نهضة الحسين (ع) اسست واقعا لا يزول لنهج الانبياء (ع) في الارض -الحلقة الاولى والثانية/محسن وهيب عبد
Mon, 27 Oct 2014 الساعة : 14:56

بسم الله والحمد لله ولا حول ولا قوة الا بالله وصلى الله على خير خلق الله محمد واله ومن ولاه، واللعن الدائم على الظالمين اعداء الله.
في الدراسات الانتروبولوجية الحديثة يعتمدون دراسة الظواهر الاجتماعية لإظهار عللها، ذلك لان هناك علاقة تلازم ذاتية بين كل ظاهرة وعلتها، وبعد ها فالإنسان يكون قادرا ان يحظر الظاهرة باحضار علتها ، او يستبعد الظاهرة باستبعاد علتها، من باب طرق التحكم في المجتمعات وتوجيهها.
ان اول من استخدم هذا المنهج الدراسي في علم الاجتماع هم دهاقنة المعاهد المتخصصة في التثقيف الجماهيري من اجل تثبيت وشيوع النظريات السياسية الغربية البرغماتية، وقد حاولوا تجميع حالات لتكون ظاهرة وليقرروا على اساسها نظرياتهم: لنهاية التاريخ والانسان الاخير، كما هو فوكوياما، او لنظرية صدام الحضارات، كما عند صموئيل هنتتغتون. ولكنهم اصموا اذانهم واغمضوا عيونهم وغلقوا كل حواسهم عن اكبر ظاهرة في تاريخ البشرية؛ وهي ظاهرة ارسال الرسل عليهم السلام، فهي ظاهرة متجذرة في التاريخ الانساني ولا يسع حتى لملحد ان ينكرها لأنها واقع التاريخ البشري نفسه.
وكل الاديان على الارض تشير الى هذه ألظاهرة ، ومعظم اهل الارض هم اتباع لتلك الظاهرة ؛ كالديانات المسيحية واليهودية والإسلامية وحتى البوذية وكثير من ديانات اهل الارض؛ يدعون انهم اتباع ديانة سماوية وكل ما عند الانسانية من مثل وقيم هي ثراث لتلك الظاهرة.
اذن ؛ ما علة تلك الظاهرة ؟
و ما هي الغايات والأهداف التي تسعى ومن أجلها ؟
و ما هي الآليات التي ينتهجها الرسل عليهم السلام في بلوغ اهدافهم؟
ان علة تلك الظاهرة هي الرحمة : ( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)([1]) ، كما هي كل الافعال الكونية ، فلا ينجز فعل كوني إلا بقوة من صفات الرحمة ، فالرحمة كتاب الخالق البارئ المصور تعالى على نفسه ؛ (قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)([2]).
وللرحمة دليل علة كذلك في كل الاديان السماوية الاخرى خصوصا المسيحية غير المحرفة.
وأما الاهداف الكبرى لتلك الظاهرة ؛ فتتجسد في : بغض الظلم ونبذ الظالمين ونشر القيم وفق منهج القدوة المعصوم الذي هو الرسول او النبي او الامام.
واما الاليات المتبعة في بلوغ تلك الأهداف؛ فليس الا الثبات على تلك الاهداف والصبر عليها مهما كانت التضحيات والاحتساب عند الله تعالى.
ولن تجد اليوم على الارض واقعا لظاهرة الرسل في العلل والاهداف والآليات الا نهضة الحسين عليه السلام.
وهي ايضا ليست فقط من واقع ظاهرة الرسل عليهم السلام على الارض ، بل هي واقع متجسد الى الان والى ما شاء الله تعالى من الدهور، بسبب استذكار تلك النهضة بذات العلل والأهداف والآليات من خلال الشعائر الحسينية.
وسنبين ذلك في الحلقات التالية انشاء الله تعالى بالتفصيل.
فمما شاء الله تعالى في نهضة الحسين عليه السلام؛ الا ان يكون لها انصار وشعائر لا زالت تتواصل منذ يوم استشهاده عليه السلام والى ما شاء الله تعالى، وليس لؤلئك الانصار ولتلك الشعائر ولتلك الآليات الا ان تكون ذات العلل وذات الاهداف وذات االنهج لظاهرة الرسل عليه السلام فهي امتدادا تاريخيا وروحيا لها.
