أزلية الثورة الحسينية/طاهر مسلم البكاء

Sat, 1 Nov 2014 الساعة : 1:55

اليوم ، وعلى الرغم مما تواجه الامة الاسلامية من تحديات مصيرية قلما مرت بها في تاريخها الحديث ، فأننا نرى في الثورة الحسينية تجسيد لرد الامة على المحن الكبرى التي تمر بها ،فهي تصوير للوحدة الاسلامية المنشودة في أعظم صورها ،أذ تهفو القلوب والحناجر وتتوحد الكفوف والاقدام بأتجاه كربلاء ،حيث لايزال صوت أبا الاحرار مدويا ً  :
من الحسين أبن علي الى المؤمنين والمؤمنات كافة ( عبر العصوروالازمان ) ... ألا من ناصر ألا من معين ؟ ، هادفا ً الى أصلاح الامة ،كلما دب فيها الضعف والفساد والانحراف ، لقد ظلت كربلاء هي المركز الاصلاحي الابدي للأمة الأسلامية من يوم الحسين والى الابد ، ايا ً كان الظالم وايا ً كان نوع المحن التي تواجهها الامة وفي أي عصر .
فأن تمكن الظلمة من كبت صوت الامة وتجزئتها وخنق عنفوانها بشتى الطرق ،فأنهم مع الحسين يقفون عاجزين ،وتصبح ردودهم هامشية ،فماذا يستطيعون اليوم من رد عندما ينظرون الى افواج الامة رجالا ً ونساءا ً، أطفالا ً وشيوخا ً وحتى العجزة، هناك من يجلس منهم على الكراسي المتحركة ويتجه قاطعا ً مئات الكيلو مترات منطلقا ً للقاء الحسين ، أنها تتجه في يوم موعود من مختلف المسالك والطرق في العالم الى نقطة واحدة ،هي كربلاء... مرددة  :
لبيك ... لبيك نحن فداء لدين الله ورسالة جدك رسول الله ، وهم يدركون تمام الادراك أن المواجهة مع أحفاد قتلة الحسين لاتزال مستمرة ،وأن قل عديدهم وقلة حيلتهم ،وأنهم لايزالون يتربصون الفرص للنيل من الجموع الزاحفة المصممة على الشهادة خلف الحسين مستمدة الشجاعة من واقعة كربلاء وشجاعة الحسين وأصحابة النجباء ، فلن تثنيهم ردود بني أمية العصروحفدة الشمروأعوانه ومن يقف خلفهم يمدهم بالدعم والاغراء، ولن تمنعهم من لقاء الحسين الذي لايزال يقف علما ً أزليا ًوصوته متخللا ً أثير الكون :

( لم أخرج أشرا ً ولا بطرا ً ، أنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي )
ان الجموع تعوض ما فات وهي تعلن على الملأ ،أن الحسين هو الشهيد الوحيد الذي انتصربالدم على السيف وهو الثائر الابدي الذي اعده الله ورسوله لهذه المهمة العظيمة ، كان يجب أن يضحي بكل ما يملك في سبيل الرسالة وأستمرارها فيفوز بهذه المكانة الازلية ، كما أنه وأخيه قد أختار الله أسماءهم من أسماء الجنة ، فهما سيدا شباب أهل الجنة ،وأذا كان هناك من يستغرب في زمن الرسول (ص) حرص الرسول على تسميته وأخيه الحسن بسيدا شباب أهل الجنة فهل هناك من منكر اليوم ؟
فلو تخيلنا أن الرسول ص كان حيا ً بعد أستشهاد الحسين ،فمن الذي يكون صاحب التعزية غيره .
نقل قول الرسول الكريم ص عند وفاة ولده ابراهيم (وكان عمره سنة ونصف تقريبا ً)  :
تدمع العين ويحزن القلب ولانقول ما يسخط الرب وأنّا بك يا ابراهيم لمحزونون .
فكيف بقلب سيد الشهداء وهو يرى أعز أولاده وأخوته وأصحابه يقتلون بالسيوف أمامه في زمن نصف نهار ، لقد كانت التحديات خطيرة فتطلبت كل هذه التضحية الكبيرة والقرابين المعطرة بالدماء الزكية المضمخة بأريج الرسالة ونور الوحي ،حيث وقف الحسين وأصحابه يواجهون قلاع الكفر بما يحملون من ايمان عظيم ،يقول أبا الاحرار :
( هون ما نزل بي أنه بعين الله ) .
وفي وقت كان صحبه الامجاد يسجلون أروع الامثلة في الشجاعة والتضحية والايثار، وكانوا يفتدون الحسين بأنفسهم،ينشد أحدهم وهو يواجه الموت:
أميري حسين ونعم الامير  ...  سرور فؤادي البشير النذير
وبدرجات عالية من الاطمئنان يخاطب الحسين انصاره في أرجوزته الشهيرة :
شيعة المختار طيبوا أنفسا ً ...  فغدا ً تسقون من حوض لجين

