الأديب والإعلامي الشاعر السومري حيدر عبد الخضر في حديث خاص
Tue, 30 Dec 2014 الساعة : 13:04

اكتب لكي أتنفس الوجود واغزل اللذة بأصابع من دخان
على الشاعر ان يكون قريبا من نبض الوطن وأحلام
وهموم أبنائه البسطاء والطيبين
ذاكرتي مكبلة ومطرزة بتراتيل وأناشيد إسلافي السومريين
كتب/ فوزي التميمي
يعد الشاعر والأديب والإعلامي حيدر عبد الخضر واحد من ابرز المثقفين العراقيين الذين أنجبتهم مدينة الناصرية الحبلى بالأدب والوعي والثقافة الذين قدموا خلاصة حياتهم خدمة للعراق ومدينة الناصرية من خلال مواصلة مشواره المتعب والحساس بعدما حاصرته العلل والإمراض وراح يتوكأ على آلامه وأوجاعه ناسجا عبرها ارق وأعذب النصوص,والمشاريع الجمالية
الشاعر الجنوبي أصبح اليوم سادنا للوجع في الثقافة العراقية وهو يكابر المرض الذي لازمه اكثر من ثمان سنوات بحيث أنهك واتعب جسده الحساس والعليل ورغم ذلك فهو لم يفارق احبته يوما وبقي مخلصا لمشروعه الفني والثقافي رغم كل الجفاء الذي لحق به من المسئولين وبعض أصدقائه المثقفين الذين أنكروا فضله في تأسيس الكثير من الانجازات والمشاريع الثقافية في مدينته وحاضنته الأولى الناصرية التي لم يفارقها رغم الفرص الكثيرة التي أتيحت له والتي لو استثمرها لكان الان في وضع يحسده عليه الكثيرون لكنه أبى ذلك اعتزازا منه بهذه الارض المباركة والطاهرة ومحبة بأناسها واهلها الطيبين شارك في كثير من المهرجانات والملتقيات الادبية والثقافية ولديه ديوان مطبوع في وزارة الثقافة بعنوان هذا (غبار دمي) حال اصداره كتب عنه ما يقارب العشرين دراسة ادبية ونقدية لخيرة نقاد العراق لما تمتاز به المجموعة من إبداع وتميز ورصانة فضلا عن ديوانه الآ خر الذي سيطبع قريبا وكذلك حصوله على الكثير من الجوائز الشعرية والشهادات التقديرية ولايزال يمارس النقد في المسرح والتشكيل والكتابة الصحفية حسب ما نوه به في حديث صريح فتح قلبه للقارئ الكريم
وقال ان الجميع يدرك كم انفقت على علاجي دون ان يسال احدا لا من المسؤولين او من الحكومة العراقية الذي اطالبها الاهتمام بالمثقفين والثقافة لانها هي معيار ومقياس قيام كل دولة حضارية لها تاريخها وخصائصها الحضارية فمثلا أنا الى هذه اللحظة انفقت اكثر من اربعين الف دولار نتيجة لسفري المتكرر الى عدة دول بسبب الانتكاسات الصحية التي تعرضت لها وهي رحلات مؤطرة بالخيبة والمرارة ولوان هناك جهة رسمية واحدة تكفلت بمسالة علاجي لما انفقت كل هذه الاموال
وتابع يقول ان اخر لجنة طبية مررت بها اوصت لي بحقن وريدية يصل سعرها الى 50 الف دولار وقد لاتجدي نفعا ونصحوني بضرورة السفر اما الى لندن او المانيا ’ مع العلم بأن أي مسؤول في المحافظة لم يرسل لي باقة ورد اوبرقية او اتصال يتمنى فيه الشفاء
