يوميات نازح "5": الموت ينتظر فرصته
Wed, 3 Dec 2014 الساعة : 10:44

وكالات:
بعد أن يئست من العودة إلى البيت بسبب الخراب الهائل الذي حل بالمنطقة والخراب الأوسع الذي حل بالبيت، قدرت تكلفة إعادة إصلاحه بسبعة ملايين دينار. إنه في الحقيقة مبلغ كبير لا أقوى على توفيره.
بدأت بالبحث عن بديل للمنطقة الريفية التي أعيش فيها والتي أتعبتنا كثيرا لسوء الخدمات فيها، في تلك الأثناء اتصل بي صديق من منطقة التأميم في الرمادي ليقول لي بأنه وعائلته سيغادرون إلى كردستان.
قال لي، "البيت سيبقى فارغا أريدك أن تبقى فيه". على الفور قررت الانتقال إلى منزل الصديق، قريباً من عائلتي وأقربائي.
بعد يومين، قررنا الذهاب إلى "التأميم"، خصوصا بعد أن سمعنا أن داعش ينوي الدخول إلى منطقة "الدولاب" بعد أن اشتدت حدة المعارك في مناطق "البغدادي" و"عنة" "وحديثة"، القريبة من تلك القرية.. حزمنا أغراضنا وتوجهنا إلى البيت لنجده
مؤثثا مليئا بكل ما نحتاج من لوازم العيش.
ذهبت إلى صاحب المولدة المحلية، حيث الكهرباء الوطنية غائبة تماماً، وقال لي أن سعر الأمبير هو 30000، وأنه يشغل على امتداد عشرين ساعة تقريبا، حيث يطفئ التيار ساعتين في الصباح، ومثلهما في العصر.
كان علي أن أدفع للمولدة مبلغ 120 ألف دينار شهريا مقابل أربع أمبيرات فقط.
كان هناك في المنطقة، حيث البيت الجديد، مدرسة قريبة للأولاد يمكن لهم أن ينتظموا فيها، وقد بدأوا فعلاً بالدوام، إلا أن مستوى الدريس فيها ضعيف، ما اضطرني إلى تدريسهم، كما أن هناك العديد من الحصص الدراسية قد فاتتهم.
مع ذلك، بدأت ظروف الحياة تتحسن، مقارنة بالظروف المأساوية في قريتنا.
أخيراً، باشرت بالدوام في الجامعة وقد بدأت امتحانات الكورس الأول، الطلبة مروا بظروف قاسية للغاية، فحياتهم الدراسية مهددة بالضياع.
بالنسبة إليهم، وبعد إنهاء الكورس الأول، لكن ليس معلوماً إن كانوا سيؤدون امتحانات الكورس الثاني.
لكن، ما أن أدى الطلبة امتحاناتهم، وبعضهم لم يكملها، حتى فوجئنا بدخول الدواعش إلى الجامعة في صباح يوم سبت نحس على الجميع.. لقد دخلوا من الباب الخلفي للجامعة وأرغموا الأساتذة على مغادرتها وأرغموا الطلبة على مغادرة الأقسام الداخلية، واستولوا على سيارات الجامعة.
أذكر أن أحد الموظفين قال لهم بأن السيارة تعود لأبيه فقالوا له نحن نريدها من أجل الجهاد فاضطر إلى تركها لهم لأنهم هددوه بالقتل إذا عارضهم.
كان احتلال الجامعة كارثة فعلية على الجميع فهذا الصرح الكبير بات مهددا بالقصف الحكومي والتخريب الداعشي، ولكن ما باليد حيلة، وحينما تحدث معهم أحد الأساتذة عن أهمية الجامعة وأهمية استمرار الدوام فيها أجابوه بأن تلك الدراسات لا تهمهم وأنهم سيفتتحون جامعة تضم التخصصات الشرعية فقط وما يتعلق بها وأن كل الدراسات الأخرى من بنات الطاغوت، يجب إيقافها.
بدأ الدواعش بالتوسع والانتشار في "التأميم" حتى وصلوا إلينا، بقينا مختبئين في البيت لمدة ثلاثة أيام صعبة جدا انقطع فيها الماء والكهرباء، كانت أياماً حالكة السواد فعلا كنت أشاهد العائلات وهي تحمل أغراضها لتهرب من المدينة ولكن الجيش يمنعهم من إخراج أثاث البيت بحجة أن هناك سرقات تحصل لبعض البيوت وفق أوامر صادرة من قيادة عمليات الأنبار.
وهكذا تعود السيارات بعد ساعات لأنها لم تجد طريقا للخروج كانوا يسمحون للعائلات فقط بمغادرة المنطقة بسيارات صغيرة.
بعد أن انفرجت الأزمة ورحل الجيش بدأت بالبحث عن الماء، كان بيت جاري قد غادره وتركه فارغا فصعدت من سطح بيتي إلى سطح بيته لأجلب الماء من خزان الماء في الطابق الثاني في عبوات كبيرة جعلناها تكفينا للوضوء والتغسيل فقط دون تفريط.
أيام ونحن نأكل الأغذية المعلبة، حتى نفد ما لدينا منها، كنا نقضي أياما بلا عشاء لكي أترك الطعام للأولاد.
كان السوق فارغاً بسبب العمليات العسكرية التي امتدت إلى أطراف منطقة التأميم، فلم يعد يعبر تلك المنطقة أي إمداد غذائي، وأما القصف بالهاونات والصواريخ فقد بات كثيفا على منطقتنا بوصفها محتلة من قبل داعش، كانت الصواريخ وطلقات الرصاص تملأ المنطقة فهي تقع من حولنا باستمرار.
تذكرت عند ذاك بيتا لشاعر جاهلي قال فيه:
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى / لك الطول المرخى وثنياه باليد
كان الموت يقبع منتظرا فرصته لينقض علينا، فلم نكن ننتظر سوى أن تقع علينا رشقة إطلاقات أو رشقة صواريخ ولكننا سلمنا للقدر تماما، فالقدر بحسب الشاعر الجاهلي مرهون بيد تتحكم به وتوزع الموت هنا وهنا.
نحن مشدودون نحو الموت شئنا أم أبينا، بحبل له نهايته بالتأكيد والمسألة تكمن في ساعة الصفر فقط التي تقرر أن تسحب هذا الحبل وتقرر موتنا.
المصدر:واي نيوز