نهضة الحسين (ع) اسست واقعا لا يزول لنهج الانبياء (ع) في الارض الحلقة العاشرة/محسن وهيب عبد

Thu, 6 Nov 2014 الساعة : 23:58

  بسم الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله على خير خلق الله محمد واله ومن والاه، واللعن الدائم على الظالمين اعداء الله.
كان لنا من خلال الحلقات التسعة الماضية وصفا كاملا للواقع القائم حاليا والذي اسسه الحسين عليه السلام على الارض في نهضته.
 وقلنا ان هذا الواقع يبرز في  ثورة سلمية سارية لا تتوقف؛ علتها التي تنطلق منها الرحمة، وغايتها: نبذ الظلم وبغض الظالمين، وفق نموذج الهي رسالي معصوم ؛ هو الحسين عليه السلام، الذي اختاره الله تعالى من خلال ابتلاء راتب ليكون نموذج الكمال في كل الميزات الانسانية الراقية وليكون اعداؤه في غاية الانحطاط الانساني في كل ميزاته المعروفة ، حيث من المفارقة بين ميزات الكمال الانساني المطلق لدى الحسين عليه السلام والانحطاط والسفالة المطلقة لدى اعدائه من الطلقاء ابناء الباغيات تبرز المظلومية الكبرى للحسين واهل بيته صلوات الله عليهم، بحيث لا تبقى حجة حتى لمكابر غير ماسوف عليه.
ان واقع تلك المفارقة صنع حبا بلا حدود للحسين عليه السلام، وغير موجود على الارض سوى في انصار الحسين عليه السلام، وصنع شعائر تحكي ذلك الحب، بما لا شبيه له على وجه الأرض، وصنع اجواءً مشحونة بالعاطفة الانسانية الفياضة بحب الحسين واهل البيت صلوات الله عليهم وبلعن مطلق الظالمين.
 وان ذلك الحب وذلك البغض ، وتلك الشعائر وتلك العاطفة كانت على مر التاريخ  مدعاة خوف شديد عند الطغاة والظالمين وقلق وهواجس؛ حركتهم ضد انصار الحسين عليه السلام فصنعت منهم ثوارا سلميين وأبطالا في سجال تاريخي معروف ومشهور ولحد الان.
فالحب جعل الناس المحبين للحسين عليه السلام يعطون للحسين عليه السلام كل شيء المال والأنفس وأجزاء من اجسادهم كما يحدثنا التاريخ بان العهد العباسي فرض ضريبة قاسية على زوار الحسين عليه السلام؛ وهي قطع اليد من الكف فكان الناس يقدمون اكفهم حتى بلغ ان احدا قدم يديه فكانت قد قطعتا في المرتين السابقتين لزيارته.
 وهذه وقائع تعني مبالغة في سلمية الثورة في الواقع الذي اسست له نهضة الحسين عليه السلام.
وفي مراسم الحسين عليه السلام تجد انصار الحسين عليه السلام كلهم جميعا ؛ بشيخهم الكهل وشابهم اليافع وامرأتهم... الجميع في حال استنفار لخدمة زوار الحسين عليه السلام و في حال عطاء كامل ودائم لا وجود له على سطح الارض: الذي يعطي المال والمواد العينية، والذي يطبخ والذي يستظيف الزوار في بيته، والذي يطبب ويمرض ، والذي ينظف، والذي يرعى، والذي يتفنن في تقديم الخدمات بلا حدود وبسخاء بلا حدود.
وكل هذا كان ولا يزال ولا يزول بالرغم ان مراسم الحسين عليه السلام كانت تكلف احبابه وأنصاره ضريبة قاسية لإحيائها.
فقد ورد في كتاب مدينة المعاجز (ج:5:ص: 154):