فالرحمة علة واضحة في كل تفاصيل نهضة الحسين عليه السلام من اولها الى نهايتها، والصبر والثبات على المبدأ في نبذ الظلم وعداوة الظالمين نهجه في السبيل الى ربه فقد كتب الحسين عليه السلام في وصيته في خروجه الى العراق حين حرج: (بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف يابن الحنفية أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي صلى الله عليه وآله اريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين)([3])
وحتى في اخر لحظة من حياته عليه السلام يقول: (صبراً بني الكرام، فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائم)([4]).
وكان منه عليه السلام درسا للصبر لأهل بيته وعياله، ودعاهم إلى الصبر والتحمل قائلاً: (انظروا إذا أنا قتلت فلا تشقّن عليَّ جيباً ولا تخمشن وجهاً)([5]) ، وتحمّلت أخته زينب ثقل هذه الملحمة الدامية، وكانت كل لحظة من وقائع الحادثة تعبيراً عن المقاومة والثبات، وحتى الكلمات الأخيرة التي تلفظ بها سيد الشهداء حين سقط على الأرض إنمّا تعكس هذه الروح من الصبر والصمود، إذ قال: (صبراً على قضائك)([6]).
ونتيجة للمظلومية الكبرى في التاريخ الانساني تحولت نهضة الحسين عليه السلام الى واقع تحياه البشرية بما يستذكره الاشياع غلى مر الدهور والأزمان من هذه المظلومية، ولذا نجد احسن ما قيل في الحسين عليه السلام هو ما قالته النخب من العلماء والفلاسفة والأدباء والقادة والمصلحين العالميين المعروفين من ابناء الانسانية من كافة الملل والمذاهب والأديان في شرق الارض وغربها.
اذن فنحن الوحيدون على الارض الذين نغذي ظاهرة الرسل بالحياة من خلال شعار الحسين عليه السلام ونسترجع تلك الظاهرة باسترجاع علتها واهدافها وآلياتها.
هوامش البحث:
1 ) الانبياء – 107.
2 ) الانعام – 12.
3 ) مقتل الخوارزمي 1: 188.و (حياة الإمام الحسين 246:2 و 288). وبحار الأنوار - العلامة المجلسي (44/ 329-330).
4) نفس المهموم:135
5) اللهوف:81
6 ) موسوعة عاشوراء - الشيخ جواد محدثي (ص: 386)، و(مقتل الحسين للمقرم:357).
محسن وهيب عبد
نهضة الحسين (ع) اسست
واقعا لا يزول لنهج الانبياء (ع) في الارض
(الحلقة الثانية)
اخر ما قلناه في الحلقة الاولى هو الاستنتاج التالي: اذن فنحن الوحيدون على الارض الذين نغذي ظاهرة الرسل عليهم السلام بالحياة من خلال شعار الحسين عليه السلام ونسترجع تلك الظاهرة باسترجاع علتها وأهدافها وآلياتها.
السوال هنا : كيف تسنى لنا استرجاع ظاهرة ارسال الرسل والبقاء في امتدادها من خلال نهضة الحسين عليه السلام؟
الجواب: اما العلة في تلك الظاهرة وهي الرحمة فتتجلى في ابسط اشكالها في البكاء على مظلومية الحسين عليه السلام سبط رسول الله صلى الله عليه واله ، وسيد شباب اهل الجنة، نعم ويبدو واضحا جدا في هذا السلوك الجمعي للملايين الباكية.
فبكاء الملايين لمظلومية اهل البيت عليهم السلام يعزز سايكولوجية بغض الظالمين والنفور من الظلم الذي هو شعار الانبياء والرسل عليهم السلام، وفي نفس الوقت يكرس الاتباع والوفاء والتاسي بالنموذج الاحسن لحب الله تعالى و اباء الضيم والإيثار والتضحية والصبر وكل القيم الانسانية الراقية التي ابرزها سلوك الحسين عليه السلام واصحابه واهل بيته صلوات الله عليهم اجمعين يوم الطف.
ان استذكار مظلومية الحسين عليه السلام بشكلها البشع والفضيع مع كل عام ودوما ؛ يستدعي علة الرحمة ، وتظهر في افعال الشعائر الحسينية الحزينة، وفي ذات الافعال يتجسد بغض الظلم ونبذ الظالمين الذي هو شعار كل الانبياء والرسل عليهم السلام .
اذن فقط وفقط لا تمتد ولا تتحقق شعارات الرسل والأنبياء ولا يظهر امتداد لأهدافهم على الارض الا من خلال استدعاء نهضة الحسين بشعائرها.
