أسرار الوصال الحسيني/طاهر مسلم البكاء

Mon, 3 Nov 2014 الساعة : 0:03

ليس من السهل أن ينال أمر من الأمور أجماع الملايين من البشر ،وليس من السهل أن تنظم وتهيأ هذه الملايين لتأتي بأمر ثقيل ومكلف وبالضد من  طبائعها ، كما هو حال أنصار الحسين (ع) ،اليوم الذين  يقطعون مئات الكيلو مترات مشيا" على الأقدام ،وسط ظروف جوية متغيرة ،من برد شديد وأمطار غزيرة وخطورة بالغة تصل الى الموت ،حيث يعمد التكفيريون الذين لامذهب لهم الى قتل العشرات منهم في تفجيرات متوقعة على طول الطريق ،وليس من الغريب أن يناقش هذا الأمر العجيب وخلود أمر الحسين وثورته كل هذا الزمن وعلى أمتداد 1400 سنة وهم يعيشون نفس الظروف ويزداد الحماس الحسيني في ذكراها كل عاشوراء .
   لقد أثبتت ثورة الحسين أنها عطر معلق أريجه في سماء كربلاء ،لايؤخذ منه الزمن بل يزيده عبيرا ًو رونقا ً وألقا ًمع مرور السنين ،وهي علم ماثل شاخص أبدا ً لكل باحث ببصيرة في أمر كربلاء ، سيرى أنها  دماء الحسين وآل بيت رسول الله تفعل العجائب وتقف صرحا ً على الدوام تستصرخ كل ثائر وتخيف كل طاغية على مر الزمان .
    كيف بالله لبشر أن ينال كل هذا السحر والولاء في قلوب الملايين الذين يتزاحمون في الطريق الحسيني ،ونجد فيهم الطفل والفتى والشيخ والمرأة  ،وأعجب من ذلك نجد منهم المقعد الذي يقطع مئات الكيلو مترات على كرسي متحرك ممنيا" النفس بلقاء الحسين في أرض كربلاء ، في تواصل لم ينقطع أبدا" على مدى صفحات التاريخ الطويل ،رغم تغيير الظروف المحيطة ومستوى الوعي الأجتماعي والثقافي .
     أنظروا الى أولئك العراقيين  الذين أنتشر الحب الحسيني في دمائهم وذاقوا الوصال الحسيني ،ولكن ظروف بلادهم أحوجتهم الى الهجرة الى بلاد اخرى ، كبلدان  أوربا مثلا" والتي تختلف بيئتها الدينية والأجتماعية والسياسية عن ما موجود في بلادنا ،ولكنهم في أيام عاشوراء يعيشون ما يعيشه العراقيون في الداخل ، حيث يبدأ سنى ثورة كربلاء بالسريان في دمائهم .
    وليس من المستغرب أن ثورة الحسين قد هزت الضمير الأسلامي  في وقتها وأنفعل بها المجتمع الأسلامي لدرجة أنها أوجدت روح جديدة دفعت بالمجتمع المتكاسل ،الذي كان كل همه قبلها ، حاجاته الشخصية ،الى أن

يفيق من بعد سبات ليتجرأ ويقول كلا للظلم والطغيان، ويبدأ بسلسلة من الثورات هزت الحكم الأموي التسلطي ولم تنقطع حتى سقوطه نهائيا".
      ان مفجر الثورة وقائدها ليس فقط قائد شجاع لم يرهبه ولم يخيفه بطش الأمويين وقسوتهم مع خصومهم ،ولكنه يمتاز بصفات أخرى أنه سليل الأنبياء ،هو من أطلق رسول الله محمد (ص) عليه وعلى أخيه ب( سيدا شباب أهل الجنة ) ،وهو من آل رسول الله ،الذين باهل بهم  الرسول نصارى نجران في صدر الرسالة ،ولنتمعن في قوله تعالى :
       ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }آل عمران61 ، وهي آية المباهلة مع نصارى نجران،ومعلوم من هؤلاءالذين باهل بهم رسول الله ،أنهم علي وفاطمة والحسن والحسين،بأجماع المسلمين ، ولو أن هذه الآية نزلت فقط في أهل بيت الرسول لكانت كافية لكل ذي بصيرة للدلالة القاطعة على أن هؤلاء هم آل محمد ، ونعجب لتقول المتقولين اليوم من يأخذ بهم الجهل والتعصب الى مراتب التجني على آل بيت رسول الله وهم من أوصانا الله ورسوله بمحبتهم وطاعتهم ،قال تعالى :
(  قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ٌ{23} الشورى  )
      ولم يتهيأ لأمر أن فجّر أبداع وقريحة العامة والمبدعين على حد سواء ، كصرخة أبا الأحرار وسيد الشهداء ،هو الشهيد بن الشهيد أبو الشهداء  :
يا أبن آدم يا أبن شيت يا أبن نوح
                                             لك صرح شامخ فوق الصروح
يا أبن أسحاق ويعقوب وموسى
                                            شبهوا رأسك مقطوعا ً كعيسى
أنت صوت هادر أحيا النفوسا
                                            إذ جعلت العدل والحق نفوسا
                     يا شهيدا كربلاء ..يا سليل الأنبياء
 ولنستمع اليه وهو في قلة من أصحابه المختارين ،الذين افتدوه بمهجهم ،وقد أحاطت به الألوف  من الحاقدين يطلبون منه التسليم والنزول في طاعة يزيد  ،والذين يشبهون تكفيري هذا الزمان ممن ينظرون الى مغانم الدنيا التافهة وكأنها هدف هذه الدنيا  ،يقول (ع) :
    (  لا والله ، لاأعطيكم بيدي أعطاء الذليل ،ولا أقر اقرار العبيد ألا وإن الدعي  بن الدعي قد ركز بين اثنتين  : بين السلة والذلة ،وهيهات منا الذلة ،يأبى الله لنا ذلك ، ورسوله،والمؤمنون ،وجدود طابت وحجور طهرت
،وأنوف حمية ،ونفوس أبية لاتؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام )
ويخاطب أصحابه في خطبة نقتطف منها :
  ( ألا ترون الى  الحق لايعمل به، والى الباطل لايتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله ، فأني لاأرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما ) .
      والعراقيون والحسين (ع )لم يفترقوا أبدا" منذ لامس الدم الحسيني المطهر ارض كربلاء ولم تثنهم الظروف على اختلافها من الوصال الحسيني ،ولاعجب ان واجهوا طغيان مختلف الجبابرة ، بما يكتنزون من الحماس الحسيني وبما بثته فيهم ثورة الحسين من مثل ومبادئ والهام تتفجر به قرائحهم،وقد كان أول من قال لا لطاغية العراق هو الصدر الأول الذي تنشق مبادئ عبير ثورة الحسين ونشأ على مبادئ كربلاء وكان أخر ركب الشهداء ، حسيني آخر ، هو الصدر الثاني ،في وقت لم يكن أحد يجرؤ على الوقوف بوجه الطغيان والدكتاتورية ، كانت الثورة الحسينية هي الملهم ،   واليوم يقدم العراقيون وزائري الحسين من البلدان الأخرى  ، للعالم أجمع صورة عظيمة من صور المجد الحسيني والولاء له،كدليل على أستمرار ثورة الحسين وأزليتها .

Share |