تاملات في القران الكريم ح251/حيدر الحدراوي

Fri, 19 Dec 2014 الساعة : 13:07

سورة  المؤمنون الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم

بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ{81}
تنقل الآية الكريمة صورة عما قاله كفار مكة , هو عين ما قالته الاقوام السابقة .

قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ{82}
تروي الآية الكريمة استنكارهم ليوم البعث (  قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً ) , نموت وترجع اجسادنا للتراب , لا يبقى منها سوى العظام , (  أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ) , بعد كل ذلك تعود اجسامنا كما كانت .

لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ{83}
تستمر الآية الكريمة بالرواية على السنتهم (  لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ ) , تضمن النص المبارك اعترافهم ان البعث ليس بالأمر الجديد عليهم , بل انهم على معرفة تامة به , فقد سمعوا وعرفوا ان ابائهم قد وعدوا به ايضا , (  إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) , ثم انهم يعدونه من الاساطير والحكايات المتوارثة ليس الا .

قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{84}
الآية الكريمة تخاطب النبي الكريم محمد "ص واله" (  قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا ) , ان يسألهم عن الارض ومن فيها , من خالقها ومالكها ومدبرها ؟ , (  إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) , ان كان لديكم علم فأجيبوني ! .

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ{85}
تروي الآية الكريمة ان جوابهم سيكون اعترافا منهم بالله تعالى ذكره (  سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ) , سبب اعترافهم هذا يصب في محورين :
1-      ان اعراب مكة كانوا يؤمنون بالله تعالى مجده , لكنهم يشركون الاصنام في عبادته طلبا لشفاعتها عندها وايضا لتقربهم زلفى لديه حسب مزاعمهم .
2-      ان العقل الصحيح والصريح والفطرة السليمة تدلهم وترشدهم الى الخالق والمدبر هو الله تعالى مجده .
(  قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) , طالما وان الامر كذلك , وها قد علمتم ان الخالق والمالك هو الله تعالى سواء كانت معرفتكم به جل وعلا من مواريث دين الحنيفية او مما يرشد اليه العقل الصريح , فلماذا لا تتعظون فتدركون ان من ابتدأ الخلق قادر على اعادته , كما وان ابتداء الخلق ليس أهون من أعادته .

قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ{86}
الآية الكريمة تخاطب النبي الكريم محمد "ص واله" ان يسألهم سؤالا اخر (  قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) , بعد ان سألهم "ص واله" عن الارض ومالكها "خلقا وتدبيرا" يوجههم السؤال عن خالق ومالك ومدبر ما هو اكبر من الارض :
1-      (  قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ ) : حيث ان السموات السبع اكبر خلقا من الارض .
2-      (  وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) : اما العرش فهو اكبر من السموات السبع .

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ{87}
تروي الآية الكريمة ان جوابهم الحتمي سيكون (  سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ) , لنفس الاسباب المتقدمة , (  قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ) , طالما وانكم تقرون بذلك , اليس حريا بكم ان تخشون عذابه ان عبدتم غيره جل وعلا ؟ ! .

قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{88}
تخاطب الآية الكريمة النبي الكريم محمد "ص واله" ان يطرح عليهم تساءلا ثالثا (  قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ) , المالك المطلق لكل شيء , (  وَهُوَ يُجِيرُ ) , يغيث ويحرس ويجير من استجار به او من شاءت ارادته اجارته , (  وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ) , ولا يمكن لاحد أيا كان ان  يغاث او يجار من اراد الله تعالى هلاكه , (  إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) , اجيبوني ان كنتم تعلمون ؟ ! .

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ{89}
تروي الآية الكريمة جوابهم الحتمي (  سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ) , لنفس الاسباب المتقدمة , (  قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ) , ان كنتم تعلمون ذلك وتدركونه , فكيف تخدعون وتصرفون عن عبادته جل وعلا , وتعكفون على عبادة غيره جل وعلا , وبعد كل ما ظهر لكم من الادلة ؟ ! .

بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{90}
تبين الآية الكريمة مؤكدة ( بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ ) , التوحيد والوعد بالنشور , (  وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) , في شركهم وانكارهم ليوم البعث .

مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ{91}
تبين الآية الكريمة مثبتة (  مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ ) , ما اتخذ الله تعالى ذكره ولدا , (  لتقدسه عن مماثلة أحد ) "1" ,  (  وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ ) , وايضا ما كان معه جل وعلا الها معبودا , يشاركه في الالوهية والخلق , (  إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ ) , لو كانا الهين خالقين اثنين , لتفرد وانفرد كل خالق بخلقه , (  وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) , و لجرت بينهما مغالبات وحروب واقتتال , كما هو حال ملوك الدنيا , ولأختل نظام الكون , لانشغال الالهة بالقتال والحروب ... الخ , اذا هذا الكون المحكم الصنع والتدبير يدل على خالق ومدبر واحد , لا شريك له ولا مثيل , (  سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) , تنزيها له جل وعلا عما ينسبونه ويصفونه له جل وعلا من الولد والشريك .

عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{92}
تؤكد الآية الكريمة انه جل وعلا (  عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) , عالما بما طرق حواس الخلق وما لم يطرقها , ما وصل اليها وما لم يصلها , (  فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) , تعظيما وتنزيها له جل وعلا عما ينسبون له ويصفونه به جل وعلا .
عن الصادق عليه السلام ( الغيب ما لم يكن والشهادة ما قد كان ) . "2"

الهامش :
1-      تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني .
2-      تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني , تفسير البرهان ج4 للسيد هاشم الحسيني البحراني .

حيدر الحدراوي
 

Share |