اشكالية الموت بين الجسد والروح للمبدع – احمد الجاس/هيثم محسن الجاسم
Sat, 25 Oct 2014 الساعة : 0:34

لايموت المبدع اسوة بموت الاديميين من جنسه الا جسدا فانيا . اما الروح بسرها الخالد لاتفنى ابدا . بل تسافر عبر أفاقا لانعرف عن سفرها الا روايات وحكايات اما للسماء او تبقى تحوم حرة من حولنا ،نتصورها مرة موجودة بيننا او تسكن في المقابر ،بانتظار عودة الاحبة للقاء لايتم الا عبر مخيلتنا التي اثراها الفكر بشتى مصادره المعلوماتية ،بان ضيفها يشعر بوجودها من حوله لهذا يبقى يقرا ايات من كتاب الله او يتكلم عن لوعة الفراق وشوق اللقاء والذكريات .
ولكن روح المبدع الحقيقية لا تسكن المقابر ولاتحوم بالتيه ،كما نعرف ونشعر دائما . انما تسكن مفردات فنه وإبداعاته الخالدة وتتعلق بقلوب محبيه ومعجبيه متجاوزة الزمن المقدر لبقاء جسده وفنائه . تسافر عبر الزمن في عوالم إبداعيه ليستمد سكانها مصل الحياة الاصل من أرواح نورانية خالدة هي أرواح المبدعيين المسافرة عبر الزمن بلا توقف الحاملة لسر الحياة والبقاء الابدي .
لقد ودع العالم المنظور الفنان المبدع احمد الجاسم وهو احد النماذج الآدمية الخالدة التي تعامل مع سر الحياة بطريقة تجاوزت الزمان والمكان . الذي ترك لعبة الامكنة التي تحاصرنا كبشر بالغربة ،وطوى الزمن المحدود بالمخاطر المعباة بالمرض والحروب والطغيان السياسي ومده عمره كبساط من الريح وانطلق يسجل كل لحظة بعنفوان شاب ليرسم بفرشاة مكنونات خفية تبوح بالجمال والالق الطبيعي الخفي وراء الاشياء .
لم يكن الجاسم شبيها بنا ليعيش آلامنا وشهواتنا الدنيئة او حسراتنا على خساراتنا المادية ولا شبيها بالملائكة ليصوم ويصلي لبقايا الاه ازلي نتكلم عنه اكثر مما نراه حتى هيمن الشك علينا بسر وجودنا وفنائنا القدري .
كان الجاسم مخلوقا أسطوريا ،لايتعامل بأشياء مستهلكة ،لايتكلم بلغة كالبصاق نتقيأها . كان الجاسم مخلوقا عجائبيا يتكلم شعرا يخرج من روحه ويستنطق الفرشاة فنا بعمق الحياة التي لم يعشها في بلده ولابلد غربته بل استنطق الفرشاة بلغة لاتشبه البصاق ولاتسيل كاللعاب بل تنث كالندى من السماء لاتشعرنا الا بفضاء كالجنة الالهية ،ترحل بنا نحو عوالم لو كتب لنا الرحيل عبرها لاتكون عودتنا عقلاء كالادميين العاديين بل مجانين مفتونين باشياء لايراها الا العمالقة الخالدين ،هي عوالم لايأمها الا من شارك بصنعها ،وكان الجاسم منهم ومن سكانها ،وهكذا هو خالد عبر الزمن ولايسعه مكان .
واما عودة جثمانه اليوم الا وصفها بعضهم بعودة الطائر الى وطنه انما هي وصف لعاشق يحلم بان يكون كما كان الجاسم . مبدعنا الكبير لما هاجر لم يفكر بغربة الجسد ،لانه روح كبيرة لكل مكان يتنفس فيه الحرية ومصل الحياة ،وكانت المانيا محطته الاخيرة ، ربما طال المكوث بها ،ولكنها مطار ليطير منه بجناحين ملائكيين نحو سماء بافق لاحدود له ليعيش للابد خالدا بفنه وابداعه العظيم .