لا إيمان مع الظلم/فؤاد الموسوي

Thu, 29 Jan 2015 الساعة : 2:10

الأيمان و الظلم كلمتان متناقضتان من حيث المضمون و المعنى و لا يمكن أن يجتمعا عند المؤمن الحقيقي و إن اجتمعا فهذا هو النفاق بعينه لأنه  لا يمكن أن يكون  الانسان  مؤمناً  و ظالماً في نفس الوقت . قد يعتقد أو يقول البعض من الناس إن الايمان الظاهري  أو السطحي يكفي دون الأيمان الباطني الصحيح ، حيث إن بعضهم يقول بأن إداء الصلاة و الصيام و غيرها من العبادات هو كاف للإنسان حتى و إن ظلم الناس . هذه  الفلسفة الخاطئة تذكرنا بالتاريخ الظالم و المظلم أيام الأمويين حيث كانوا يعتقدون بنظرية الإرجاع التي تقول بأن الإنسان بمجرد أن يتشهد الشهادتين فهو في آمن من عذاب الله حتى لو عصى الله أو عبد الأصنام أو ظلم الناس أو قتل الابرياء . هذه هي الفلسفة الشاذة المنحرفة التي كان يؤمن بها خلفاء بني أمية وبني العباس  و من سار على خطاهم . و لكن عندما نرجع إلى القرآن الكريم  فأنه يضع النقاط عل الحروف و يضع كل شيء في موضعه المناسب . عندما نتحدث عن الظلم يجب أن نذكر بأن الظلم ينقسم إلى ثلاث أقسام أو أنواع  : النوع الأول هو ظلم الانسان لربه ، و النوع الثاني هو ظلم الانسان لنفسه، و الثالث هو ظلم  الانسان للعباد . و لكن كيف يظلم الانسان ربه ؟ إن المقصود بهذا الظلم هو الشرك بالله ، فعندما يشرك الانسان بربه فقد ظلمه و حاشا لله أن يظلمه أحد . فقد قال تعالى في سورة لقمان : {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم } و قال أيضاً : { و من يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً } .  إذن كيف يكون الشرك ظلماً ؟ هناك مثال تقريبي يمكن أن يوضح لنا  ذلك . مثلاً أن يكون هناك إنسان مثقف ذو فكر و عقل و علم و تقول له : أنت و هذا الصنم شيء واحد ، أي تقارنه بالصنم . بدون أدنى شك ، إن المقارنة بين هذا الإنسان و الصنم هي بحد ذاتها ظلم كبير  لهذا الإنسان . فكيف يمكن لبعض الناس أن يقارن بين الله الواحد القهار و الأصنام و يجعلها شريك له في الخلق و العبادة ؟ إنه الشرك و الظلم بعينه و الشرك بالله  ظلم عظيم .

أما النوع الثاني من الظلم  فهو ظلم الإنسان لنفسه . لقد قال الله تعالى في كتابه الكريم : {و منهم ظالم لنفسه } و قال أيضاً : {ربي اني ظلمت نفسي } . كيف يظلم الإنسان نفسه ؟ يظلم الإنسان نفسه بالمعاصي الفردية التي تتعلق به شخصياً كأن يقصر بالفرائض الواجبة و العبادات و غيرها من الأعمال الخاصة بين الانسان و ربه . في هذا الحاله يمكن للإنسان الظالم نفسه أن يتوب و أن يرجع إلى نفسه و يستغفر الله من ذنوبه إن هداه لله للتوبة  الصادقة النصوحة . فالشخص الذي يستغفر الله و لايعمل عملاً صالحاً و لا يتوب و لا يرجع عن المعصية فقد كذب نفسه .  إذن يجب على الانسان إن يستغفر ربه بإستمرار و لكن بنية الإصرار على التوبة و ليس بنية الاصرار على الذنب .

النوع الثالث من الظلم هو ظلم الإنسان للآخرين حسب قدرة الظالم . مثلاً ظلم الرجل لأطفاله أو زوجته أو الناس الآخرين . فاذا ما إمتلك عناصر القوة و أصبح مقتدراً يمكن له أن يظلم مجتمع بكامله أو أن يشيع فساداً في الأرض كما حدث و كما يحدث الآن في المجتمعات المستعبدة و المستضعفة  من قبل المستكبرين و الطواغيت . و هذا النوع من الظلم لن يتركه الله تعالى دون عقاب . إن الله يأمر بالعدل و الإحسان أي أنه لا يرضى أن يقوم الناس بظلم بعضهم بعضهاً و قد أنذر الظالمين بالعقاب الشديد سواء في الدنيا أو الآخرة حتى و إن تم تأخير عذابهم إلى أجل مسمى . و قد قال الله تعالى :{ و لا تحسبن  الله غافلاً عما يعمل الظالمون } و قال أيضاً : { انما يؤخرهم لاجل تشخص فيه الأبصار } .

و هكذا فان الله سبحانه و تعالى شدد على الظلم و الظالمين و منع التعاون مع الظالمين و الركون اليهم حيث قال تعالى :{ و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار } . على ضوء ما تقدم يتبين لنا بأن إيذاء الناس و الإعتداء على كرامتهم و شرفهم و أموالهم  هو الظلم بعينه و من أبشع أنواع الظلم الذي لا يمكن أن  يترك دون عقاب  . و قد قال نبينا  محمد (ص) : (إن ساعة ظلم أشد من معاصي تسعون سنة ) . فالناس تتشابه من حيث الظلم حيث إن بعضهم قد قام و يقوم بأعمال اجرامية يندى لها جبين الانسانية و يهتز لها الوجدان و مثال ذلك ما تقوم به الوحوش الشيطانية في العراق و سورية و لبنان و اليمن و أفغانستان من أعمال ارهابية إجرامية بحق الابرياء من الأطفال و الشيوخ و النساء . و لكن الله الواحد القهار  لم يكن غافلاً عما يفعله الظالمون و إن ربك لبلمرصاد .

فؤاد الموسوي

Share |