الطفرة الاستثمارية في الإمارات: دبي ورأس الخيمة أنموذجان/سلمى نزال
Mon, 10 Nov 2014 الساعة : 16:17

لا تنفك دبي تقدم براهيناً واضحة على ريادتها الاقتصادية، ليس على صعيد العالم العربي فحسب، بل وعلى مستوى العالم برمّته كذلك الأمر.،
تتحدث الأرقام عن نشاط استثماري في الإمارة يصل حتى 24 %، ما يعني تصدّرها للائحة العالمية، كما أنها في شهر سبتمبر وحده على سبيل المثال، حققت ما يقارب الأربعين مليار درهم إماراتي. يأتي هذا في وقت يشهد فيه القطاع العقاري في دبي استقراراً، بيد أنه في الوقت ذاته يؤمّن لها الصدارة.
الحدث الواعد الذي تنتظره الإمارة، والذي يسهم أيما إسهام حالياً في تنشيط سوق العقارات، هو معرض إكسبو الدولي الذي سيحل على الإمارة في العام 2020، والذي سيضمن عائدات اقتصادية لدبي بما قيمته أربعين مليار دولار، عدا عن اجتذاب خمسة وعشرين مليون سائح في غضون ستة أشهر.
هذه الاستضافة تعني نشاطاً متوقعاً فيما يتعلق بالفنادق والشقق الفندقية الفخمة في دبي؛ من أجل تأمين طاقة استيعابية للأعداد الهائلة التي سيتزامن دخولها مع وقت إقامة المعرض، بواقع 24000 فندق وشقة فندقية جديدة. يأتي هذا إلى جانب نشاطات استثمارية كبيرة يُتوقّع أن تأخذ مكانها في قطاع المنشآت السياحية والمرافق الترفيهية.
من نافلة القول أيضاً أن هذه الأعداد الكبيرة بالإضافة لأعداد الوافدين الهائلة في الإمارة تتطلب توفير ليس منشآت فندقية وسياحية فحسب، بل لا بد من توفير مساكن لائقة، ما يعني انتعاشاً في عقارات دبي بالمجمل.
النشاط في دبي يأخذ صفة شمولية دوماً؛ ذلك أن القطاعات كلها تنشط لأجل تنفيذ رؤية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم التي تقتضي جعل دبي إمارة جاذبة للسيّاح ورجال الأعمال والمستثمرين. على سبيل المثال، قامت دائرة الأراضي والأملاك في دبي بإعداد قائمة طويلة برسوم الخدمات والصيانة للراغبين بالاستثمار في الإمارة.
في سياق متصل، يتم الحديث حالياً عن إقامة مدينو الليغو مثلاً، والتي تتزامن هي الأخرى مع الطفرة العقارية والاستثمارية التي ستشهدها الإمارة، وستكون هذه المدينة "ليغولاند دبي" الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط، لتحذو بهذا حذو المشروع الذي افتتح فروعه السابقة في أميركا وأوروبا.
السياق الذي تأتي فيه الفكرة وبدء التنفيذ يجيء متساوقاً مع الوعود التي يقدمها القطاع السياحي في الإمارة، استعداداً لإكسبو. وستُشغّل المدينة شركة ميرلين إنترتينمنت الضليعة في تشغيل المدن الترفيهية. كما ستكون جاهزة، بحسب التوقعات، في العام 2016.
تكاد منطقة جبل علي أن تكون حجر الرحى لدى معظم المشاريع الاستثمارية الواعدة في دبي؛ إذ على سبيل المثال سيكون هذا الجبل هو المنطقة التي ستحتضن معرض إكسبو، وكذلك مدينة "ليغولاند دبي" الترفيهية، بحكم المساحات الشاسعة؛ ذلك أن الأرقام التي رشحت عن مساحة المدينة الترفيهية (التي تستهدف الفئة العمرية من عامين حتى 12 عاماً بألعاب وعروض ترفيهية حية) على سبيل المثال وصلت حتى ثلاثة ملايين قدم مربع ستضم 15000 وِحدة ليغو كبيرة شكّلتها 60 مليون وِحدة ليغو صغيرة.
