جوائز الدولة التشجيعية ..أمر يستحق الاهتمام / قسمه كريم الفضلي

Mon, 12 Sep 2011 الساعة : 11:05

يعد العمل عند الكبار من وجهة نظر علماء النفس وكأنه اللعب عند الأطفال بعده نوعا من التعبير والتنفيس المريح .. من حيث التفاعل والتعاون الاجتماعي السليم مع الزملاء وحسن اختيارهم ومراعاة معايير السلوك الاجتماعي في التعامل والحرص على التوافق الاجتماعي والاندماج في علاقات إنسانية سامية مما يجعله مصدرا للتنفيس ولإشباع الحاجات النفسية والاجتماعية .
ولكن واقع بيئة العمل في مجتمعنا وبجميع مجالاتها سواء أكان عملا في الدوائر الحكومية أو القطاع الخاص – الذي هو بحاجة إلى وقفة خاصة – أم الانضمام إلى أية مؤسسة أخرى ..اجتماعية كانت أو ثقافية أو ذات توجه معين لأي من نشاطات الحياة المتنوعة لا يحقق الرضا النفسي للفرد بل يجعل الشخصية غير متقبلة لذاتها وتعاني سوء التوافق لفقدان دائرة العمل للمعيار الأساسي في العدالة والحق والإنصاف والمساواة و التفاعل الاجتماعي غير الصحي والانحراف الظاهر في العلاقات الإنسانية السائدة في مجال العمل فاغلب الظروف المحيطة تحول دون إشباع حاجات الموظف و تفيض بأنواع الحرمان و الاحباطات والتناقضات فعدم وضوح الأهداف والقفز على القوانين بطرق بهلوانية مضحكة مكشوفة للجميع ، وشعور الفرد بعدم الاستقرار الوظيفي حيث يتولى فيه الأمر أنصاف المتعلمين والأدعياء والمنحرفين والمزورين والمتلونين زمام الأمور وحينما يسود التنافس غير الشريف والغيرة والنفاق والتلاعب في الدرجات الوظيفية والتحايل والتزوير في كثير من مفردات العمل وواجباته ومهامه الصغيرة منها والكبيرة والكيل بمعيارين في تطبيق نظام التحفيز ـ إن وجد ـ والموازين المقلوبة في التقويم وعدم موضوعيته وإدارة أمور الدولة بأساليب إدارية بالية لا تتماشى ومتغيرات العصر الجديدة وضعف المراقبة واللجوء إلى تبرير السلوك المنحرف من قبل ذوي النفوذ وأصحاب الأمر والتستر عليه بشتى الوسائل والدفاع عنه أحيانا والعفو عن منتهكي المال والحق العام والعزل الاجتماعي أي عزل الفرد وتحجيم دوره لمخالفته في الدين أو المذهب السياسي أو الطبقة الاجتماعية أو الخوف من الكفاءات أو الاضطهاد بحكم النوع أو الجنس والمتمثل في معاناة المرأة العاملة ..الخ..والخ..وإلخــات يصاحبها آهات وويلات...جدير بخلق نوع من الاختلال في بيئة العمل وإكساب الفرد لتجارب نفسية واجتماعية أليمة والوقوف حائلا في وجه التقدم والتغيير .
فحينما لا يكون هناك حسن تقدير للأمور أو عدم انتباه إلى الانجازات والتميز في الأداء الوظيفي من شانه أن يؤدي إلى اللامبالاة والاستهانة بواجبات العمل اليومي وعدم إتقانها واستنفاذ طاقات أفراد جماعة العمل بقضايا تافهة بدلا من القضايا الهامة والهدر في أوقات العمل المقدس.. وهذه ظاهرة أصبحت مثار جدل ونقاش في دوائر العمل ذاتها وبين عامة الناس مع تزايد الاستياء من الوضع المرتبك غير الصحي .
