الحسين .. الفدائي الثاني/طاهر مسلم البكاء
Wed, 5 Nov 2014 الساعة : 1:42

ليلة هجرة الرسول من مكة الى المدينة كان هناك فتى يافع يلتحف بفراش الرسول غير عابئ بسيوف عتاة قريش ،التي اختارت من كل قبيلة اشجعها لتنفيذ مهمة قتل الرسول والتخلص من رسالته التي كانت ثقيلة على اهوائهم وطباعهم ،ذلك الفتى هو علي بن ابي طالب ، الفدائي الأول في الأسلام وبطل منازلاته الخالدة لاحقا ً .
الفدائي الثاني :
تريد ان توهم الناس في يزيد ،كأنك تصف محجوبا ً أو تنعت غائبا ً أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص . وقد دل يزيد من نفسه على موضع رأيه ،فخذ ليزيد فيما أخذ فيه من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش ،والحمام السبق لأترابهن ،والقيان ذات المعازف،وضرب الملاهي تجده باصرا ً.ودع عنك ما تحاول ،فما أغناك أن تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه....انها رسالة الحسين الى طاغية العصر معاوية الذي كان يعمل على توريث الحكم الى ابنه يزيد بكل وسيلة .
سيدا شباب اهل الجنة :
لو عدنا الى ذلك اليوم المكّي ،الذي جمع فيه رسول اله عمومته وسادة بني هاشم في صدر الرسالة ، قائلا ً :
مــن منكم يشـد ازري ويعينني على هذا الامر فيكون وصييي وخليفتي ( يكررها ثلاث ) فلم يكن لها سوى أبا حسن عليا ً ،ويرفع الرسول يد علي في الاقرار الاول بولايته ،وهو ما سبق غدير خم بكثير، فيندهش أعمامه ويتهكم بعضهم ،فلم يكن يروا في هذا الفتى وهم البشر العاديون ما كشفه الله لرسوله من الامر ،أفهل يتخذ نبي وليا ً وخليفة بدون امر الله ؟ .
وعلى نفس الشاكلة، تسائل المسلمون الاوائل ،أزاء ما يبديه رسول الله تجاه الحسن والحسين ووصفه اياهما بسيدا شباب اهل الجنة ،وقد تصور البعض أنه لقرابتهم منه ، ولكن الوقائع التاريخية اثبتت انهما سيدا شباب اهل الجنة بما قدماه للامة ،وبما قدماه من تضحيات لحماية مبادئ الرسالة المحمدية من الأنحراف والتشويه .
( أنا أهل بيت النبوة ،ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ،بنا فتح الله،وبنا ختم ،ويزيد فاسق ، فاجر شارب الخمر ،قاتل النفس المحترمة ،معلن بالفسق والفجور،ومثلي لايبايع مثله ) ،بهذه الكلمات أطلق أبا الاحرار ثورته على الحكم الاموي الدموي الرهيب..
الحسين ابن علي ليس طارئا ً على الشهادة فيكون احد قوافل الشهداء وكفى ، بل هو الشـهيد أبن الشـهيد ابو الشـهداء ورمز الشـهادة والشـهداء ،وهو المـنارة التي يبحـر صوبها الثائرون والمـظلومون في أي زمـان ومكان في هذه الحياة .
يقول المهاتما غاندي :
تعلمت من الحسين كيف اكون مظلوما ً فأنتصر .
وقال ايضا ً :
طالعت بدقة حياة شهيد الاسلام الكبير ودققت النظر في صفحا ت كربلاء وأتضح لي ان الهند أذا أرادة أحراز النصر فلا بد من أقتفاء سيرة الامام الحسين .
وقال محمد علي جناح ثائر دولة باكستان :
لانجد في العالم مثالا ً للشجاعة كتضحية الامام الحسين بنفسه وأعتقد أن على جميع المسلمين أن يحذو حذو هذا الرجل القدوة الذي ضحى بنفسه في أرض العراق .
ويقول توماس كارليل، الفيلسوف والمؤرخ الإنجليزي :
أسمى درس نتعلمه من مأساة كر بلاء هو أن الحسين وأنصاره كان لهم
إيمان راسخ بالله، وقد أثبتوا بعملهم ذاك أن التفوق العددي لا أهمية
له حين المواجهة بين الحقّ والباطل. والذي أثار دهشتي هو انتصار
الحسين رغم قلّة الفئة التي كانت معه .
وهكذا غيرهم كل من أطلع على ثورة الحسين وفهم معانيها لايملك ألاّ الانفعال فيها .