الشركة الإماراتية التي ستتولى جانباً في المشروع هي "دبي باركس آند ريزورتس"، التي تمسك بزمام مشاريع أخرى يُتوقع أن ترى انلور جميعها في 2016 مثل منتزهيّ "موشنجيت دبي" و"بوليوود باركس دبي" وكذلك مشروع "ريفر بارك" وفندق "لابيتا" العائلي.
تسير دبي بخطى حثيثة فيما يتعلق ببناء علاقة ثقة مع السائح والمستثمر في قطاع السياحة كذلك الأمر. كما أن الإمارة باتت توسع من الفئة المستهدفة لها؛ إذ ما عادت مساكنها ومشاريعها نقتصرة على الأثرياء، بل باتت تتحرى مؤخرا توفي رخيارات لمتوسطي الدخول وللعائلات. إحدى الطرق التي حاولت فيها الإمارة تكريس ذلك كانت بإعفاء الفنادق المزمعة إقامتها تحت تصنيف ثلاث وأربع نجوم من الضرائب، كما بات يُتحرّى توفير مساكن بمواصفات وأسعار تخدم الطبقة المتوسطة.
قطاع السياحة في الإمارة يُسهم بما نسبته 8.7% من الناتج المحلي، والقطاع الاستثماري وفقاً لما يقوله الكاتب الاقتصادي روبرت فرانك يحقق أرقاماً مدهشة. يقول " إن استثمرت في العقارات في نيويورك بقيمة مليون دولار في العام 2010، فإنك ستجني 1.22 مليون دولار اليوم. وفي لندن ستجني 1.54 مليون دولار، ليكون الرقم 1.26 مليون دولار في ميامي، وفي هونغ كونغ 1.16 مليون دولار. أما إن استثمرت في عقارات دبي، فإنك ستجني 1.63 مليون دولار"، مردفاً "تتصدر دبي أكثر المدن فخامة على مستوى العالم من حيث تزايد الأسعار خلال الثلاثة أعوام الماضية بما نسبته 29 و71 %".
الكل في دبي يستثمر. على صعيد الأفراد والجماعات والشركات على السواء. على سبيل المثال، تحدثت آيبي غلوبال عن أن 53% من المقيمين في دبي يستثمرون في العقارات، وأن 43% منهم يستثمرون في الذهب. وأضاف آيبي غلوبال أن 41% منهم استثمر في غير دبي فيما 12 % منهم داخلها.
ويأخذ الاستثمار أوجهاً عدة في الإمارة التي لا تكف عن الابتكار. إحدى الوجوه هي عوالم الإنترنت. كان الشيخ محمد بن راشد قد تحدث عن 4.5 بليون درهم إماراتي ستُستثمر في دبي، وسيكون لمدينة دبي للإنترنت حصة كبيرة منها.
وتتحدث الأرقام عن عشرات الملايين التي ستُنفق على مرافق مدينة دبي للإنترنت، والتي ستكون وجهة للراغبين بالاستزادة في هذا القطاع سواء كانوا من داخل الإمارات أم العالم العربي أم العالم كله أيضاً. وترشح ارقام عن عشرة آلاف هيئة متنوعة للتكنولوجيا والتعليم والتطوير وكل ما يتعلق بهذا القطاع وعن تعداد موظفين سيصل حتى 100,000، ما يعني زيادة فرص العمل، التي يعد بها كذلك الأمر القطاع السياحي على مدار الأعوام الستة القادمة.
بالإضافة لكل ما سبق، احتضنت دبي معرض جيتيكس التكنولوجي الذي استضاف بدوره 100,000 مختص في قطاع تكنولوجيا المعلومات من أكثر من 150 دولة على مستوى العالم. وكان المعرض، الذي أقيم في مركز دبي الدولي للمؤتمرات والمعارض، قد استمر على مدار خمسة أيام، شهدت فيها الإمارة نشاطاً تجارياَ وسياحياً لافتاً.
وكانت المحاور التي انطوى عليها معرض جيتيكس هي الأجهزة الذكية وتلك الخاصة بالتخزين ونقل البيانات، لتكون الوجهات المستهدفة في التغيير المنوط بالمعرض هي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا.
