بغداد العباسية-عبدالرزاق العبودي

Sat, 10 Sep 2011 الساعة : 11:16

 بغدادالعباسية اسقطها ضعف المستنصر ..وتآمر الدويدار ولاعلاقة للشيعة باحتلالها
كان لسقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية على ايدي المغول في العام 656 هجريه1258م ،اثر مباشر في ظهور جدل كبير في التاريخ العربي والاسلامي برمته، فعظمة الكارثة وهول المصيبة وضخامة الحادثة القت بظلالها على الواقع التاريخي وكانت سببا مباشرا لتفجر الخلاف بين المؤرخين ومن شتى المشارب والاتجاهات مما جعل من غالبيتهم بل اكثرهم يتعامل معها على اساس الانتماء المذهبي والسياسي بعيدا عن الحيادية التي تعتبر من اولويات البحث العلمي.
اننا نؤكد في بداية المطا ف على ان الهدف من تناول هذا الموضوع وفي هذه الحقبة التاريخية بالذات ، هو كشف المستور وتعرية المنافقين وبيان الحقيقة سعيا لتعزيز الثقة وانصاف الطرف الاخر متنورين بالمصادر التاريخية الموثوقة ومن كلا الطرفين، ونحن في الوقت الذي ندين فيه وبشدة كل تطرف وانحيازوانحراف وطائفية ومذهبية فاننا نؤكد على ان هدفنا هو اعادة اللحمة بين المسلمين والتأكيد على ان من يحاول النيل منهم وبث الفرقة بينهم هو العدو االحقيقي لنا جميعا، ولكي نتناول الامر بالتفصيل دعونا نقرأة من خلال ماكتب عنه وكما يلي :-
نظرآ لفقدان الكثير من كتابات المؤلفين المعاصرين لتلك الفترة ولكون المؤرخين اللاحقين من الشاميين والمصريين قد اتبعوا اسلوبا انتقائيا في الاقتباس من تلك المصادر فضلا عن تصرفهم فيها بالحذف والزيادة والاختلاق فقد ضاع او أخفي بعض تلك الحقائق والصقت الكثير من التهم الباطلة بالاخرين زورا وبهتانا.
من المعلوم ان اخر الخلفاء العباسيين هو المستعصم بالله ، وهو كما يصفه المؤرخ الذهبي في تاريخ الاسلام ( ضعيف الشخصية متعلقا بالمظاهر والاحتفالات والانهماك بهواياته الخاصة مثل اللعب بالطيور والطرب والغناء، وقد اتخذ من احد السوقة وهو ابن الدرنوس (الخبير بانواع الطيور) مستشارا له ) وقد كان مولعا ببناء القصور والانفاق عليها بسخاء في الوقت الذي سرح فيه اعداد كبيرة من افراد الجيش من خلال تخفيض رواتبهم او حرمانهم منها الامر الذي تسبب في هروب بعضهم الى الشام وتحول البعض الاخر الى شحاذين يتسولون على ابواب البيوت والجوامع بحثا عمن يتصدق عليهم بحسب قول الذهبي نفسه ، وكان من نتائج ذلك تحكم عصابات الجريمة المنظمة ببغداد ، واصبح قائد الجيش المسمى ب(الدويدار الصغيروهو بالمناسبة تركي القومية وليس بعربي)على علاقة مباشرة بهم وكان يستخدمهم كورقة ضغط على الخليفة متى مايشاء ، وهكذا اصبح الناس يسرقون في وضح النهار دون رادع او خوف.
كانت بغداد مدينة منكوبة يعمها الخراب منذمايزيد على نصف قرن حيث يتحدث الرحالة ابن جبير الذي زارها سنة 580 هجريةعن استيلاء الخراب على جانبي الكرخ والرصافة ، كما تحدث ياقوت الحموي صاحب معجم البلدان عن خراب كثير من محلاتها في العام 621هجرية ، وفي العام 654 هجرية حدث فيضان عظيم اغرقها بالكامل حسب المؤرخ رشيد الدين صاحب جامع التواريخ ، وفي العام نفسه حدث توتر بالعلاقة بين الوزير ابن العلقمي والدويدار الصغير وهما يمثلان المستوى السياسي والعسكري على التوالي وسبب هذا التوتر الذي ستكون له عواقب وخيمة لاحقا هو سريان اشاعة بان الدويدار الصغير ينوي قتل الوزير ثم الخليفة ومبايعة ولده الكبير.وقد انكر الدويدار امر المؤامرة وانزعج بشدة واخيرا تدخل ابن الدرنوس وابن الدامغاني للوساطة وانتهى الامر بتعزيز دور الدويدار الصغير .
