نساء الملح/حسين دويج الجابري
Tue, 25 Nov 2014 الساعة : 17:30
خرجت في بواكير الصباح ملحفة بشالها الغامق . ومؤتزرة عباءتها الرثة متأبطة بعض الأكياس مختلفة الأحجام والأشكال . وقد استحالت قسماتها الجميلة إلى ملح .
تحث الخطى في جهد واضح للالتحاق برهط من بنات القرية اللاتي قصدن مقصدها .. فالجميع سيندفعون الى مسطحات الماء المتناثرة في بقاع شتى من ارض السباخ . وسوف يبدأ يوم جديد لجمع الملح .. ذلك الإكسير الحيوي الذي يخفي مالا يبطن ويعطي ويأخذ .. انه شكل رائع للمثابرة والاجتهاد ولون من طيف التراث البسيط الباسم الذي كان الأمل يحلق فيه على رؤؤس السابقين .. ما أجملك امرأة أيتها العراقية وأنت عاملة . ما أجملك وأنت أم ما أجملك وأنت أنثى .. ما أروع إصرارك على الاستمرار في مفازات أبت الدنيا إلا أن تكون مستحيلة عليك ..
هكذا وفي عصر تقدم فيه كل شيء وتوفر فيه كل شي . لازال البعض فقراء .. ولازال العرق مأكلهم اليومي . والنصب حقهم الطبيعي . والصبر صبرهم الدائم ..
في عصر انتظروا اشراقاته طويلا . ولما جاء كان محبطا . وعصر تأملوا منه الكثير ولما وصل لم يجنوا غير بعض وعود كاذبة , صادرت أصواتهم في غفلة من الزمن لتسحق رقابهم مرارا وتكرارا ..
إن هذا المنظر الجميل المهيب الذي يتكرر يوميا لنساء الملح في العراق يستحق أن يحترم . وهو اكبر شاهد على أنكم أيها السادة حملة الرسالات السياسية والرسالات الدينية أنكم كاذبون .. أنهم لايطمعون بشيء من موائدكم بل أنهم يمقتون طعامها . فالأكل الساخن لازال بتلك الأيادي الخشنة المملحة ذو نكهة تشبه النعيم . . أنهم يقولون لكم بقوه وإصرار لكم ما في باطن الأرض من نفطها خبزا وذلة ولنا في ضاهرها ملحا وكبرياء ....
شقشقات - حسين دويج الجابري