(روى الفخري في كتابه ، قال : روي عن ابن محبوب رضي الله عنه قال : خرجت من الكوفة قاصدا زيارة الحسين عليه السلام  في زمان ولاية آل مروان - لعنهم الله - وكانوا قد أقاموا اناسا من بني امية على جميع الطرق ، يقتلون من ظفروا به من زوار الحسين عليه السلام).
وفي كتاب التاريخ الاسلامي دروس وعبر: (ص: 313) يقول:
(في عهد المتوكل اشد خلفاء العباسيين بطشاً وتنكيلاً بالرساليين ، فهو الذي امر سنة 236 هـ بهدم قبر الامام الحسين ( عليه السلام ) وما حوله من الدور . وامر بان تحرث الارض التي فيها القبر وان تبذر وتسقى ليعفي اثره ، وامر باقامة مراكز على الطرق المؤدية للقبر واوكل اليها قتل كل من يرى انه آت لزيارة الامام الحسين ( عليه السلام ).
وجاء في كتاب خلفاء المدرستين: (ج8: ص: 17)؛ قال السيوطي: (وفى سنه ست وثلاثين ومئتين امر «اى المتوكل » بهدم قبر الحسين، وهدم ما حوله من الدور،وان يعمل مزارع، ومنع الناس من زيارته، وخرب، وبقى صحراء، وكان المتوكل معروفا بالتعصب، فتالم المسلمون من ذلك، وكتب اهل بغداد شتمه على الحيطان والمساجد، وهجاه الشعراء، فمما قيل فى ذلك:
تاللّه ان كانت اميه قد اتت
قتل ابن بنت نبيها مظلوما
فلقد اتاه بنو ابيه بمثله
هذا لعمرى قبره مهدوما
اسفوا على ان لا يكونوا شاركوا
فى قتله، فتتبعوه رميما.
وهكذا الحال او اشد منه كان في العهود التي تلت العهود الاموية والعباسية والعثمانية وقد راينا اخيرا : كيف كان المقبور المجرم العفلقي صدام يتعقب الزوار ويعدمهم، ومع هذا لم يتوقف الاتباع والانصار عن اداء مراسم الحسين عليه السلام بفضل واقع قائم مستمكن من النفوس اسس له الحسين عليه السلام.
وهنا ملاحظة جديرة بالاعتبار؛ وهي ان أي ظاهرة في الكون سواء كانت طبيعية او اجتماعية ...، قد تتاصل بحالتها المثالية من خلال عواملها الفطرية الجوهرية وقد يصيبها  الانحراف او الشلل اذا داخلها الاستلاب، الا ان ظاهرة حب الحسين فقد حملت في ذاتها حصانة ضد الاستلاب.
فالفوقية لا تصيب انصار الحسين عليه السلام؛ لان واقع نهضة الحسين ترفض الفوقيين، ولذا نجد موكبا للخضارة والخبازين والسماكة والكسبة والسواق والعمال واصحاب المهارات من كل صنف ولانجد موكبا للمؤلين للفوقية اصلا خصوصا الموظفين الكبار ولا للقضاة و للوزراء حتى للمتقاعدين ولا المتكبرين من أي نوع منهم .
وليس للدونية نصيب في انصار الحسين لان التصاق باكمال الحسيني يمنع الدونية، والحب بذاته عامل حاسم في محاربة الدونية فالمحب الطاهر في حبه محصن من الدونية.
وليس للاستلاب بالنفاق مجال في واقع ترسمه نهضة الحسين عليه السلام لانه اصل واقع قائم على معاداة المنافقين وبغضهم ولعنهم ولان مراسم الحب الحسيني لا تجعل للنفاق مسربا او اختيارا في افعال الذي يريد ان يشترك في مراسم الحسين وكلها بذل وتضحية وعطاء.
لكن نعم قد يستلب الحسيني بالنفعية؛ فليحذر احباب الحسين وأنصاره من هذا المسرب لأنه يكمن في اللاوعي وقد يكون لنا شرف توضيح هذا النوع من الاستلاب في موضع اخر.
والنفعية هي المزج بين المنفعة الخاصة ومراسم الحسين عليه السلام، التي يجب ان تكون متوجه بحب الحسين عليه السلام فقط وخالصة لوجه الله تعالى

Share |