انه السر الرباني والحكمة الراتبة في ضرورة بقاء سنة ارسال الرسل باقية حية بدم الحسين عليه السلام.
ان ما يلفت النظر بالنسبة للناس هو ان ترى احد يبكي ويكون اشد في لفت الانتباه اذا كان الباكي يبكي بحرقة وصراخ ويكون اشد اذا رافق ذلك تعبيرات سلوكية تدل على شديد الحزن، فكيف اذا كان البكاء يقع في سلوك جمعي يبلغ اعداد هائلة وفي موضوع واحد؟
نعم ؛ هذا السوك الجمعي في البكاء قد لا يلفت النظر بالنسبة لمن يعيشون بالقرب او في الجوار، بسبب تعودهم وتكرار المنظر امامهم، ولكنهم لابد ان يتأثروا وان لم يعرفوا ان يتساءلوا عن سبب هذا البكاء؟ ولابد ان يجدوا الجواب الذي فيه نبذ للظلم وعداوة للظالمين.
ان في البكاء على الحسين عليه السلام سر حقيقة التوحيد الصادق لله تعالى وسر سريان العدل في الارض... كيف؟
الجواب يكمن في فهم : متلازمة الظلم والشرك:
فقد ارسل الله تعالى الرسل عليهم السلام بالعدل والتوحيد، الا ان الاثنين من بدهيهات السنن التي يجري بها الكون، ولذا فان سريان البديهي امر غير ملفت للنظر لانه بديهي كعيشنا في محيط من الهواء، وكعيش السمك في محيط من الماء، لا نلتفت اليه الا اذا خرجنا منه، والظلم خروج من العدل والشرك خروج من التوحيد. ولان الخروج عن البديهي يمثل صعقة في سريان الموجود المخلوق، لذا اشار الله تعالى الى سمة الأئمة الحق ؛ بعدم الظلم ، ولم يشر بشكل مباشر الى العدل؛ قال تعالى مجيبا على تساؤل ابراهيم عن سمة الائمة من بعده؟: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة: 124].
وكذلك اشار الله تعالى في كتابه العزيز الا ان اعظم انواع الظلم هو الشرك بالله لأنه خروج على الحقيقة الكونية الكبرى. قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]
اذن ماذا نحتاج للاعتصام بالأصول الكبرى للدين ومناهج الرسل عليهم ألسلام ؛ وهما العدل والتوحيد؟
نحتاج الى عداوة الظالمين والتبرء منهم ونبذ الظلم .
فعدم الظلم هو سبيل للعدل، وعدم الظلم ايضا سبيل للتوحيد. وكل هذا يحققه لنا الحسين عليه السلام في نهضته ومن خلال شعائره. فذلك هو سبيل الرسل ولاغيره سبيل انه واقع صنعه الحسين لامتداد ظاهرة ارسال الرسل عليهم السلام فهو الوارث لهم.
والسبيل الى ذلك يتحقق في عداوة الظالمين اعداء الله لاحظ نهج الرسل عليهم السلام كيف يختطه القران ولاحظ كيف ان الحسين يحقق ذلك:
تمعن في قوله تبارك وتعالى:
{وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة: 114].
ونحن نتبرء من الظالمين ونلعن اعداء الله في كل شعيرة من شعائر الحسين عليه السلام.
وفي نفس الموضوع لاحظ قوله تعالى:
{قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)} [الشعراء: 75 - 77].
وفي توضيح اشمل لمتلازمة التوحيد وعداوة الظالمين لاحظ قوله تعالى:
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)} [الممتحنة: 4].
نحن الوحيدون على الارض وبفضل الحسين عليه السلام نتاسى بابراهيم عليه السلام ونكون مصداقا لهذه الاية بفضل الحسين عليه السلام.
اذن فمع الحسين وثورته وفي اقامة شعائر الحسين عليه السلام يتحقق لنا التوحيد الخالص لله تعالى وبه نعتصم من الظلم ونتبرء من الظالمين ونلعنهم ونبكي على المظلوم صباح مساء.
ولذا فعلى طول تاريخ البشرية كان البكاء على الحسين عليه السلام يقض مضاجع الظالمين ، بل كل شعائر الحسين كانت ترعبهم والى الان والى ما شاء الله تعالى.
نحتاج فقط الى ان تكون شعائر الحسين عليه السلام في موضعها من سنن الله تعالى فى في العدل والتوحيد ، وان نكون صادقين في نبذ الظلم حتى من انفسنا، وصادقين في عداوة الظالمين حتى مع اقرب المقربين الينا.