الحزن في الشعر-عباس صالح الابراهيمي
Sat, 14 May 2011 الساعة : 12:14

تتدفق الاخيلة النضرة في قصائد السياب الذي يحولها الى وجع فني مكتوب بضروب الشعر المتزن والاكثر تقبلا .. السياب احد الشعراء الكبار الذين حولوا القصيدة الى تراكم من اسئلة تدور في الذهن اينما ذهب ..
انه مفتاح الجواب عندما يتصاعد النشيج
والاغنيات في ربيع العمر . في قصيدته
الشهيرة اساطير .. اسئلة مطروحة على شكل صور حية لمفاتيح تتكرر لمصير الانسان وحياته المليئة بالسراب . لقد كتب السياب قصيدته وهو يدرك انها ستكون جوابا كما هي اسئلة للمعنى . والقصيدة هي الم وحزن وشكوى من الطغاة والقساة الذين ينشرون الرعب والموت في البلاد .. انهم حفنة من الموتورين والقتلة يكرهون الحياة ويميلون الى الاستمتاع بالقتل وشهوة الدم . يقول السياب في قصيدته مالم يستطيع غيره من قوله ولا سيما ان الطغاة يحيطون به من كل جانب .
فكانت هذه القصيدة مليئة بالحب والحزن
والموت والجوع :
نسيج اليد البالية
رواها ظلام من الهاوية
وغنى بها ميتان
أساطير كالبيد ماج سراب
عليها وشقت بقايا شهاب
وأبصرت فيها بريق النضار
يلاقي سدى من ظلال الرغيف
وأبصرتني والستار الكثيف
يواريك عني فضاع انتظار
وخابت منى وانتهى عاشقان
في القصيدة ثمة لغة من الدهشة والاثارة
تستطلع الكلمات الذاوية كوجه مهشم . انها الشكوى من الحرمان والامل البعيد ودم البائسين وانغلاق الابواب والظلام المسيطر على السنين : أساطير مثل المدى القاسيات تلاوينها من دم البائسين فكم أومضت في عيون الطغاة بما حملت من غبار السنين يوحي الشكل العام للقصيدة بان السياب كان يتامل صورة يائسة لوضع البلاد في تلك الفترة وهو يبتعد عن الخيال والمباشرة ليدخل عالم الاحاسيس والاثارة الكامنة خلف الكلمات .
فالسياب يقول في مقدمة ديوانه ( اساطير ) : ( وهناك شيء من الغموض في بعض القصائد؛ ولكنني لست شاعرا رمزيا وقد كنت مدفوعا إلى أن أغشي بعض قصائدي بضباب خفيف، وذلك لأنني كنت متكتما، لا أريد أن يعرف الناس كل شيء عن حبي الذي كانت كل قصائد هذا الديوان صدى له؛ فقد كانت "موحية" هذا الديوان، تغضب أشد الغضب، إذا أنا ذكرت شيئا عن قبلاتنا ومواعيدنا، وكثيرا ما مزقت بعض القصائد التي كانت تشير إلى شيء تأبى هي أن يعرفه الناس. وقصيدة "أساطير" في هذا الحب، ولكنها توشحت ببعض الغموض الذي تزيله المقدمة النثرية لهذه القصيدة، وكذلك الحال في قصيدة "اللقاء الأخير" ولولا بأنها خانت هذا الذي كانت تسميه "النبي الوديع" لظلت هاتان القصيدتان غامضتين، دون مقدمة يفهم منها القارئ ما أقصده. ) وهذا الغرام اللجوج أيريد من لمسة باردة على اصبع من خيال الثلوج وأسطورة بائدة وعرافة أطلقت في الرمال بقايا سؤال وعينين تستطلعان الغيوب وتستشرقان الدروب وتظهر قابلية الشاعر في تغيير الاوزان في القصيدة باعتبار ان السياب كان رائدا في حركة القصيدة الجديدة وهذه القصيدة من الديوان الذي تكلم عنه السياب حين يقول : (وأول ما يلتقي به قارئ هذا الديوان، نوع من الموسيقى، لا عهد به لأغلب قراء الشعر في العراق. لقد ثار أكثر من شاعر في كل بلد عربي، على تلك الموسيقى الرتيبة، التي تأثر الشعر العربي بها، وتناولت الثورة، في أول عهدها، وحدة القافية، ثم تعدتها إلى الأوزان فهجر كثير من الشعراء المجددين البحور الطويلة، واستعاضوا عنها بالبحور القصيرة، إلا في القصائد التي تستلزم الفخامة. وقامت دعوة إلى "الشعر المهموس" كان أول من قادها الأستاذ الكبير محمد مندور.
وهناك فريق آخر من الشعراء، ثار على وحدة الوزن، منهم الشاعر الكبير المرحوم؛ إلياس أبو شبكة في "غلواء" و "إلى الأبد"
وبعض القصائد من "أفاعي الفردوس" والأستاذ خليل شيبوب في قصيدته (القصر القديم والحديقة المهجورة)؛ وشعراء آخرون.ولكن الانتقال من وزن إلى وزن سواه، كثيرا ما يسبب "نشازا" في الموسيقى لا تقبله الأذن الحساسة. وللأستاذ مصطفى عبد اللطيف السحرتي، بحث ممتع عن الموسيقى في الشعر الحديث، في كتابة القيم "الشعر المعاصر على ضوء النقد الحديث" نود للقارئ أن يرجع إليه. ) . تعالي فما زال نجم المساء يذيب السنا في النهار الغريق ويغشى سكون الطريق بلونين من ومضة واطفاء وهمس الهول الثقيل بدفء الشذى واكتئاب الغروب يذكرني بالرحيل شراع خلال التحايا يذوب وكف تلوح يا للعذاب