تفسير مير للقرآن الكريم :تفسير آيتان من سورة الأحزاب/مير عقراوي

Mon, 10 Nov 2014 الساعة : 8:49

نص الآيتان : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخِيَرَةُ من أمرهم ، ومن يَعْصِ الله ورسوله فقد ضَلَّ ضلالاً مبينا (36)  وإذْ تقول للذي أنعم الله وأنعمتَ عليه : أمسكْ عليك زوجك وآتق الله وتُخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحقُ أن تخشاه ، فلما قضى زيد منها وَطَرَاً زَوَّجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم اذا قضوا منها وطرا ، وكان أمر الله مفعولا (37) }
كلمة تعريفية موجزة بسورة الأحزاب :
سورة الأحزاب هي من السور المدنية للقرآن الكريم وتتألف من [ 73 ] آية مباركة .. تتناول سورة الأحزاب شأنها شأن السور المدنية الجوانب التشريعية للمسلمين ، مع إلغاء وإبطال بعض العادات الجاهلية التي كانت سائدة في شبه الجزيرة العربية ..
التفسير : لا ينبغي وليس من الجائز والمقبول لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى وأبرم الله تعالى ورسوله أمراً وقضاءً أن يترددوا في الإذعان والإيمان به ، ثم التسليم التام والإنقياد الكامل له ، أو أن يكون لهم رأي وإختيار فيه ، حيث الإختيار هو ما آختاره الله عزوجل ورسوله .. هنا جعل المولى تعالى أمر رسوله محمد – عليه الصلاة والسلام – وقضاء من أمره وقضاءه . وذلك بعد أمره وقضاءه سبحانه . على هذا الأساس فإن صحيح السنة هو المصدر التشريعي الثاني بعد كتاب الله تعالى للإسلام وشريعته ، لهذا لا بديل ولا محيد لصحيح السنة في الشرع والتشريع ، ومن قال بغيره فقد حاد وآنحرف عن أمر الله سبحانه وقضاءه وكتابه القويم الحكيم الذي لايأتيه الباطل ولا الخلل من بين يديه ولا من خلفه . ومن يعص الله سبحانه ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا وواضحا بلا ريب .
ثم آذكر أيها النبي محمد حين قولك للشخص الذي أنعم الله تعالى عليه بنعمة الإسلام والهداية اليه ونصيحتك إياه ، وذلك بالتحرير من العبودية ، وهو زيد بن حارثة أن أمسك عليك زوجتك ولا تطلِّقها وآتق الله في أمرها ، لكن يا محمد إنك تخفي وتظمر في نفسك شيئا ما ، حيث سيظهره الله تعالى فيما بعد وسيجعله علانية ، وهو إرادة الزواج بها ، وأنت في هذا الموضوع تخشى الناس وأقاويلهم ودعاياتهم وإشاعاتهم ، لكن الله أحق بالخشية منه سبحانه .
ولما قضى زيد حاجته وآنتهت الحالة الزواجية بينها وبينه ، أي بين زيد بن حارثة وزينب بنت جحش جعلناها زوجة لك وزوجناكها . وذلك كي لا يكون في تشريع الله تعالى على المؤمنين حرج وضيق وتأثُّم في حق تزوُّج مطلَّقات الأبناء من التبنِّي . وقد كان في هذا الموضوع أمر الله سبحانه وقضاءه اليك بتزوُّج زينب  ، حتى يتم من خلال هذا الزواج إبطال عادة الجاهلية التي كانت تمتنع من الزواج بمطلقات الأبناء بالتبني .
نبذة موجزة عن زيد بن حارثة وزينب بنت جحش :
1-/ زيد بن حارثة : كان زيد بن حارثة – رضي الله عنه - من سبي الجاهلية ، فآشترته السيدة خديجة أم المؤمنين – رضي الله عنها – ووهبته لرسول الله محمد – عليه وآله الصلاة والسلام - ، فكان زيد بن حارثة مملوكا عند الرسول ، ثم أعتقد وحرره وتبنَّاه .
