ماذا تريد أمريكا من العراق !!/غفار عفراوي

Thu, 9 Oct 2014 الساعة : 0:54

من المعلوم أن سياسات الدول وعلاقاتها الخارجية تقوم على عدة مرتكزات مهمة منها المصالح المشتركة والحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي " القومي والوطني " وحماية شعوبها وأراضيها ومياهها وأجوائها من كل شر وخطر قادم .

الحكومة الأمريكية تتعامل بشكل لا يقبل الشك والجدل بانتقائية غريبة وعجيبة وتكيل بعدة مكاييل وليس بمكيالين في سياستها مع شعوب العالم المستضعفة والحكومات الهزيلة التي لا ترى لوجودها مكان بدون الدعم الأمريكي المستمر لها ، والمثال الأوضح حكومات المنطقة العربية وبالخصوص حكومة العراق بعد التغيير عام 2003 ، بسبب وقوع تلك الحكومات تحت ضغوط الواقع السابق في سنين المعارضة السلبية التي كانت تميل إلى الاكتفاء باستحصال المساعدات المالية للإبقاء على وجودها من ناحية، وضغوط السلطة والمناصب الكبيرة ومطالب الشعب الكثيرة التي لم يستطع تحقيقها لحداثتها في الحكم واهتمامها بالمصالح الشخصية والحزبية والفئوية .

استمرت أمريكا تتلاعب بحكومات ما بعد التغيير والقادة السياسيين عبر عدة مسرحيات وسيناريوهات مكتوبة بأيادي أفضل المستشارين . ففي السنين الأولى لدخولها العراق صرحت الإدارة الأمريكية أنها قادمة لتحرير العراق من نظام البعث والبحث عن الأسلحة الكيمياوية الموجودة في العراق. وبعد أن اتضح أنْ لا أسلحة كيمياوية موجودة وبعد إعدام صدام انتهت حجتهم في البقاء على ارض العراق فكانت الخطة الثانية وهي شن معارك ضارية مع الفصائل المسلحة ومن أبرزها الفصيل الشيعي "جيش المهدي" لعدة سنين بعد أن أعلنت نفسها قوات محتلة عن طريق قرار من مجلس الأمن فصارت هي من تتحكم بمصير البلد، وان من يجلس على كرسي الحكم مجرد ألعوبة بين يديها يحركها الحاكم المدني بريمر كيف يشاء.

بعد ذلك صار تنظيم القاعدة هو اللاعب الرئيسي الذي يتحكم في الشارع العراقي من ناحية الإخلال بالأمن وانتشار السيارات المفخخة في العاصمة بغداد وعدد من المحافظات ثم اتضح أن التنظيم متعاون مع الإدارة الأمريكية في ضرب المدن العراقية التي يتواجد فيها عناصر جيش المهدي !

الخطوة الأخرى التي اتبعتها القوات الأمريكية هي التهديد بالحرب الطائفية عن طريق إشعال نار الفتنة بين أبناء البلد الواحد وبين أبناء المذهب الواحد عبر طرق وخطط شيطانية ، أو يكون  بالتلويح بان الحل الأفضل لمشاكل العراق هو التقسيم لثلاثة أقاليم ( سني – شيعي – كوردي ) ، وتارة أخرى بخلق أزمات بين الكتل السياسية المشتركة في الحكم عبر تقديم ملفات ضد بعض الشخصيات البارزة وتهديدها بالاعتقال وخلق أزمات طائفية بعد ذلك باستخدام رئيس حكومة لم يراعي التنوع المذهبي والديني والفكري وتعامل مع الجميع بعقلية القبيلة وعقلية القائد الاوحد كما كان يفعل صدام ! فتحول إلى دكتاتور متسلط لا يعترف بكبير ولا صغير، وكان ديدنه خلق الأزمات مع الآخرين بسبب وبدون سبب، فتجده متخاصم مع الأكراد بصورة مستمرة ، ويكيل العداء للمكون السني عبر إصدار أوامر إلقاء قبض بحق رموز الأحزاب والكتل المشاركة في العملية السياسية، حتى وصل الأمر إلى نواب ووزراء ونائب رئيس الجمهورية !
ولم يسلم التحالف الشيعي الذي ينتمي اليه من عداءه ومكره وخلافاته المستمرة ، فمرة يشن حرباً شعواء ضد التيار الصدري ويزج بأتباعه في السجون ، ومرة يعلن الحرب الإعلامية ضد المجلس الإسلامي الأعلى ، وتارة ثالثة يكيل التهم إلى نائبه حسين الشهرستاني وهو رئيس كتلة كبيرة ضمن ائتلاف دولة القانون التي يرأسها وغيرها الكثير من الأزمات التي اعتاشت عليها حكومته في دورتين متتاليتين وكان يطمح للثالثة لولا الرفض الكبير الذي واجهه من قبل الشارع العراقي والمرجعيات الدينية وحتى الدول الخارجية!

وبعد أن أدركت الحكومات الأمريكية المتعاقبة بعد عام 2003 أن الشعب العراقي لن يقع في فخ الطائفية ولن تفلح محاولات جره لمعارك مذهبية ، وبعد الضربات المؤلمة التي تلقتها القوات الأمريكية على يد المقاومة الإسلامية ، قررت الانسحاب من الأراضي العراقية والاكتفاء بالإبقاء على اكبر سفارة لها في الشرق الأوسط وسط العاصمة بغداد كي تدير الأمور من وراء الكواليس.