بعد سبعة اشهر ونصف على خبر تلك المؤامرة حدث امر مهم (ونحن سنركز عليه ونوثقة بعدة مصادر )الا وهو و بحسب كتاب الحوادث وكتاب العسجد المسبوك لاسماعيل الغساني ((قتل اهل الكرخ رجلا من اهل قطفتاوهي (المشاهدة والفحامة اليوم )،وزاد الاوضاع سوءأ ان القتيل من محلة سنية والقاتل من محلة شيعية (الكرخ) وكثيرا ما كانت تنشب بعض الصدامات بين سكان بغداد من كافة الطوائف ومنهم الشيعة والسنة ، بل وحتى داخل المذاهب السنية نفسها)) وهنا يقول ابن خلدون في العبر وديوان ا لمبتدأ والخبر (( وكانت الفتنة في بغداد لاتزال متصلة بين الشيعة والسنة وبين الحنابلة وسائر اهل المذاهب، وبين العيارين والدعار والمفسدين)) وفي فورة عاطفية دللت على عدم اتزانه ، امر الخليفة الجيش بردع اهل الكرخ وكان الاولى به محاسبة الجاني فقط على جريمتة وقد تحدث كتاب الحوادث عن الموضوع بقوله:- (( فأمر بردعهم ، فركب الجند اليهم وتبعهم العوام وهم هنا (الاوباش والغوغاء) ونهبوا محلة الكرخ ، واحرقوا عدة مواضع وسبوا كثيرا من النساء والعلويات الخفرات وسفكوا الدماء وعملوا كل منكر ))،وقال المكين في اخبار الايوبيين ص167(( ان الخليفة المستعصم بالله امر بنهب الكرخ وجميعه من شيعة علي بن ابي طالب ، فنهبهم العوام واخذوا اموالهم وجميع نعمتهم ونسوانهم واولادهم ، وباعوا بناتهم))وذكر نفس الكلام وبترتيب اخر كل من الاشرف الغساني في العسجد المسبوك وابن واصل الشافعي في مفرج الكروب واليونيني الحنبلي في ذيل مراة الزمان ووصاف الحضرة في تحريرتاريخ وصاف والذهبي في تاريخ الاسلام وابن شاكر الشافعي في عيون التواريخ.
من هنا بدات المؤامرة ضد الشيعةكما هو واضح للعيان بقصد تشويه سمعتهم واظهارهم بمظهر الخونة والعملاء للاجنبي وهو امر مشابه لمايجري الان تقريبا( (فالشيعة الان خونة وعملاء وهم الذين ادخلوا المحتل للعراق، بينما تعرف البشرية اجمع بان دول الخليج العربية هي التي دعت الاجنبي لاحتلال العراق وسهلت له ذلك وشاركت بتقديم الدعم الاستخباراتي واللوجستي وتامين القواعد في اراضيها وعلى سواحلها اضافة لدفع تكاليف الحرب بالكامل من قبل السعودية والكويت وقطر والبحرين والامارات وهي تدعم الان بقاء المحتل في العراق بينما يطالب الشيعة بخروجه وفقا للاتفاقية الامنية بنهاية عام 2011م ولنرى التاريخ ماذا سيكتب!!! )) وبالعودة الى اصل الموضوع فقد بدات خيوط الاساءة لتاريخ الشيعة كما قلنا تتضح عندمافبرك ابن كثير الدمشقي الشافعي صاحب البداية والنهاية القضية حسب هواه وليس كما حدث بالفعل حيث كتب الواقعة بافعال مبنية للمجهول ثم جعل تلك الواقعة سببا لاتصال ابن العلقمي بالمغول حسب ترتيبه فيقول(( كانت فتنة عظيمة ببغداد بين الرافضة واهل السنة فنهب الكرخ ودور الرافضة حتى دور قرابات الوزير ابن العلقمي وكان ذلك من اقوى الاسباب في ممالآته للتتار)) ... وهكذا توالى نقل المؤرخين اللاحقين لهذه الواقعة وفضائعها ليس بهدف ادانتها بل من اجل ان يقولوا ان الوزير ابن العلقمي اراد الانتقام لما حدث في الكرخ فاتصل بالمغول وهو امر عار عن الصحة جملة وتفصيلا تماما كما سيتضح لاحقا.
