اطلاقات نارية .... لن تعيد حبيب رحل/محمد المحمد العجرش
Sat, 24 Jan 2015 الساعة : 23:31

من أراد ان يعبر الصحراء فعليه أن لا يسكب الماء .. وكل الدلائل تشير ان الحرب مع الإرهاب طويلة ، وان قيمة الأطلاقة الواحدة قد تصل بقدر قيمتها ذهباً ..
ويؤسفنا ان تتشابك أسنة البنادق وترعد فوهاتها كلما رحل حبيب من ديارنا كموروث اجتماعي لا طعم ولا لون ولا رائحة له الا بمثابة ذر الملح في الجرح ، وزيادة نزيف الألم لذوي الراحل ومحبيه .
فالبعض ممن تناول كبسولة ( الحرية ) يعتقد ان مفعولها يتيح له فعل ما يشاء وان يقفز على فضاء العقلانية مجسداً مفهوم مقولة ( كل ممنوع مرغوب ) دون اي رادع قانوني او أخلاقي ، وكأنها لعبه شعبية مسليه للبعض يتبجح بها ويتنافس على اعتلاء صدارة الأكثر رماية ، او الأحسن والأحدث سلاح ، وحتى مسك البندقية بيد واحده يعتبره البعض نوع من أنواع سباق اللعبة .
ضحكتُ كثيراً وملئت غرفتي ضحكاً حتى لم يعد هناك فراغ في زواياها الضيقة ما يستوعب الدهشة وأنا أشاهد من العادات والتقاليد الغريبة الأطوار التي اقل ما يقال أنها خارج أسوار العقلانية من شاشة التلفاز، تلك العادات التي تمارسها قبائل وشعوب مختلفة من أنحاء العالم بمختلف مجالات حياتهم من طقوس عبادتيه ومعاملات حياتية ابتداء من الولادات فالأعراس وانتهاءً بالأموات .. فعبادة البقرة في قاموس الهندوس يعد فضيلة ، وعبادة الدببة عند قبيلة ( اينو ) اليابانية تعد أعلى مراتب الإخلاص .. وان وليمة القرود في تايلند يعد امراً خيالياً ..والحياة الناجحة بين العروسين في الصين على الزوج المشي فوق فحم مشتعل قبل أن يدخلا إلى بيتهما .. وفي المانيا لا تبقى ذكرى الزواج خالدةً الا بعد ان يقوم الأصدقاء وأهل العروسين بكسر الصحون والمرايا في بيت العروسين ليلة زفافهما وعليهما ان ينظفا منزلهما لتبقى ذكرى .. وفي قرى غابات الأمازون العجب العجاب وصولاً إلى شوربة الموز بعظم الموتى .. وأصابتني الدهشة وأنا أشاهد نساء مبتورة أطراف أصابع اليد لقبيلة ( داني ) في اندونسيا التي تجبر النساء على قطع أجزاء من أصابعهن عند وفاة احد أفراد الأسرة ويتم ربط أصابع المرأة بحبل رفيع حتى يتم تخديرها ، ثم يقطع جزء من أحد الأصابع ويتم كي الأصبع المبتور ......عادات وتقاليد ما انزل الله بها من سلطان .... لكنني تنازلت عن دهشتي واستغرابي بعد ان استدرجت واقع حالنا ، ونحن نهرول أمام الجنازة ونمسك بأيدينا آلة الموت ونطلق النار بحاله هستيريه هنا وهناك وكأنها حرب يحترق بها الفضاء ملئ البطن رصاص .. ثم تعدينا على كل العادات وأصبح تعبيرنا عن الفرح بفوز المنتخب احزاناً للاخرين الذين تصعقهم جمرات الموت عندما تتناغم البنادق ويتلاقى الرصاص في السماء بحاله فوضوية .. انه لعب بالنار .. نار حقيقية وليست مجازية ، فالرصاصة عندما تحلق في الفضاء لا تصبح رماداً ، وان هناك بشر قد تكون تحت رحمة رسل تلك الرصاصة .. ولا اشك أننا دخلنا موسوعة عادات ما فوق العادة ..
ففي الوقت الذي تعتصر به قلوبنا تحت رحى الألم لفراق شهدائنا ، يزيدها البعض وجعاً بإطلاق العيارات النارية بصوره مفرطة في الحين نفسه يعاني جيشنا الباسل والقوات المرابطة له نقصاً بالعتاد . ومن يعتقد ان لديه فائض من الذخيرة فليرسله لقوات الحشد الشعبي خيراً من استنزافه في الفضاء بحاله مزرية ..
ولنتعلم من الشهيد انه حمل شعلة المجد لا لأجل ان تعزف البنادق نشيداً بالعراء ، وإنما نور شعلته رسمت لنا اللوحة العملاقة بأجمل ألوانها يعلم الآخرين ان البنادق لا تزئر الا بوجه أعداء الإنسان والوطن والدين ، وان أبراز العضلات واستعراض القوى وإهدار الرصاص ضرب من الجنون ان كان في غير محله ..
وان البعض يعتبرها تعبيراً للمحبة والوفاء ، رغم ان الجميع يوقن ان دخان السكائر لم يكن يوماً ينفع من يهواها .. فاليكن وفائنا للراحل أكثر نفعاً بقراءة القران له ، والصلاة ليلة الوحشة ، والتصدق عنه ولو بثمن أطلاقه واحدة ..
والله من وراء القصد
محمد المحمد العجرش