الجهود تضافرت في هذه الأحداث التكنولوجية لتكون دبي مدينة ذكية بالإضافة لكونها قِبلة سياحية واستثمارية رائدة، واللافت في القائمين على إمارة دبي عدم فصل الأشياء عن بعضها. على سبيل المثال سيتم تسخير هذه العوامل التي ستخلق من دبي مدينة ذكية للنهوض بالخدمات المدنية، تماماً كما ستكون عملية تحديث البنية التحتية في الإمارة استعداداً لمعرض إكسبو الدولي ذات مرامي بعيدة الهدف مثل تحسين المترو والانفاق والطرقات والمطار، بل إن المعرض يعزم توفير طاقته من خلال الإفادة من الطاقة الشمسية. ما يعني أن كل ما يحدث في دبي من نهوض هو كل متكامل، وبأن العين التي تخطط لدبي لا تستثني قطاعاً ولا منطقة من خطة النهوض الشاملة.
المشاهد في إمارات أخرى غير دبي لا يقل عنه في هذه الإمارة الصاعدة. أبرزها إمارة رأس الخيمة التي تسعى لتكريس صبغة المدينة العالمية، لكن مع إيلاء الاهتمام كثيراً لهوية المدينة التي يحرص القائمون عليها ألا تفقد طابعها العربي والإسلامي ليس من خلال القوانين فحسب، بل وحتى على صعيد الهوية العمرانية والمشاريع المقامة بها لا سيما تلك السياحية.
تستمد رأس الخيمة ريادتها وفرادتها من الطبيعة الجغرافية التي تنطوي على لسان مائي يُدعى الخور. هذا الخور وفّر من المراسي التي تعد داعمة قوية للنشاطين التجاري والاقتصادي في المنطقة. الطبيعة الجبلية أيضاً والممتزجة مع الصحراوية أنعشت من الخيارات السياحية. وأتت كذلك الأمر عوامل أخرى تندرج تحت تصنيف الزراعية؛ ذلك أن إمارة رأس الخيمة تملك تربة زراعية خصبة يعزز منها وجود الينابيع الكبريتية التي يهتم بها المستثمر السياحي حالياً.
التنوع السكاني في الإمارة والانفتاح المشروط والهوية المُعتدّ بها، شكّلت حالة فريدة من الاستقطاب الاستثماري؛ ذلك أن مستثمرين كثر يعملون على الإفادة من هذه الصبغات التي ستستقطب من لا تروق له صبغة دبي العالمية المتطرفة في حداثتها؛ إذ على سبيل المثال استطاعت هذه الإمارة استقطاب ما يربو على المليون سائح في العام 2012 وحده. ما جعل مشاريعاً سياحية عدة تطفو على السطح مؤخراً منها منتجع ريال مدريد الذي يحاكي جزيرة النخيل في دبي. كذلك هي الجزر التابعة للإمارة والتي سيتم استغلالها سياحياً أيضاً، بمشاريع يُتوقع أن تصل تكلفة الواحد منها إلى مليار دولار كالمنتجع الآنف ذكره على سبيل المثال لا الحصر.
العوامل الطبيعية تتضافر مع المناخية في هذه الإمارة، وهو ما قد يكون مفتقداً نوعاً ما في دبي، ما يجعل لكل إمارة فرادتها الخاصة، وما يجعل من رأس الخيمة وجهة واعدة، وما يسبغ بدوره صبغة التعددية على الإمارات العربية المتحدة ككلّ. مثلاً تكسو الثلوج المرتفعات الجبلية في رأس الخيمة كجبل جيس. التربة أيضاً تخدم المستثمرين في الإمارة؛ ذلك أن لكل منها مشاريع تصلح لها: التربة الصفراء والحمراء، ولعل المثال الأكثر بساطة في الإفادة سياحياً من التربة الصفراء هو مشروع عوافي الذي كرّس من الرياضات الصحراوية أيما تكريس، لتأتي مشاريع أخرى اقميت وستقام لا تقل إفادة عنه من البيئة الجغرافية للإمارة.
المشهد الاستثماري في الإمارات العربية المتحدة متنوع حد الدهشة. وحتى الإمارات التي تخطو بعضها بخطى خجولة تعد ريادية إذا ما قورنت على مستوى المنطقة ومعايير استقطاب الاستثمارات العقارية والسياحية فيها، ولعل الاستثمار في رأس الخيمة أنموذجاً جلياً على ذلك، إلى جانب الاستثمارات في دبي.