الأنبار.. من حصار إلى آخر
Mon, 22 Dec 2014 الساعة : 6:25

وكالات:
تختبر محافظة الأنبار حصارات مستمرة، ويمكن القول إن الهواء وضوء الشمس هما الوحيدان اللذان أفلتا من هذه التجربة، ولا أحد يدري متى يمكن أن يتم ابتكار نوعية خاصة من الحصار بهما.
ابتدأت فكرة الحصار تأخذ مجراها مع بداية العام الذي يوشك على مغادرتنا، فمنذ الأيام الأولى لدخول الدواعش إلى الأنبار مارست الحكومة فرض حظر للتجوال استمر ثلاثة أيام لاقى المواطن فيها الأمرين للحصول على الغذاء والخبز والمواد الغذائية، ولم تكن تلك التجربة وحيدة بل تبعها فرض منع للتجوال مرات عديدة ينهزم المواطن فيها منكفئا على نفسه ولاعنا اليوم الأسود الذي أصبح فيه عراقيا.
بعد هذه التجربة المريرة ولكن الهينة في الوقت نفسه، التفت الأنباريون إلى أهمية الحصار وجدواه في تحطيم الإنسان.. فابتدأ أولا حصار مدينة الفلوجة فقد قامت القوات الأمنية بفرض حصار خانق عليها تمثل بقطعها عن العالم الخارجي تماما والتحكم بمصير حياة آلاف العوائل التي قررت البقاء في المدينة أو التي عادت إليها بعد عناء التجوال والبحث عن المكان المؤقت للانزواء والهروب من الواقع المرير، واستمر هذا الحصار منذ اليوم الأول للأزمة الأنبارية حتى اليوم، وكان يشهد انفراجات لتعود العوائل إلى الداخل ويضيق خناقه لتهرب العوائل خارج الفلوجة مجددا، وكان بعض منتسبي قوى الأمن والجيش من الأنباريين وغيرهم يقولون بصراحة (لو كان بيدنا لمنعنا حتى الطماطة الصغيرة من الدخول إلى الفلوجة).
كنت أستغرب من هذه الرغبة بقطع الغذاء عن مواطنين لا حول لهم ولا قوة واتهامهم ببساطة بأنهم دواعش، كان نوري المالكي قد قال إنه لم يبق في الفلوجة إلا داعش وعوائلهم، بينما كنا نعرف جميعا أن المدينة مليئة بمواطنين أبرياء ليس لديهم المال الكافي ليستأجروا بيتا في مناطق آمنة ويعتمدون في معيشتهم على ما يحصلون عليه يوميا من أجور، كما أن الحكومة لم توفر لهم ملاذا آمنا على طوال هذا العام الغريب. لقد فر من المدينة من يملك مالا كافيا ليعيش به خارجها بلا عمل وبإيجار باهض وبأسعار تشهد ارتفاعا مستمرا بسبب الأزمة المستمرة.
بعد تجربة الفلوجة المريرة التي لم تنفرج حتى اليوم، تعلم الدواعش الدرس، فابتدأوا بحصار المدن من جانبهم أيضا. لقد فرضوا حصارا خانقا على مدينتي حديثة والبغدادي بعد أن سيطروا على مدينة هيت.. ابتدأ الحصار خفيفا أولا فقد سمح الدواعش في البداية للمواطنين بالتسوق بسياراتهم الخاصة وبكميات قليلة مما يكفي لعائلة واحدة، وبعد أن وجدوا أن هذا الحصار لم يقدم شيئا لأن أفراد القوات الأمنية كانوا يكلفون أقاربهم وأصدقاءهم بالتسوق لهم كما أن عناصر الجيش كانت تصلهم المواد الغذائية بالطائرات عبر قاعدة عين الأسد، قاموا بتشديد الحصار ليصبح خانقا فعلا، فلا يسمح اليوم لأي مواد غذائية بالعبور إلى تينك المدينتين بأي شكل من الأشكال مما حمَّل المواطنين عبئا ثقيلا تمثل بارتفاع الأسعار على المواطنين وشحة وجودها مما اضطر العديد من العوائل إلى هجرة المدينة والبحث عن مكان آخر.
مدينة حديثة بالمقابل قامت بقطع الكهرباء عن جميع المناطق المحتلة من قبل داعش مثل هيت وعنه وراوة والقائم والرطبة، وهذا ما جعل الكهرباء الحديثية لأهالي حديثة فقط بينما يعيش سواهم في ليل طويل مع شحة خانقة من جانب المشتقات النفطية مما يزري بحالة المواطنين المزرية أصلا ويزيد الطين بلة.
مدينة الرمادي التحقت بسلسة الحصارات المتبادلة فهي تتكون من ثلاثة أجزاء هي الجزيرة والمركز والتأميم. ويسيطر الدواعش على جزأي الجزيرة والتأميم بالكامل وعلى نصف المركز تقريبا، وفي الوقت الذي تفرض فيه الحكومة المحلية في الأنبار حصارا على المشتقات النفطية والكهرباء عن مناطق التأميم والجزيرة يفرض الدواعش أيضا حصارا على عبور المشتقات النفطية من منطقة الخط السريع نحو الرمادي المركز، فقد قام الدواعش في العديد من المرات باختطاف سيارات الحمل الكبيرة وتفريغها في التأميم من أجل استعمالها وتوزيعها على المواطنين في المناطق التي يسيطرون عليها، ولما شعرت القوات الأمنية بالخطر من امكانية سقوط مدينة الرمادي المركز قامت بغلق الجسر الوحيد الرابط بين المدينة والخط السريع لا من أجل حصار المدينة بل من أجل منع تفجيره من قبل الدواعش مما عزز إجراءات حصار خانق وشديد أيضا، فقد شهدت الأسعار ارتفاعا شديدا وابتدأ المواطن يتلوى ويشتكي من قلة المال وغلاء الأسعار ومجهولية المآل.
ولما رأى الدواعش أن هذا الحصار قد يجدي نفعا قطعوا طريق المنتجات النفطية تماما وحذروا السائقين من جلب أي مشتقات للمدينة، وحذروا سائقي الشاحنات وسيارات الحمل المتوسطة (الكيا) من العبور عبر الخط السريع نحو المدينة أيضا، ووضعوا قناصة من بينهم لقتل كل من يجلب أي مواد غذائية أو منتجات نفطية أو دوائية للمدينة، ومنذ بداية هذه الإجراءات قبل أسبوع تقريبا ابتدأت الأسعار تشهد ارتفاعا مضاعفا في المدينة، وابتدأ المواطنون بقرار الرحيل عن المدينة والمحلات ابتدأت بالإغلاق.
وهكذا تستمر الأنبار في التنقل من حصار إلى آخر، وسط بحث مستمر عن نوعيات جديدة، قادرة على منع ما لم ينجح أحد في منعه حتى الآن..
من بيان البكري
المصدر/ واي نيوز