حيث يصل الأمر ببعض الموظفين إلى حد الشعور بان لا جدوى مهما فعلوا أو عملوا وأنهم عاجزون لا حول لهم ولا قيمة وأنهم سيظلون من الخاسرين.. العاجزين مهما فعلوا مما يجعل هذه القناعات تجردهم من قوتهم الذاتية وتحطم قدرتهم على الفعل والعمل فهناك اسم لهذه الحالة الذهنية المدمرة في علم النفس وهو ( العجز المكتسب ) إذ حين يعاني الناس إخفاقات متعددة في احد المجالات والظن بان الجهود تذهب أدراج الرياح فإنهم يصابون بحالة إحباط نهائية يطلق عليها اسم العجز المكتسب .
اجراءات سريعة
مما يجعل الدولة والمعنيين بحاجة إلى اتخاذ إجراءات سريعة وتدابير حازمة لإعادة هيبة الوظيفة واحترام قيمة العمل وتفعيل وسائل الضبط وعدم ترك الحبل على الغارب دونما حسيب أو رقيب في محاولة لاحتواء هذه الظواهر المرضية فالإنسان إذا لم يجد الرادع الملائم والقوانين التي تضبط سلوكياته لديه من الميول الفطرية الأولية ما يرتبط بإشباع حاجاته الفردية بغض النظر عن توافقها أو عدم توافقها مع المصلحة العامة ونظم الحياة المختلفة ..فيقول خالق الإنسان عز من قائل : ( إن النفس لأمارة بالسوء إلا مارحم ربي إن ربي غفور رحيم ) (52/ يوسف ) .
فنحن نعلم أن هناك تبدلات وتحولات أصابت البناء الاجتماعي سواء أكانت مقصودة أو غير مقصودة مما أدى إلى تغير المعايير والقيم وتغير التفاعل الاجتماعي فالتغير في بناء المجتمع أو الوظائف الاجتماعية أصبح حقيقة ثابتة يجب التعامل معها بوضع الوسائل والسبل الكفيلة لتحقيق أهداف المجتمع للتوافق على ضوء التغيرات الحاصلة الواضحة والملموسة بعيدا عن الأنشطة المضللة والنجاحات الوهمية مع التركيز على انجاز الأمور الرئيسة وليس التفاصيل التافهة ومشاركة جميع المهتمين مشاركة تقويمية ناقدة وموجهة ومصححة .
فوجود السلطة المركزية يعني أنها تملك حق استعمال القوة في إدارة شئون الأفراد وتنسيق مختلف النشاطات التي تدخل في تكوين المجتمع ، فالسلطة تملك حق التصرف وإصدار الأوامر و تفعيل وسائل الضبط المعروفة لتشكيل السلوكيات المطلوبة فالأفراد في حياتهم بحاجة إلى قواعد لتنظيم العلاقات فيما بينهم لكي يصبحوا أعضاء أسوياء في المجتمع ..وبيئة العمل بأمس الحاجة لمثل تلك القواعد . فقد أصبح الالتفات إلى الاهتمام بالوسائل التي يمكن عن طريقها علاج هذا الضعف ضرورة ملحة ودفع المسئولية الاجتماعية نحو هذا الموضوع في الاتجاه السليم..مما يحتم العمل على أهمية غرس القيم والمفاهيم عن طريق أسلوب الترغيب والترهيب ( مبدأ الثواب والعقاب ) والذي هو عبارة عن قواعد وتشريعات وأنظمة تشرف على الجوانب المختلفة للتنظيم الاجتماعي ، فضلا عن أهمية تفعيل العمل بنظام الحوافز لتحقيق المصلحة العامة ولتعزيز ودعم جهود جماعة العمل للتميز والإبداع .
