تأملات في القران الكريم ح249/حيدر الحدراوي

Wed, 10 Dec 2014 الساعة : 11:40

سورة  المؤمنون الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم

فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ{53}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها (  فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً ) , اتباع الرسل والانبياء "ع" , فرقوا دينهم الى فرق واحزاب مختلفة , (  كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ  ) , يبين النص المبارك ان كل فئة منهم حزّبت وتحزبت لدينها , فرحون بما عندهم , ظنا منهم انهم على الحق , وما سواهم باطل .

فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ{54}
تستكمل الآية الكريمة موضوع سابقتها الكريمة (  فَذَرْهُمْ  ) , خطاب للنبي الكريم محمد "ص واله" ان يترك كفار مكة على ضلالتهم , بعد ان استنفدت كل وسائل البيان والحجج والبراهين الساطعة معهم , (  فِي غَمْرَتِهِمْ ) , شبه الباري عز وجل حالهم في الضلال بالماء الذي يغمر القامة , (  حَتَّى حِينٍ ) , حتى نزول العذاب عليهم , او حتى يموتوا على اختلاف المفسرين فيها .

أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ{55}
تضمنت الآية الكريمة سؤالا انكاريا للكفار (  أَيَحْسَبُونَ ) , أيظنون , (  أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ ) , ما نعطيهم اياه ونجعله مددا لهم , (  مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ) , من الاموال والاولاد في الحياة الدنيا .

نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ{56}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها (  نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ) , نعجل لهم بما فيه الخير والكرامة , (  بَل لَّا يَشْعُرُونَ ) , لا يشعرون ولا يعلمون ان ذلك استدراجا لهم , ليس الا .
( عن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الله تعالى يقول يحزن عبدي المؤمن إذا اقترت عليه شيئا من الدنيا وذلك أقرب له مني ويفرح إذا بسطت له الدنيا وذلك أبعد له مني ثم تلا هذه الآية ثم قال إن ذلك فتنة لهم ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .

إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ{57}
تنتقل الآية الكريمة لتسلط الضوء على الفئة المقابلة لأولئك , الفئة التي تتعجل الخيرات , ذاكرة اولى صفاتهم وحالاتهم , (  إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ) , خائفون حذرون خوفا من عذاب الله تعالى , او ان يؤاخذهم ببعض ما اكتسبوا من الذنوب قهرا او سهوا .

وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ{58}
تروي الآية الكريمة صفتهم الثانية (  وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ) , بعض المفسرين يذهب الى انها آيات القرآن الكريم , والبعض الاخر يذهب الى انها معجزات النبي الكريم محمد "ص واله" , واخرون يجمعون بينهما .

وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ{59}
تذكر الآية الكريمة صفتهم وحالهم الثالث (  وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ) , لا يشركون بالله تعالى لا شركا ظاهريا ولا شركا خفيا , ويعبدونه عز وجل  مخلصين له التوحيد والطاعة .

وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ{60}
تذكر الآية الكريمة صفتهم الرابعة (  وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا ) , يعطون ما اعطوه من الصدقات , على رأي وعلى رأي اخر , المقصود الطاعات والاعمال الصالحة , كما ذهب الى ذلك القمي في تفسيره والسيوطي في تفسير الجلالين , (  وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) , خائفون ان لا يقبل منهم , او ان اعمالهم لم تقع بالوجه الصحيحة او المقبولة , فيؤاخذون عليه , او ترد عليهم لأي سبب كان , (  أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) , وسبب خوفهم هذا انهم موقنين بمرجعهم ومصيرهم الى الله تعالى , وهو جل وعلا يعلم السر والعلن .
( عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية فقال مم إشفاقهم ورجاؤهم يخافون أن ترد عليهم أعمالهم إن لم يطيعوا الله عز ذكره ويرجون أن تقبل منهم ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .

أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ{61}
تؤكد الآية الكريمة مشيرة لهم (  أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ) , أولئك هم الذي يتعجلون بالطاعات راغبين فيها , مبادرين اليها , (  وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) , دأبهم وشغلهم الشاغل المسارعة الى كل عمل صالح , حريصين ان لا يفوتوا منه شيئا , { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ }المطففين26 .

وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ{62}
نستقرأ الآية الكريمة في ثلاثة موارد :
1-      (  وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) : يبين النص المبارك ان الله تعالى لا يكلف عباده ما لا طاقة لهم بهم , فمن استطاع فليعمل , ومن لم يستطع يخفف عليه الحكم , كمن لا يستطيع الصوم فليفطر , ومن لم يتمكن من الصلاة واقفا , فليصلي من جلوس , يرى الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي ج3 ( يريد به التحريض على ما وصف به الصالحون وتسهيله على النفوس ) .
2-      (  وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ ) : صحيفة الاعمال او اللوح المحفوظ على اختلاف الآراء , كلاهما ينطقان بالحق , لا يوجد فيهم ما يخالف الواقع .
3-      (  وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) : يبين النص المبارك انهم لا ينقصون من الثواب والاجر المستحق , ولا يزداد عليهم عقاب بما اكتسبوا من سيئات .

بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ{63}
تكشف الآية الكريمة عما في قلوب الكفار (  بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ ) , جهالة وضلالة , غفلة غامرة , (  مِّنْ هَذَا ) , يختلف المفسرون فيها :
1-      القرآن . "تفسير الجلالين للسيوطي , القمي في تفسيره" .
2-      من الذي وصف به هؤلاء أو من كتاب الحفظة . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
(  وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ ) , كما وان عندهم اعمال خبيثة اخرى غير الشرك , (  هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ) , قائمون عليها , معتادون على فعلها , سيعاقبون عليها ايضا .

حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ{64}
تستمر الآية الكريمة موضحة (  حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم ) , كبرائهم او الاغنياء والمتنعمين منهم , على اختلاف الآراء , (  بِالْعَذَابِ ) , يختلف المفسرون في هذا العذاب , فمنهم من يرى انه :
1-      السيف يوم بدر . "تفسير الجلالين للسيوطي , تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني " .
2-      الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف عليه السلام فابتلاهم بالقحط حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحترقة والقذر والأولاد . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
(  إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ) , تتصاعد منهم اصوات الاستغاثة , طلبا للنجاة من العذاب .

لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ{65}
تخاطبهم الآية الكريمة (  لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ ) , لا تصرخوا وترفعوا اصواتكم طلبا للنجاة في هذا اليوم , (  إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ ) , اليوم لا تستطيعون نصر انفسكم ولا ينصركم احد , لا تستطيعون ان تمنعوا العذاب عنكم , ولا يوجد لكم من يمنع العذاب عنكم .

قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ{66}
يستمر الخطاب لهم في الآية الكريمة (  قَدْ كَانَتْ آيَاتِي ) , آيات القرآن الكريم , (  تُتْلَى عَلَيْكُمْ ) , تقرأ عليكم , وكنتم تسمعونها , فلم يكن هناك عيبا في اذانكم او خللا في جوارحكم , (  فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ ) , لكنكم كنتم تعرضون مدبرين عن سماعها , تأبون تصديقها , ترفضون العمل بها , (  تَنكِصُونَ ) , ترجعون القهقري .

مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ{67}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة (  مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ ) , تختلف الآراء حول ذلك :
1-      قيل أي بالقرآن بتضمين الاستكبار معنى التكذيب  . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .
2-      مستكبرين على الناس بغير وجه , بأنهم القائمون على بيت الله الحرام , يذهب الى مثل هذا الرأي عدة مفسرين منهم السيوطي في تفسيره الجلالين والفيض الكاشاني في تفسيره الصافي ج3 ايضا .
(  سَامِراً ) , يتسامرون بالليل حول البيت , يطعنون بالقرآن الكريم , (  تَهْجُرُونَ ) , فيها معنيان :
1-      أما من الهجر بمعنى القطيعة أو الهذيان أي تعرضون عن القرآن أو تهذون في شأنه . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني , ويذهب السيوطي في تفسيره الجلالين لمثل هذا الرأي ايضا" .
2-      من الهجر بالضم بمعنى الفحش وقريء بضم التاء . " تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني , ويذهب السيوطي في تفسيره الجلالين لمثل هذا الرأي ايضا" .

حيدر الحدراوي

Share |