لقد سرى الحماس والاندفاع في النفوس العظيمة لتلك الامة القليلة العديد الكبيرة الهمة نحو بلوغ المراتب العالية فكانوا يقولون لأمامهم وقائدهم الحسين : و الله لو اننا قتلنا فيك ثم عدنا ثم قتلنا سبعين مرة ما فارقناك ، في وقت كانت تزحف بأتجاهم الالوف راغبة ً في حطام الدنيا الفانية .
ومن عجائب كربلاء أن حماس هذه الامة الخالدة بقى معلقا ً في أريج كربلاء على مدى الزمان يغذي النفوس برحيقه ويزكيها ويسري فيها سريان الدماء بالعروق .
يحلل السيد الصدر ( الشهيد الاول ) ،ثورة جده أبا الاحرار فيقول :
( حينما تصطنع الامة أخلاقية الهزيمة لكي تبررها وتشعر ذاتها أنها انهزمت وأنتهت مقاومتها ،فأنها تقوم بنسج مفاهيم غير مفاهيمها الاولى ،وقيما ً ومثلا ً وأهدافا ً غير التي كانت تتبناها بالاصل ،لكي تبرر فكريا ً هذا الموقف الذي تقفه ،وكانت ثورة الحسين لغرض تبديل هذه الاخلاقية ،وصنع أخلاقية جديدة للامة تنسجم مع القدرة على التحرك والارادة ) وحينما يقول الأمام الحسين :
لا أرى في الحياة مع الظالمين ألا ّ برما ً، فلم تكن هذه شكوى وأنما كانت عملية تغيير لأجل العودة بالامة الى الاخلاقية التي فقدتها ،حيث تمثل الامام الحسين بأبيات منها :
سأمضي وما بالموت عار على الفتى ... أذا ما نوى خيرا ً وجاهد مسلما .
عطر كربلاء يواجه طاغية العراق :
وقد عشنا كيف أن عطر كربلاء عاد بدماءه الزكية ليواجه طاغية العصر في العراق ،بعد أن حرف الامة عن مسارها وأوصلها الى هزيمة سلبية نكراء ،فكان أول المتصدين له من هو الاكثر ألتصاقا ً بثورة كربلاء ومن عاش يتنسم عبيرها .. حيث سار الى الشهادة على خطى جده أبا الاحرار ، وهو الشهيد الصدر الأول .
يقولون كيدا ً : لماذا البكاء على الحسين مادام في هذه المنزلة الرفيعة ؟
ونرى أنهم مغتاضون مما آلت اليه ثورة الحسين من نتائج عظيمة في جمع صف الامة وأتجاهها الى أهداف واحدة نحو توحيد الله والحفاظ على دين رسوله والمناداة بالعدل والحق والمساواة والسلام ، والتي أن تمكنت الامة منها لعاشت في بركة وعز وكرامة .
واليوم ونحن نعيش هذا الاصطفاف المليوني الذي يتجه من كل أصقاع البلاد الاسلامية وغير الاسلامية ، متوحدا ً في كربلاء ، مستنشقا ً اريج المبادئ والمثل التي ضحى من اجلها سيد الشهداء بكل ما يملك وبأعز ما يملك ، نشعر بالفخر وبالاعتزاز ونتوسم في جميع زوار الحسين أن تكون هذه المثل ، نورا ً أبديا ً يطرز جباههم وأفعالهم الحياتية ليكونوا فائزين بخير الدنيا وسعادة الاخرة .
ونشعر ان دماء كربلاء كما كانت على مدى العصور ،دافعا ً للوقوف بوجه الظلمة ،فهي اليوم تشمخ علما ً يوحد شتات الامة وفرقتها ،وهي نورا ً شامخا ً يضئ الطريق لكل من ظل الطريق المستقيم أن يراجع نفسه بموضوعية ويعدل مساره ،ونستنكر ما يقوم به بعض حكام هذا الزمان من التضييق على محبي ال بيت الرسول ،ومنع الشعائر الحسينية ، وكأنهم لايعتبرون بالتاريخ الطويل ،وأن كبتهم لشعوبهم لن يطول ، أذ أن ثورة الحسين نارا ً أبدية لايطفأ لهيبها وعبر يمكن أستصراخها في كل عصر.
ونختم مع الشاعر :
حبل الشهادة موصول بنا أبدا ً ... أنا اتخذناه نحو الخلد مرتفقا
فمن علي الى أبن المرتضى حسن... الى حسين نسيم العطر قد عبقا