2-/ زينب بنت جحش : زينب هي بنت جحش ، كان إسمها [ برّة ] فسماها الرسول [ زينب ] .. كان أبوها حليفا لسيد قريش ، وهو عبدالمطلب بن هاشم . أما أمها فهي أميمة بنت عبدالمطلب عمة رسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام - ، كانت السيدة زينب أم المؤمنين من السابقين الى الإيمان ، ومن المسلمين الأوائل .
نبذة موجزة عن قصة زواج زينب من زيد بن حارثة :
 خطب رسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام – شخصيا بنت عمته زينب لمولاه زيد بن حارثة . في البداية رفضت زينب عرض الزواج هذا ، وذلك لإعتبارات إجتماعية وطبقية بينهما ، وهي إنها كانت من بني هاشم سادة قريش وأشرافها . أما زيد بن حارثة فهو سبي مملوك ، ومن الموالي ، فنزل على الرسول قوله تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخِيَرَةُ من أمرهم ، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا } . بعد نزول هذه الآية الكريمة العتابية النقدية حول رفض زينب عرض الزواج الذي قام به الرسول وافقت على الزواج من زيد بن حارثة .
لكن بالرغم من ذلك لم يَسْرِ الزواج على الوجه الأمثل ، حيث سرعان ما دَبَّ الخلاف بينهما ، لأنه كانت في نفس زينب أنفة عليه للسبب المذكور قبل قليل . لهذا كان زيد يشتكي دوما عند الرسول من زينب ، حتى هَمَّ بطلاقها ، فمنعه ورده الرسول قائلا له : { إتق الله وأمسك عليك زوجك } ، أي إتق الله يازيد في زوجك زينب وأمسكها في عصمتك ولا تطلقها ، لكنه بالأخير طلقها بسبب كثرة الخلافات الزوجية بينهم . وكان الوحي قد إطلع وأخبر رسول الله محمد بأن زيدا سوف يطلق زينب وعليه الزواج بها من بعده لأجل حكمة تشريعية ، فأخفى ذلك الرسول في نفسه ، وذلك بسبب العادات الاجتماعية للعرب في الجزيرة العربية يومها التي كانت تحاذروتعيب  الزواج بمطلقات الأولاد بالتبني . وهذا هو الذي أخفاه الرسول الأكرم – كما تخبرنا الآية - خشية العادات والتقاليد الإجتماعية التي كانت سائدة بين العرب في شبه الجزيرة العربية قبل الاسلام ، وحتى بعده أيضا بفترة ، لذا كانت هذه الواقعة حكمة تشريعية ربانية في إبطال تلك العادة والتقليد الموروث للعرب يومها ...
إن العديد من المستشرقين وغيرهم من الشبهاتيين إتخذوا من هذه المسألة مكمنا ومطعنا في شخصية نبي الله تعالى محمد – عليه الصلاة والسلام - ، مع إن العكس هو الصحيح تماما ، ومن جميع الوجوه . فلو أراد النبي الأكرم أن يتزوج من زينب ، أو كان له فيها طمع ما كان له في طريقه هذه أيَّ مانع وعائق على الإطلاق ، فزينب هي بنت عمته  . ومن ناحية أخرى لو كان لنبي الله محمد طمع في زينب لَمَا خطبها بنفسه لمولاه وخادمه زيد بن حارثة ، ولَمَا ألح كثيرا على زينب كي يتزوج من زيد . إذن ، كل هذه دلائل دامغة على طهارة ونزاهة وعفة النبي مما قاله البعض من المستشرقين والشبهاتيين . ثم من ناحية ثالثة لو كان هذا القرآن من تأليف شخص محمد لَمَا سجل ودون الآية السابعة والثلاثين وغيرها أيضا بين دفتيه ..
 

Share |