عقوبة الاعدام : موت أم حياة ؟/فؤاد الموسوي

Fri, 23 Jan 2015 الساعة : 23:18

تعتبر  عقوبة الإعدام من أقسى و أشد أنواع العقاب الجنائي التي عادة ما تطبق على الجرائم الخطيرة و خاصة  على المجرمين المدانين  بعمليات  القتل المتعمد  من الدرجة الأولى ، وقد تم استخدام هذه العقوبة بشكل واسع  من قبل الأقوام و الجماعات على مر العصور و ذلك لردع جرائم  القتل  و كشكل من أشكال العقاب التي كانت تقوم على فكرة  العين بالعين والسن بالسن . وغني عن القول، فأن القصاص  هو أفضل شكل من أشكال العقاب لردع الجرائم ومعاقبة المجرمين الذي يستند على إن مرتكب الجريمة يجب أن يعاني نفس الألم أو الضرر الذي لحق بالضحية  . كما ينبغي أن نضع  بعين  الاعتبار أن عقوبة الإعدام لا تعني الانتقام أو الثأر، بل هي العدالة والمساواة سواء بالنسبة للضحية أو  القاتل نفسه  . بالاضافة إلى ذلك ، يعتبر القصاص من أهم المعايير  الدينية و الاخلاقية  التي تؤكد على قدسية الحياة البشرية وعلى ردع المجرمين القتلة من إرتكاب جرائم أخرى ضد الابرياء .

من جهة أخرى، يدعي المعارضون  لعقوبة الإعدام  بأنها  عقوبة قاسية جداً  وغير طبيعية حيث يبنون هذا الإعتقاد على  التعديل الثامن من دستور الولايات المتحدة الأمريكية الذي ينص على عدم إنزال عقوبات قاسية و غير مألوفة بحق المدانين بأي جريمة كانت . و لكن  ماذا عن الضحية ؟ أليس ذلك يعتبر  من المعاملة القاسية  وغير المألوفة  لقتل إنسان بريء و إنهاء حياته في لحظة ما ؟  هذا يعني بأننا اصبحنا  ندافع عن المجرم  القاتل  و ننسى  الضحية البريئة .  بعض الأشخاص يزعمون  أنه هناك الكثير من الابرياء قد تم اتهامهم بجريمة القتل ظلماً و عدواناً  و حكم عليهم بالاعدام و لكن  مع ظهور التكنولوجيا الجديدة DNA  تبين بأن هؤلاء الأشخاص هم في الاصل ابرياء و لم يرتكبوا أي جريمة قتل .  في الحقيقة إن  هذه المشكلة بحد ذاتها تعود إلى أخطاء قانونية تتعلق بالتحقيق نفسه حيث إنه في بعض  الأحيان يكون التعامل مع الأدلة و البراهين غير عادل أو أن تكون الاجراءت القانونية  غير عادلة . لذلك يجب على القضاة الأخذ بعين الإعتبار كل الظروف و الملابسات و تدقيق البراهين و التأكد من سلامة التحقيق قبل فرض عقوبة الاعدام  .