وتساءل الاديب عبد الخضر هل يمكن للبرلمان العراقي ان يلتفت الى معاناة مثقف وأديب عراقي مستقل لا هدف له سوى خدمة العراق وتكريس قيم الحب والتسامح والبناء
وقال على مايبدو ان المسالة ليست شخصية بل على الدولة العراقية الحديثة ان تنشىء موسسات وجهات داعمة وراعية للثقافة يمكن لها ان تجعل المثقف لايتوسل المساعدة والعطاء بل ان حقه مكفول بالقانون والدستور الذي يجعله يعيش بعزة وحرية وكرامة
*- اذن لاتستطيع التواصل ام تبقى مبدعا وانت تكابر المرض ؟
أجاب انا قريب جدا من نبض الألم العراقي فهمومي لاتنفصل عن هموم واحلام الناس البسطاء الذين مازالوا يدورون في دوامة الفزع والقلق والخوف الأبدي الذين حول حياتهم الى كوابيس وهزائم متكررة فهومي هموم الشاب والشيخ والعجوز والطفل والمراة وكل هؤلاء مازالوا يقبعون في زنازنين الوطن بانتظار الخلاص
واعتقد الأديب والمثقف العراقي حيدر عب الخضر وهو يتحدث بالم وحسرة شديدين بان تلك الهموم لن تنجلي ابدا مادام هنالك من يؤسس للظلام ويطفىء احلام العراقيين باكاذيبه ووعوده الزائفة ويعود بنا الى قرون من الجهل والتخلف والموت والبلادة وقال رغم ذلك فانا اعول على صبر العراقيين وقدرتهم على المطاولة وكذلك النخب السياسية التي تحمل في اكفها دموع الامهات واليتامى لتزفه نوارس تحلق في فضاء هذا الوطن الطاهر والجريح كما اني والحديث للشاعر حيدر أعول ايضا على المخلصين الذين مازالوا يؤمنون بدور الكلمة الصادقة والجريئة في تضميد جراح العراقيين وتعزيز مرتكزات الوعي الثقافي والاجتماعي مومنا بان الغد سيكون اكثر اشراقا وبياضا لأمة علمت البشرية دروسا في الحب والتسامح والابداع المعرفي والجمالي
-هل دورة المعاناة التي تمر بها اثرت بالفعل على مستواك ونتاجك الابداعي ؟
قال حقيقة لايمكن لجذوة الشعر ان تنطفىء في داخلي مادام هناك روح تنبض بحب الوطن والناس فانا سومري اعشق الحكمة دمي مدجج بالرفيف وقلبي فارس نبيل هكذا علمتني التجارب والأيام أن أدجن صوتي مع الرياح واطلقه مع تنهدات الندى وزقزقات العصافير وتابع يقول انه رغم كل هذه المخاوف والهواجس التي اخذت تحاصر روحي الذابلة الا أنني بهذه المفردات العاشقة والنبيلة اخذت أهش عن نفسي كل أوجاع ومرارات الكون لأثبت ان الشعراء هم سدنة الأحلام وأنبياء هذا العصر القاحل والبذيء الذي اخذ يوزع مناشير الموت حتى على الشجر والانهار والنوارس ويسلب البراءة من عيون الاطفال ويشككنا بآدميتنا وقال ان على الشاعر ان يناضل من اجل مشروعه الجمالي وان يتجاوز بذكائه وفطنته وانسانيته الكبيرة كل الظروف والتحديات التي قد تسلب شيئا من ارادته لكنها لايمكن ان تقتل في داخله روح المحارب وإرادة الخير التي تكافح لأجل الكرامة والحرية التي ناضل من اجلها الخيرون في العالم ونزفوا دمائهم وارواجهم الطاهرة ليجسدوا للعالم كل قيم المحبة والبسالة والإيثار
