تراتيل في عالم الحزن العراق-قحطان الفرج الله الوائلي
Mon, 12 Sep 2011 الساعة : 11:07

لا أغالي إذا قلت إن الشاعر عصام البرام ينتمي إلى تيار الحزن في الشعر العراقي الحديث فهو في كل قصيدة من ديوانه الذي صدر حديثا في القاهرة ( تراتيل مؤجلة ) عن دار الحضارة ترى إبداعا وابتكارًا جديدًا ،فكل القصائد في هذا الديوان الصغير تحمل دمعًا ودمًا من فصيلة واحدة يجمعها الوطن ،والناس، والبارود إلا أنها مختلفة الرؤيا،ومختلفة العلاج، والألوان، .وعلى الرغم من أن البرام (( تراتيله مؤجلة )) وخيمته منصوبة في ((خريف المدن المنسية )) ،وأزمنته مجهولة في ((سفوح الجسد ))على ((سواحل مدينة السراب )) التي تحيل ((الأصدقاء في غيمة الصيف )) إلى ((ثلاث قصائد )) يجمعهم ((وهم الحرية )) على ((أبواب المدينة )) في ((الصباحات البغدادية )) ليرسموا ((ذاكرة مدينة اسمها ...بغداد )).
يسكب لنا الشاعر نَفَسه الإنساني الذي وهبه الله إياه بصورة جديدة ،وأسلوب متطور، وسلوك قويم يلون، ويكتب ،ويصف ، ويزرع بذرة الحبّ في قلب الصحراء .
في قصيدة تتوسط هذا الديوان بعنوان (( غيمة العطر )) يغريك هذا المطلع ولكن غيمة العطر في معجم البرام هي غيمة صيف .
-أيتها الراحلة مثل غيمة في الصيف
- أيتها الممتلئة بالعطر .
- والزمن والذكريات .
- امنحيني ضوءك الخافت .
- بين شقوق ذاكرتي
-امنحيني قنديلا .. مطفأ الوجه
- يتكئ على قصيدتي
فهي راحلة مسرعة كغيمة الصيف ومع رحيلها تحمل العطر والزمن والذكريات هي إذا تحمل كل شيء وهي وهم كبير بوصفها ((غيمة صيف )) ورغم ذلك الشاعر يتوسل بهذا الخيط الرفيع من الأمل ولا يطلب الكثير معبرًا عن شدةِ المعاناة والألم فهو يقنع بالضوء الخافت ويشبع نهمه المرير بقنديل مطفأ الوجه غائر ...لعله يثري عتمة القصيدة .
في هذه اللغة المرمرية يحاول البرام أن ينتزع من نباتها أنفاس الحياة الهاربة ليقيم الوجود من جديد وهي دراما الأمل المنشود في زمن الحزن العراقي الفريد .
ومع هذا يقحمك الشاعر في غريب المسافات التي تسكن بين الزمن والذكريات وفي ثنايا الفراغ المرعب دائرة ال((غربة )).
-أصبح الموت طريا
-وسريعا في الطرقات
- أصبح أكثر قدرة على التحدي
- من الجوع
- في بلادي
- حتى الأزقة الآفلة منها
- والنائمة على
- كتفي طفل رضيع
- تسافر كالشعر
- على أرصفة الحدود
- يا وجعي المخنوق بالحزن العتيق
- كم اشعر باللهفة
- وأنا , اصعد سلالم شناشيل
- شارع الرشيد
- واركض مثل الموت
- كي الملم بقايا الأحبة من الأصدقاء
اقتلاع الجذور مر قاس واليم الغربة مظلمة قاتلة كل ما حوله يتبدد فالذكريات أليمة والموت هو الطريق وهو قاطع الطريق الطري ! غابت عن عينيه المدينة لكن خيالها يطارده يتسلق سلالم شارع الرشيد ليسابق الموت الذي يوزع الأشلاء ليجمعها هو في خلق جديد اسمه الصديق مع هذا الفيض العارم من الحزن يعلن متحديا كل ذلك برسم تاريخ طرقاته التي تحمل
- طفلًا غضاً غريراً
- يتكحل برقص الشوارع
- وطفولة المطر
- فاركض قبل أنين الحكايات
- كي امسك قلوبنا
- التي أمست
- كالرماد
- تتناثر فوق نوافذ الذكريات
- مذبوحة ...
- يراقصها الألم
- أو ...
***
- لعلي أجد حلمًا
- يبحث عن مدينة
- يرسم وجهها
- فجر ندي
يغوص هنا عصام البرام في لغة الرمز الشعري ليقول لنا: إذا لم تستطع أن تغير العالم اعمل لتدخل ضمن اللعبة التي تصنع الإشكال ، وادخل بأسلوبك الشخصي مزايا بعض المظاهر وتقلّباتها كن محركا (( للغيبيات )) ولا تكن دمية .. هكذا دخل هذا الطفل ليمسك قلوب الرماد قبل أنين الحكايات !! يتوسد مقاهي الدروب إلى حقيقة الخلود ليسرق فاعلية اللحظة الزمنية الخارقة من عمر الوجود (الفجر الندي ) بهذه الفرضية يعلن عصام البرام التماهي التام بالأمل وانتماءه الطوعي إليه وارتباطه الوجداني به .
ورغم حزنه الكثيف أراه يعارض قول الشاعر الاسباني عربي الأصل ((انطونيو متشاود) (( أنا من الجنس العربي ... أنا ابن الشمس ... ملكوا كل شيء وضيعوا كل شيء)) والبرام من الجنس العلوي فلم يضيع الأمل .