واليوم لاشك أن الشعائر الحسينية لاتخلو من المشاق والمخاطر ،ولكن حب ابا الاحرار وألتماس الثواب الجزيل يزيل كل تعب وتضحيات والتي مهما بلغت لن تصل الى نسبة بسيطة من تضحيات سيد الشهداء ،والحقيقة أن في الشعائر الحسينية أسرارا ً قصية عن الفهم ولذة لايتذوقها ألاّ المنخرطون في الركب الحسيني الخالد ،ولأولئك الغرباء عن الحسين الذين يقفون بعيدا ً ويتسائلون نقول لهم : أن ينخرطوا في الجموع الحسينية ليروا بأنفسهم اسرارها، حيث أن أحياءها قد تكرر الف ومئات من المرات ومع ذلك يولد فيها لونا ً جديدا ً ومفاهيم مضافة ،على رغم أنوف الطغاة الذين حاولوا منعها ، فلم يفلحوا ولم يبقى لهم ذكر سوى ذكر افعالهم السيئة تلك .
تقول السيدة زينب ع :

) ليجتهدن ّ أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محو أمرنا وتطميسه، فلا يزداد ألا ظهورا ً وعلوا (  .
أن عظم سرها في هذه القدرة على التجدد فبقيت قبسا ً يضئ الابصار والعقول بغض النظر عن مستوى هذه العقول الثقافي ووعيها الديني ،حيث أن الاف من الشخصيات الدينية والسياسية تشارك في مراسم عزاء الحسين والتي لايؤدون مثلها حتى لو فقدوا أحدا ً من عوائلهم وأعزائهم  .
واذا أردنا ذكر جميع من تحدثوا عن ثورة الحسين من المسلمين وغير المسلمين فيصعب أن نذكرهم في هذه العجالة ولكننا نستشهد بمثل قريب من واقعنا العربي الاسلامي ، فعن السيد حسن نصر اللة (امين عام حزب الله في لبنان ) قال :
     أن العديد من الدراسات التي حاولت دراسة  حالت الصمود الأعجازي والمنازلات الخالدة  للأبطال الذين واجهوا الالة الحربية الغاشمة للصهاينة ومن تحالف معهم في حربهم الاخيرة ضدنا،فلم يجدوا غير أن الناس عندنا كانت تتمسك بأسمين هما الحسين وزينب عليهما السلام ،ومنهما أستمدوا تلك المقاومة البطولية . ولا عجب فهما ملهما الثوار ورمز البطولة على مدى العصوروفي أي مكان .
لم يتأتى لأمر مثله كملهم لقريحة الأدباء والشعراء والخطباءوقد أصبحت خطابة المنبر الحسيني لونا ً قائما ً بذاته ونختم بقول الشاعر :
عهد ياسيدي يا أبن الزجية  ...   تظل أنت النهج وانت القضية
يا قربان العدل بالطف تخلل ...   كطع نحرك ألف آيــة تجسد .

Share |