ولفت الى انه رغم كل هذه المحن لا انني مازلت متواصلا في مشروعي الثقافي سواء بالمشاركة في الفعاليات والمهرجانات الأدبية ام باستمراري في نشر الكثير من دراساتي النقدية في مجال المسرح والتشكيل والصحافة او مختلف الاصدارات المحلية والتي ابتعدت عنها ما يقارب السنة بسبب العملية الجراحية المعقدة التي اجريتها مؤخرا في الهند والتي ما زلت اعاني من بعض مضاعفاتها وذلك انا سأتواصل لانني مؤمن بدور الكلمة في بناء العراق الجديد وتعزيز مرتكزات الوعي والاجتماعي والجماهيري
الشاعر والاديب حيدر عبد الخضر شخص خلال حديثه بان هناك اشكالية بين المثقف والسلطة وصفها بأشد خطورة معربا عن أسفه البالغ بان الدولة في واد والمثقف في واد اخر وقال انه بحكم ثنائية السياسي- الثقافي التي يتحدد على ضوئها الكثير من مسارات المشروع السياسي والثقافي في البلاد فنظرة الشك والريبة التي يحملها المثقف تجاه السياسي والنظرة الاستعلالية لبعض السياسين اتجاه المثقف العراقي بدات توثر بصورة مباشرة على كل مشروع سياسي او ثقافي في البلاد فالسياسي ينظر للمثقف كأي مفردة اضافية ضمن انساق خطابه الدعائي الرخيص مع استئثارات واضحة ومحددة اما البعض الاخر ينظر اليه كتابع ذليل او منافس خطر ينبغي تجاوزه واهماله موضحا انها هذه العقدة ارهقتنا بخسارات كبيرة من الطرفين فمعظم المثقفين لديهم نظرة شاملة موضوعية لما يجري على ارض الواقع وهم اصحاب مشاريع حقيقية وبذلك ينبغي اشراكهم في صياغة حلول كثيرة للمعضلة العراقية وينبغي على السياسين ان ينتبهوا الى هولاء المثقفين ويمنحونهم شيئا من الثقة والاهتمام للمساهمة في بناء المشروع النهضوي للبلاد كما ينبغي لبعض المثقفين ان يخففوا من حدة التوتر وهاجس الخوف والشك تجاه بعض السياسين وبذلك يشترك الجميع في بناء منظومة من التصورات التي يمكن على ضوئها تجاوز الاخطاء وتعديل مسار العملية الساسية خدمة للجميع
اذن يجب على المسوؤلين الاهتمام بالمثقف لانه ركيزة أساسية ومهمة كما تقول .. اجاب وهو يتنهد قليلا واشار الى ان المعضلة العراقية معضلة اعتبرها كبيرة بحكم وجود ماسماه بملفات حساسة وشائكة وكم هائل من المتطلبات والمشاكل التي تحتاج الى حلولا عاجلة وسريعة فالملف الامني والخدمات والبطالة وغيرها من المشاكل التي تصيب الدولة بنوع من العجز والشللية ..ولكن هذا لايمكن عده مبررا يدعو المسؤولين الى التخلي عن واجباتهم الاجتماعية والانسانية خاصة تجاه المثقف العراقي الذي عانى اقسى سياسات القمع والاقصاء والتهميش واضاف انه مازال اي المثقف محاصرا بالخوف والموت الذي يترصده من كل جانب لا لشي الا لانه يؤمن بحرية الفكر والكلمة ودورها في بناء المجتمع والحضارة ..
