خفايا الهجوم على وزارة التعليم العالي-فراس الغضبان الحمداني
Tue, 13 Sep 2011 الساعة : 23:50

لابد إن نشير ومن السطر الأول بأننا لسنا مع سياسة المحاصصة والتوافقية على حساب الوطن ونحن بالضد تماما من تسييس الوزارات وتحويلها إلى طوائف ومذاهب وعشائر لتفقد بذلك خصوصيتها ودورها في نهضة البلاد وتوعية العباد .
ونخص بمقالنا هذا اليوم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتي من المعول عليها إن تكون ريادية في تقدم البلاد ومعينا لتخريج العلماء والمفكرين ورافدا رئيسا برفد المجتمع عامة ووزارات الدولة خاصة بأجيال متسلحين بالعلم والمعرفة ويحملون رسالة تطور بلادهم والرقي بها إلى مستوى الدول المتقدمة وإلغاء الفجوة بيننا وبين الشعوب المتقدمة حيث وضعتنا سياسة الحروب الجنونية في مستوى أدنى حتى من دول الخليج التي كانت تأمل وتحلم بان تصبح بمستوى مدينة بغداد التي كانت قبلة العلم والعلماء بعد إن فشلت إن تجد لها تاريخا عريقا مثل العراق .
لكن سياسة صدام إعادة البلاد إلى الوراء وحولت وزارة التعليم العالي إلى ماكينة لمنح الشهادات العليا لرموز البعث وأركان النظام والسماح بعدد بسيط للكفاءات الحقيقية من أصحاب الاختصاصات النادرة التي فشل أتباع النظام للدخول فيها فتركوها للعلماء ولكنهم كانوا أيضا خاضعين لسياسة النظام الذي طبق سياسة الانحياز لعقيدته وتغليب طبقة على أخرى وتقريب مذهب وتهميش آخر وتمجيد قومية ما وتحقير القوميات الأخرى حتى أذن الله بسقوط النظام وتشتت أزلامه وهرب أقزامه واستعاد الناس ثقتهم بأنفسهم وتجددت أمنياتهم بإعادة بناء الدولة العراقية على أسس حديثة بعيدة عن المذهبية والطائفية أساسها الديمقراطية ومبادئ المنافسة الشريفة للمعرفة والتحصيل العلمي والكفاءة وحسن الأداء .
ولكن لعنة المقبور صدام وأزلامه المجرمين لن تتركنا على حالنا وحاولت ومنذ البداية باستخدام كل وسائل الإرهاب واستغلال الفوضى التي أنتجها الاحتلال لدفع البلاد باتجاه المحاصصة الطائفية والحزبية ووصل الأمر في كل مرافق الحياة وكان أخطرها التعليم العالي والبحث العلمي والرئاسات الثلاث وحتى منظمات المجتمع المدني مما أدى إلى تشظية المجتمع العراقي وتمزيق أواصره وفسح المجال للانتهازيين والمنافقين لاختراق كل أجهزة الدولة للحصول على مناصب ومكاسب .
وفي مقدمة ذلك وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي حولها البعض من الوزراء السابقين إلى مستوطنة للخارجين عن القانون والمندسين الذين تقودهم أحقادهم ومنافعهم في رسم سياسة هذه الوزارة فسلم مقاليدها للجهلة وجعل المشبوهين يستقرون في أركانها ويستثمرون مواردها وواجهاتها العلمية للتجاوز على العراقيين الأبرياء ويكفي انهلا كانت وطننا ومرتعا لما يسمى أمير دولة العراق الإسلامية البغدادي وأتباعه المجرمين .
وإما مستويات التعليم العالي في عهدهم فاقرأ عليها السلام لان مكرماتهم للفاشلين والمتخلفين جعلتهم جميعا يحملون الشهادات الأولية والعليا بدون جهاد أو اجتهاد وتكفيهم إن يحصلون على قرارات النجاح والقبول في ( مكعد ) أو مضيف الوزير أو في مكاتب حاشيته ومريديه حتى أصبحت هذه الوزارة مضربا للأمثال وعنوانا للفساد والإرهاب .
وهذا الأمر ليس غريبا لأنه يتعدى الوزير ليصل إلى طرف في قمة الهرم الرئاسي الذي يرسم ليلا ونهارا خطط المشاريع الطائفية وعمليات التحريض المذهبية وينادي في كل محفل وفي كل مقام له خطاب يدافع فيه عن الإرهابيين ويصفهم بالأبرياء والسجناء والمعتقلين المظلومين وهم لا لهم ذنب أو خطيئة حتى أصبح مكتبه ملاذا يستنجد به كل مارق أو إرهابي عريق ولعل من الأمور الأكثر خطورة إن يستغل هذه السياسة خارج البلاد ليكون عرابا ومنفذا لسياسات الدول المجاورة ويتآمر على سيادة العراق وهو في الحكومة ، فتراه يبارك الكويت مشروع إنشاء ميناء مبارك ويمتدح السعودية لمواقفها ضد حكومة العراق وتخريبها الدائم للاقتصاد العراقي وإثارتها للفتنة الطائفية وإذكاء نار الأحقاد الطائفية .
إن هذه الشخصية الحكومية عجلت في دعمها وتأيدها لشخصية أخرى جلست في خندق معادي لنجاح عمل وزير التعليم العالي ولذلك فان تصريحات الرجلين متطابقتين وسهام حقدهم وجهوها إلى صدر الوزير الجديد لأنه مجرد أشار بإصبعه إلى الفاسدين والإرهابيين الذين عبثوا في الوزارة وسعى إلى إجراءات و إصلاحات جذرية لإعادة الكرامة والمهنية لوزارة التعليم العالي وجعلها وزارة للعلم والعلماء وتحويلها من وزارة أشخاص إلى وزارة لكل العراقيين وليس للحزب الإسلامي أو القائمة العراقية وهي ليست كذلك للتحالف الوطني أو لحزب الدعوة أو المجلس الأعلى بل هي ساحة لاستقطاب كل العراقيين لتزويدهم بالعلم والمعرفة ومبادئ الإيمان وتصقل مواهبهم وتعمق وحدتهم وتكون نقطة شروعهم ومنافساتهم ومباراتهم هو العلم والمعرفة والأخلاق وكل ما عدا ذلك من صراعات سياسية ومذهبية تجري خارج أسوار الجامعات لتكون واحات آمنة بعيدة عن التحزبات والتقاطعات بكل أشكالها ومصادرها وأجنداتها .
إن ما أعلنه وزير التعليم العالي علي الأديب في الحفل الأخير لطلبة جامعة بغداد والذي أشار فيه إلى استقلالية الجامعات وأبعادها عن الأجندات والصراعات يعد فرصة تاريخية أمام عشرات الآلاف من الطلبة والأساتذة وان يتمسكون بهذه الدعوة ويطبقونها ويغلقون البواب ويوحدونها بوجه كل المزايدين بالمذهبيات والأجندات لكي ننقذ الجامعات ونعيد إليها حرمتها وهيبتها ونفاخر بها أمام كل الدنيا ونجعلها وسيلة لتنوير المجتمع وفي مقدمة ذلك كل وزارات الحكومة ومنظمات المجتمع المدني فهل ستصحو الهيئات التدريسية وتتلقف هذه الدعوة وتحولها من شعار ومبادئ إلى حياة يومية تعيشها كل الجامعات والمعاهد وتكون أسسها مصدرا لاختيار قادتها على أساس الكفاءة والمعرفة وليس الحزبية أو المذهبية .