فملأ أوقات أفراد المجتمع واستثمارها بمشاريع نافعة و بما هو مفيد وتحويل الطاقة السلبية إلى ايجابية ..مسئولية تقع على عاتق أصحاب القرار والمسئولين والمعنيين لتحقيق الأهداف الأساسية للتنمية والمضي قدما نحو العطاء والتميز في مجالات العمل و أنشطة الحياة المختلفة الممارسة من قبلهم لبناء المجتمع وإعادة رونقه وبهائه .
فالشعور بأهمية العمل والتضحية من اجله والتمسك بالقيم المساعدة على تحقيق الانجازات المادية والعلمية التي تعد أساس تقدم المجتمع بحاجة إلى تحفيز يقوم على أساس تقويم موضوعي ومعايير خاصة فالمساهمة في رفاهية المجتمع مسئولية يجب النظر إليها بعين الأهمية ، وتقدم أفراده أكثر من مجرد تحقيق مكسب مادي فالتقدير المعنوي له الباحثين عنه والراغبين فيه أيضا ، فعندما يشعر الإنسان الموظف بإرضاء وإشباع الحاجات المادية والمعنوية من الأهمية للحصول على كسب تأييده وولائه لما فيه خير المؤسسة وازدهار عملها .
فالتعرف على الظروف المعوقة لأداء الخدمات واتخاذ القرارات المناسبة للارتفاع بمستوى أدائها وتحقيق الجودة المطلوبة في الخدمات المقدمة وتشجيع الموظفين على التميز في أداء مهام العمل .. مطلب أساسي لا يمكن التنازل عنه إذا أردنا تحقيق التنمية بمعناها الصحيح .. فتنظيم المسابقات التي تستهدف تطوير العمل الإداري ووضع نظام للحوافز يتفق مع ظروف كل منظمة ومؤسسة من مؤسسات الدولة وتشجيع المبادرات الفردية للتغلب على المشكلات ..أمر يستحق الاهتمام والدراسة، وليس الاقتصار على عقد المؤتمرات والندوات لمناقشة أساليب تطوير الخدمة دون تحقيق تقدم ملحوظ ، فالتقدير والتقويم كفيل برفع الروح المعنوية وتفجير الطاقات والمواهب وزيادة الثقة بالنفس والشعور بالأمن النفسي فهناك كما يعلم الجميع علاقة وطيدة بين الإحباط والتجاهل والتهميش من جهة وانعدام الثقة بالنفس من جهة أخرى .
فاغلب دول العالم وضعت ما يسمى بجوائز الدولة التشجيعية أو التقديرية وتأسيس هيئة خاصة لها للتقويم والمتابعة للمساهمة في تكريم المتميزين وأصحاب المبادرات في مجالات عملهم المختلفة بهدف صناعة نماذج تحتذى من الموظفين المتميزين في عطائهم في سعيها لتحقيق غايات المجتمع وأهدافه الخاصة لتطوير قدرات وأداء المؤسسات والأفراد العاملين بها .
داعين إلى أن يسعى المعنيون وأصحاب القرار بتأسيس مثل تلك الجوائز للتشجيع والالتفات للإصلاح و التصحيح في الجهاز الإداري... فتطوير الموارد البشرية والإيمان بقدرة الفرد على التغيير وإتاحة الفرصة له لاستغلال وتوظيف وبناء قدراته لتحقيق التميز الشخصي ورفع مستوى الطموح يجب أن يكون من أولويات الحكومة في ضوء المفاهيم الإدارية الحديثة وتوجيه جهود جميع أفراد المجتمع لتحقيق الأهداف والأغراض العامة للجماعة مما يشعر الفرد بالاعتزاز بالمشاركة في تلك الجماعة والحرص على سلامتها وتماسكها وتقدمها وتحقيق أهدافها والقيام بمسئوليته بصدق تجاهها ، فسعادة الإنسان لا تتحقق إلا عن طريق شعوره انه ما زال فردا منتجا مفيدا قادرا على تحقيق قدر مناسب من النجاح والعطاء والمساهمة في نمو وتقدم مجتمعه .

Share |