وتابع يقول انه يجب على الدولة ان ترعي النخب الثقافية لانهم صوت الامة وضميرها وهم النافذة التي يتنفس عبرها الناس احلامهم وطموحاتهم وهم اصحاب الرسالة الحية والنابضة بالصدق والموضوعية اذ انهم ينتمون الى ثقافة تؤمن بثقافة الآخر وبالرغبة والمشاركة الحقيقية في صناعة الامل وترويج البراءة والجمال
ودعا البرلمان العراقي الاهتمام بالمثقف العراقي وان يتحملوا مسؤوليات جسام امام مايتعرض له اللاديب من انتكاسات وامراض تلازمه المرض لايستطيع بعضهم مواصلة الدرب الا بمساعدة الخيرين وقال ان العراقيين انتخبوا شريحة واسعة وصلت الى قبة البرلمان ينبغي عليها الالتفاته والاهتمام وان لاينشغلوا بامور جانبية وقال لقد مررت بتجارب قاسية جدا مثل تجربة الجنون والانتحار وذلك عند دخول مستشفيات سوريا وعمان وطهران والقاهرة وبيروت بالاضافة الى مستشفيات العاصمة بغداد ونيودلهي ووصلت الى مرحلة لم يعد فيها جسدي العليل يتحمل نسمة الهواء التي تمر به هذا الجحيم الذي كان يحاصرني من كل مكان اقصده باحثا عن عشبة الخلاص والوجود ..ورأى الاديب والقاص والاعلامي تلك الهموم شكلت له دافعا لان يكون اكثر قسوة على نفسه وتابع لذا تراني ادوس بكل كبرياء وبسالة على هذا النزف المتدفق واواصل رحلتي في العطاء والكتابة .. ولو كان يعلم معظم الاصدقاء الذين اجالسهم مقدار وكمية الوجع الذي يعتصر روحي وقلبي لنحتوا لي تمثالا من الرخام او منحوني وساما لكوني السفير الدائم للهم والوجع الانساني ..
*- يعني انك متشائم الى نوع ما ؟
اجاب قد لاتتفق مع مااقول باني متشائم الى حد بعيد ولكن هذه هي الحقيقة لاني وصلت الى مرحلة فقدت فيها كل ثقة وامل بالحياة ولم اعد افكر بمن سينقذ حيدر عبد الخضر والمثقف عموما والكلام له من هذه الدوامة لاني استسلمت الى هذا القدر الغامض الذي سلبني اجمل وارقى لحظات الشباب التي لااعتقد انها ستعود ابدا هذا الى جانب حرمني ذلك الوجع من مواصلة مسيرتي في الحياة والدراسة ومواكبة وانضاج المشروع الثقافي الذي كنت اوسس له من زمن بعيد ..ويقول عندما تراني انشر هنا وهناك فهذه نوع من المقاومة النبيلة التي قد تمنحني نوعا من المصالحة مع الذات ورغم ذلك فانا مازلت اعول على مجموعة من اصدقائي الحقيقين في الوسط الثقافي ومن تقاسم معي رغيف الصداقة والمعاناة المرة هؤلاء يدركون مقدار الدين الذي اثقل صدري ورقبتي ، ولكي يتقاسم معي ملح التجربة الصديد ورغيف الغواية المر اريد من قارئي ان يكون متوثبا ومغامرا على الدوام ..القارىء الذي ادعوله عليه ان يتسلح بالفطنة والمشاكسة مع قدر لاباس به من الشك والارتياب .. كما انني اكتب نصا عموديا ونثريا وحرا القالب الشعري لايشكل لي معضلة
وقال لست من دعاة التكرار واستنساخ التجربة لذا ترى نصوصي قليلة وعلى الرغم من بساطة اجوائها ومفرداتها لكنها عميقة بقدر الظلم الذي يعتصر روحي والخراب الذي يحاصر اشيائي الحميمة فنصوصي تتنفس وجودها في هذه البيئة الساحرة والممتدة الى زمن بعيد فأناشيد اجدادي السومريون ورفيف النخل واوجاع الجنوب واحلام اليتامى والعاشقين والطيبة والبساطة كل هذه الاشياء توقظ في داخلي جذوة الانتماء الى حضارة ومدينة تتسم بشلالات الشعر وموسيقى الخلود واخلص بالقول ان النص الصادق الاصيل هو الذي يفرض هيمنته ورؤاه على قرائه ومستمعيه بغض النظر عن القالب او الشكل الذي ينتمي اليه ولهذا فان العلة تكمن في منتج النص ومنشئه وخلود القصيدة وقدرتها على الثبات والمطاولة يتحدد بقيمتها وثرائها وصدقها في طرح هموم الانسان واحلامه ورغبته في صناعة الامل والانعتاق من الرهبة والخوف والخذلان .