ولعل الجواب الأكثر قبولا لتأييد عقوبة الإعدام هو ارتفاع معدل الجريمة والعنف المستشري في المجتمع الأمريكي لعقود من الزمن.  مثلاً اطلاق النار و قتل الناس  في المدارس و الأسواق وأماكن العمل والمنازل ليست سوى واحدة من الأمثلة لهذا العنف الإجتماعي المنظم . ونتيجة لذلك، إزداد عدد المؤيدين لعقوبة الإعدام ، وفقا لدراسة بحثية  أجريت على مدينة سكانية كبيرة في الولايات المتحدة ، اكتشف الباحثون بأن  الدعم و التأييد قد إزداد بالنسبة لعقوبة الأعدام بشكل ملفت حيث بلغ عدد المؤيدين 60.8 في المئة . وعلاوة على ذلك،  فأن هؤلاء الذين يؤيدون عقوبة الإعدام يجادلون بأنه نظرا للمستويات المتزايدة  من جرائم العنف في الولايات المتحدة،  يجب أن تكون هناك عقوبة شديدة تطبق على المدانين بجرائم القتل العمد و الأعدام هو أمثل عقوبة للردع .  أما أن تقوم المحكمة بفرض أحكام سجن مدى الحياة و بعد ذلك يتم الأفرج عن القاتل، فهذا هو الإستهتار الحقيقي بقيمة الحياة بالنسبة للضحية و في نفس الوقت يعتبر مكلف للمجتمع من الناحية المالية و الإجتماعية على حد سواء حيث إنه من المحتمل أن يقوم الجاني بإرتكاب جرائم أخرى إذا ما تم إطلاق سراحه.  ومن الجدير بالذكر أن معارضي عقوبة الإعدام قد يجادلون  بأن ممارسة عقوبة الإعدام في حد ذاتها غير عادلة و تمييزية و خاصة  ضد الملونين  والفقراء.  هنا يمكن لنا إن نتفق معهم بأن معظم  المحكوم عليهم بالإعدام حاليا هم من الفقراء وعددا غير متناسب هم من السود ،  و هذا يبين لنا بأن  المشكلة بحد ذاتها ليس في تطبيق عقوبة الإعدام ذاتها  و لكن في  ممارسة التمييز العنصري ضد بعض الأشخاص أو الاقليات .

ويرى معارضو عقوبة الإعدام على أن الإعدام طريقة  خاطئة وغير أخلاقية  و يستندون في ذلك على إن القصاص من المجرمين هو طريقة شاذة و إسلوب غير صحيح  لأظهار بأن جريمة القتل هي بحد ذاتها خاطئة ، حيث يرون  إنه عندما يقوم المجتمع  بإعدام شخص ما ، فأنه يرسل رسالة مفادها إن القتل هو وسيلة مقبولة لحل مشكلة العنف ، كذلك يبررون موقفهم بالقول أن المجتمع لديه إلتزام اخلاقي لحماية الحياة البشرية لذلك لا يجوز أن يتم القصاص من المجرمين إلا إذا دعت الضرورة القصوى لذلك و هو تحقيق التوازن النسبي بين الخير و الشر بالنسبة لجميع الأفراد . وبالإضافة إلى ذلك، يدعي معارضو  عقوبة الإعدام بأنها  مكلفة جداً من الناحية الإقتصادية  و ذلك لأنها تتطلب الكثير من الاحتياطات الإجرائية اللازمة و ذلك لغرض ضمان عدم حدوث خطأ قانوني في القضية .  على سبيل المثال ،  أظهرت دراسة  بحثية  في ولاية كارولينا الشمالية أن محاكمة المدانين بجرائم القتل و المحكوم عليهم بالاعدام  يكلف المواطنين  مبلغ إضافي  قدره   216,000 $ .

وبالعودة إلى سؤالنا الافتراضي، أصبح من الممكن الآن أن نذكر أن عقوبة الإعدام لا تعني الموت و انما هي الحياة إذ قال الله سبحانه و تعالى في كتابه الكريم (و لكم في القصاص حياة يا أولي الالباب لعلكم تتقون ) و من أصدق من الله قولاً و هو الحكيم العليم بأمور الناس و شؤونهم أكثر مما يعلمون . لذلك  نستنتج بأن القصاص هو الحياة بعينه و ذلك من خلال ردع المجرمين و جعلهم يحسبون ألف حساب قبل الأقدام على إرتكاب جرائمهم  . فإذا ما تم إلغاء عقوبة الإعدام كما هو موجود الآن  في بعض الدول، فذلك يعني بأن القاتل سيعيش بينما الابرياء تموت و سوف يستمر القاتل بارتكاب شتى أنواع الجرائم مراراً و تكراراً .

أعتقد أن مستقبل عقوبة الإعدام يعتمد على معدل الجريمة وكذلك وجهات نظر الشعوب السياسية والأيديولوجية حول  الجريمة والعقاب. فاذا ما  استمر عدد  جرائم العنف و القتل بالإزدياد ، فإن المجتمع ليس لديه خيار سوى دعم عقوبة الإعدام كوسيلة من وسائل العقاب والوقاية على أمل أن هذه الجرائم قد لا تحدث مرة أخرى أو على الأقل يتم التقليل منها .

Share |