , لذلك عدة اراء نذكر منها :
1-      لطول اقامته بينهم , ولكثرة ما دعا قومه الى نبذ الاصنام وعبادة الله تعالى , فكان "ع" بعمله هذا كعدة رسل مجتمعين , (  قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً{5} فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً{6} ) سورة نوح الشريفة .
2-      او لأن تكذيبه يعد تكذيبا لمن سبقه من الرسل , لاشتراكهم في مهام الرسالة .
3-      او ان يكون هناك رسلا اخرين في فترة وجوده "ع" , ادوا مهامهم الرسالية , لكن وافاهم الاجل قبله "ع" .
4-      او لعل بعض المؤمنين ممن آمن به "ع" كان يحملون على عاتقهم اداء الرسالة , فكانوا كالرسل لكن من قبل نوح "ع" , وليسوا مكلفين بالرسالة من الله تعالى بالوحي .
أيا كان المقصود من مفردة ( الرسل ) الا ان قوم نوح "ع" كذبوهم جميعا , (  أَغْرَقْنَاهُمْ ) , اغرقهم الله تعالى بالطوفان , (  وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً ) , فكانوا علامة من علامات قدرته جل وعلا , وعبرة للناس جميعا منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا , (  وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً ) , ولهم عذابا مؤلما في الاخرة , بالإضافة الى ما حلّ بهم في الدنيا .

وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً{38}
تعرج الآية الكريمة الى ذكر بعض الاقوام (  وَعَاداً وَثَمُودَ  ) , سمى النص المبارك تلك الاقوام بما كان يصطلح به , (  وَأَصْحَابَ الرَّسِّ ) , يختلف المفسرون في كينونتهم , فمما قيل عنهم انهم :
1-      اسم بئر ونبيهم قيل شعيب وقيل غيره كانوا قعودا حولها "حول البئر" فانهارت بهم وبمنازلهم .
2-      هم اهل قرية من قرى ثمود، والرس الذي نسبوا إليه هو بئر في أذربيجان، وسمي هذا البئر بالرس لأنهم رسوا نبيهم فيه - أي أغرقوه فيه ودفنوه - وهم قوم نبي يقال له حنظلة بن صفوان كذبوه وقتلوه فأهلكهم الله , وكانوا عبّاداً لشجرة صنوبر غرسها يافث بن نوح تسمى شاهدرخت .
3-      هم قوم عبدوا الأصنام وطغوا في كفرهم وعصيانهم، وكانوا يبنون منازلهم حول بئر، فبينما هم حول البئر في منازلهم انهارت بهم وبديارهم، فخسف الله بهم فهلكوا جميعاً.
(  وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً ) , يؤكد النص المبارك على وجود اقوام كثيرة غيرهم , لم يذكرهم لكنه اشار الى وجودهم .

وَكُلّاً ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلّاً تَبَّرْنَا تَتْبِيراً{39}
تبين الآية الكريمة (  وَكُلّاً ) , كل امة من تلك الامم , (  ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ ) , حججا وبراهين لإقامة الحجة عليهم , ولم يهلكوا من دون سابق انذار , (  وَكُلّاً تَبَّرْنَا تَتْبِيراً ) , فتتناهم تفتيتا , كسرناهم تكسيرا , اهلكناهم هلاكا بعد تكذيبهم برسلهم وانبياؤهم .

وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُوراً{40}
تذكر الآية الكريمة (  وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ ) , أي قريش مروا في قوافلهم التجارية على مدن قوم لوط , واشهرها سدوم , (  أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا ) , تضمن النص المبارك سؤالا انكاريا او للتقرير على بعض الآراء , (  بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُوراً ) , لانهم كانوا كفارا لا يتوقعون النشور ولا يرجون الثواب ولا يخافون العقاب , لم يعتبروا ويتعظوا بهم , كلما مروا بتلك المدينة .

وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً{41}
تنقل الآية الكريمة صورة واضحة عما كان يتعرض له النبي الكريم محمد "ص واله" من كفار مكة (  وَإِذَا رَأَوْكَ ) , اذا شاهدوك , (  إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً ) , موضعا للسخرية , قائلين مشيرين لك بمزيد من الاستهزاء (  أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً ) , تهكما واستهزاء .

إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً{42}
تستمر الآية الكريمة برواية كلام كفار مكة فيه "ص واله" (  إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا ) , قارب ان يصرفنا عن عبادة اصنامنا , بدعوته وكثرة حججه وبراهينه القاطعة , (  لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا ) , فلولا تمسكنا بها وثباتنا عليها , لتحولنا عنها , (  وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً ) , النص المبارك فيه وعيد , فأنه جل وعلا يمهل ولا يهمل , فحين يرون العذاب في الاخرة عيانا , سيدركون من كان الابعد عن الطريق المستقيم .

حيدر الحدراوي

Share |