ولأنها تمتلك شخصية كارتونية مهووسة بالسلطة ويمكن تحريكها كيفما تشاء ، استفادت من هذا الشخص كثيراً لتسيير مخططاتها التي لم تعلن عنها ولم يفهمها إلا من خبِر أمريكا وعلِم أنها لن تجلب الخير أبداً.

ففي أواخر العام 2014 وبعد معارك هنا وهناك مع تنظيم داعش الإرهابي الذي جاء من خلف الحدود وتحديداً من الأراضي السورية حيث كان التنظيم يخوض معارك طاحنة مع الجيش السوري ، تفاجأ الشعب العراقي بوصول قوات داعش " الصغيرة " إلى قلب مدينة الموصل واحتلالها في ساعات قليلة وقبل أن تلفظ أنفاسها القوات العراقية كانت تكريت قد سقطت بعد ساعات أيضاً وكأننا نعيش في كابوس مرعب ليس له نهاية ولا بداية.

عرف السبب فبطل العجب :

بعد أن علمنا أن الإدارة الأمريكية هي راعية صناعة تنظيم القاعدة ، وهي راعية صناعة صدام ، وهي صانعة الحكومات الجديدة ، اتضحت خفايا الكابوس المرعب بعد أيام من المعارك حين نشرت وسائل الإعلام مذكرات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلنتون التي ذكرت فيها ان "داعش " هي صناعة أمريكية بامتياز!

 أمريكا صانعة الإرهاب في العالم أينما تشاء بشرط وجود حكومات هزيلة ليس لها خبرة ولا معرفة بإدارة الأمور وليست لها الشجاعة والقوة لترفض ما يفرض عليها من قبل الآخرين .

 بطل العجب وزال الوهم الذي كانت تحاول إيصاله أمريكا للشعوب المستضعفة بأنها راعية الحرية والديمقراطية والعدالة.

الإدارة الأمريكية خرجت من العراق مرغمة بعد ضربات عنيفة تلقتها من المقاومة الإسلامية ، تريد اليوم العودة من بوابة حماية مصالحها وحماية العراق بحجة ضرب تنظيم داعش ، وليت شعري كيف تضرب الأم ابنها وكيف تقوم أمريكا بعمل سيكلفها الكثير على المستوى الأمني والمالي وهي ليست بحاجة إلى هذا أبداً !

        أمريكا بين ليلة وضحاها تطالب السعودية بعقد مؤتمر ضد الإرهاب في العراق وتدعو له اغلب الدول العربية والدول الكبرى ومن بينها العراق الذي يتهم ليل نهار السعودية بتصدير الإرهاب للعراق عبر انتحاريين وسلاح وإعلام موجه .

 أمريكا تقنع فرنسا بعقد مؤتمر آخر في باريس ضد الإرهاب في العراق أيضا، أمريكا تقنع دول العالم بتشكيل حلف دولي كبير لمحاربة الإرهاب والقضاء على تنظيم داعش – الذي صنعته – وإعلان العراق منطقة حرب عالمية ضد التطرف والتكفير. وفرنسا تعلن أنها ستشارك في الطلعات الجوية وتقوم بقصف تجمعات الإرهابيين من داعش وهي الدولة التي لم تشارك في أي عمل حربي في العراق بعد سقوط النظام البعثي. والطيران الخليجي متمثلاً بالسعودية والإمارات والبحرين يشن هجمات ضد تجمعات المسلحين. وبريطانيا توافق على توجيه ضربات ضد داعش وتعلن أنها ستكون جاهزة خلال أيام ، إضافة إلى موافقة تركيا وروسيا على دعم هذا التحالف وعدم الوقوف ضده.

 أمريكا تبدأ ضرباتها الجوية ضد مقرات داعش لكنها تصيب عن طريق الخطأ – أكثر من مرة – مقرات الحشد الشعبي والمقاومة الإسلامية التي لبت نداء المرجعية وتطوعت للقتال ضد تنظيم داعش الإرهابي!

الطائرات الأمريكية توقع عشرات الشهداء من قوات الحشد الشعبي وتسقط مساعدات غذائية وأسلحة قتالية على مقرات تنظيم داعش – بالخطأ أيضا – وبلا نفي للخبر المعلن من مصادر برلمانية !

        أمريكا تعود بقوات برية لتتخذ من قواعد عسكرية في المحافظات الساخنة مقراً لها رغم رفض رئيس الحكومة الجديد لتواجد قوات برية والاكتفاء بالدعم عن طريق سلاح الجو وتسليح الجيش وتدريبه.
        المرجعية الدينية تحذر أن يكون التحالف الدولي بداية لاحتلال العراق من جديد وتوصي بان يكون الدعم لوجستياً فقط ، وزعماء الفصائل المسلحة وقادة قوات الحشد الشعبي يهددون بضرب أي جندي أمريكي واعتباره عدواً مثل أي عنصر إرهابي من داعش.

العراق إلى أين ؟ وماذا تريد أمريكا منه ؟ وما هي مخططات الإدارة الأمريكية في المستقبل القريب ؟ أم أنها تخطط لمستقبل بعيد ووجود طويل الأمد لمآرب لا يعلمها إلا الراسخون !!

كاتب عراقي
26-9-2014

Share |