في 9 ربيع الاخر سنة 655هجرية بلغ هولاكو الدينور قاصدا بغداد ، ثم رجع الى همدان وفي 10 رمضان من نفس السنة ارسل الى الخليفة رسولا يتوعده ويطلب منه النزول عند شروطه قائلا(( فاذا اطاع الخليفة فليهدم الحصون ويردم الخنادق ، ويسلم البلاد لابنه ويحضر لمقابلتنا واذا لم يرد الحضور فليرسل كلا من الوزير ابن العلقمي وسليمان شاه والدواتدار ، ليبلغوه رسالتنا دون زيادة او نقص))وقد اورد ذلك جامع التواريخ ، ولم يستجب الخليفة لطلبه بل رد عليه برسالة تهديد، فاعاد هولاكو الرسل وحملهم تهديد اخر ، وهنا عرض الوزير الرسالة على الخليفة لبيان رايه فقال الخليفة (لاوجه غير ارضاء هذا الملك الجبار ببذل الاموال والهدايا والتحف له ولخواصه) وعندما بداوا بتجهيز الجواهر والمرصعات والثياب والذهب وغيرها اعترض الدويدار بشدة مهددا بنهب تلك الهدايا في الطريق فاقتصر الخليفة على نزر يسير منها فغضب هولاكو وبعد اخذ ورد بدأ هولاكو بالتقدم نحو بغداد وهنا نشير الى امر في غاية الاهمية الا وهو ان هناك قوات قد تجحفلت مع هولاكو لتقديم الدعم العسكري واللوجستي له واهمها كتيبة من المقاتلين الكرج ( بضم الكاف وسكون الراء ) وهم من سكان جمهورية جورجيا الحالية حيث كانت زوجة هولاكو (دو قوز خاتون نصرانية من هذه الجمهورية ) اضافة لامدادات صاحب الموصل الذي ساعدهم على البغادة حسب قول ابن كثير في البداية والنهايه.
ومما ساعد هولاكو الذي كان مخيما في طاق كسرى ويروم دخول شرقي بغداد هو وقوع اثنين من القادة العسكريين للخليفة كان قد ارسلهما للاستطلاع في الاسر وهما سيف الدين قليج وايبك الحلبي ، فحقق بذلك اكبر خرق استخباراتي حيث اصبحا مرشدين لجيوش هولاكو الذي ارسل جيشه ليلتف على بغداد من جانبها الغربي الكرخ ( بفتح الكاف) فعبروا نهر دجلة عن طريق نهر دجيل ومن ثم اصطدموا بجيش بغداد الذي كان عدده (10- 12الف) فقط في حين تقدر قوات هولاكو بمئتي الف مقاتل ، المهم فالمعركة غير متكافئة وقد قتل اغلب افراد الجيش وهرب الباقون نحو الشام او غادروا الى الحلة والكوفة جنوبا، ولما كانت محلة الكرخ قد اخلاها اهلها منذ ان سمعوا بتقدم الجيش المغولي (وكان الرجل او المراة كما يقول صاحب كتاب الفخري يقذف بنفسه في الماء، وكان الملاح اذا عبر احدا في سفينته من جانب الكرخ الى الرصافة ياخذ اجرته سوارا من ذهب او طراز من زركش اوعدة من الدنانير) ورغم كون جانب الكرخ خاليا من السكان عند دخول المغول الا انهم دمروه واحرقوه وكان مما احترق مشهد الكاظمين (ع) مما يدل على عدم تفرقة المغول في القتل والتدمير بين الشيعة والسنه،لقد بدا هذا الجيش يطلق سهامه نحو الجانب الشرقي من بغداد وباتجاه قصور الخليفة وفي النهاية سقطت بغداد ودمر كل شيْ فيها وبعد القتل والتدمير وقع فيها الوباء الذي اتى على كل شيْ حي.
ان القاء تهمة القضاء على الخلافة العباسية وسقوط بغداد وتدميرها على الجانب الشيعي ونسبة الخيانة للوزير ابن العلقمي امر لايستقيم ابدا ولايمكن قبوله وهو لايعدو ان يكون تزويرا وقلبا للحقائق اورده البعض من المؤرخين المتعصبين من امثال الجوزجاني الفارسي وهو مؤرخ متطرف كان يعيش في الهند بعيدا عن بغداد وكذلك ابي شامه الذي كان يعيش في بلاد الشام وهما ممن زور الحقائق وهو اول مؤرخ عربي ذكر هذه الادعاءات الباطلة ضد الوزير ابن العلقمي ونقل وزاد عليه الاخرون حيث جاء اليونيني ثم الذهبي وابن كثير وبعده ابن شاكر وهكذا فكانت كلماتهم بمثابة لبنة في بناء او عود في حطب لابقاء النار متقدة ، وبهذه الطريقة اكتسبت القصة الملفقة مادة تاريخيه تتداولها الاجيال لتعميق الهوة بين الطرفين.
لقد خدم ابن العلقمي الخلافة العباسية لاكثر من ربع قرن كما يقول يوسف الهادي في كتابه اعادة كتابة التاريخ( ( فقد عينه الخليفة المستنصر رئيسا للتشريفات ثم استاذ لدار الخلافة ثم ناظرا عاما للجامعة المستنصرية ثم رفعه المستعصم عام 1244م الى مرتبة وزير وظل يحتل هذا المنصب حتى سقوط بغداد)) وهذا ان دل على شيء فانما يدل على وطنيته واخلاصة وثقافته وعلميته وتفانية من اجل الخلافة العباسية وليس العكس اما بالنسبة لاهل الكرخ الشيعة فقد تعرضوا كاخوانهم السنة للقتل والتدمير والتشريد وان من جاء مع هولاكو هم اهل الكرج من سكان جمهورية جورجيا المسيحيين وهم اقارب زوجته المسيحية كما قلنا لكن الاقلام الحاقدة فعلت فعلتها وزورت الحقائق والتي كان ابرزها تغيير مكان النقطة في حرف الحاء وهو الذي قام به المؤرخون المتعصبون بقصد الاساءة لتاريخ الشيعة ووطنيتهم . ان وضع النقطة في غير موضعها هو الذي خلق هذه الاساءةالمقصودة طوال قرون من الزمن والتي يراد منها استمرار الخلاف وعدم التقريب بين الطرفين وعند اعادة قراءة الموضوع نجده كما يلي :-
((جحفل عظيم ومعه خلق من الكرج))بالجيم وهذا ماذكره المؤرخ ابن واصل الشافعي المتوفي 697هجرية في مفرج الكروب لكن اليونيني او ناسخ كتابه كتبها سهوا او عمدا بشكل مغلوط(( جحفل عظيم وفيه خلق من الكرخ)) بالخاء وكتبها الذهبي او ناسخ كتابه سهوا او عمدا بشكل مغلوط((وفي جيشه خلق من الكرخ))بالخاءوكتبها ابن تغري بردي بزيادة(( وفي جيشه خلق من اهل الكرخ الرافضه))والصحيح هو ماقلناه ونبهنا اليه في سياق الموضوع.
لقد اصبح واضحا لكل الباحثين عن الحقيقة بان الامور مرتبة ومفبركة وان الاساءة مقصودة ويراد منها استمرار الخلاف وتوسيع الهوة بين الاخوان الذين يجمعهم دين واحد وهو مانوهنا له وماسعينا الا لتقريب وجهات النظر ومعرفة الحقائق كما هي ، وفي خاتمة القول ندعوا كل المنصفين من اخواننا السنة لاعادة النظر في هذه القضية ودراستها بدقة وانصاف اخوانهم الشيعة الذين يكنون لهم كل الاحترام والتقدير وهم شركاء معهم قولا وفعلا في الدفاع عن الاسلام والمقدسات الاسلامية وهو امر مفروغ منه ، انها دعوة ليس الا والشمس لاتغطى بغربال.

 

 

Share |