العراق ..لماذا ؟.. والى اين ؟/يوسف ثامر الربيعي
Fri, 12 Sep 2014 الساعة : 2:33

يشهد العراق اليوم تحدياً كبيراً يتعلق بوجوده ككيان يتعرض لتهديدات كبيرة ومن اطراف متعددة اختلفت في كل شيء واتفقت على شيء واحد وهو تدميره وانهاء وجوده!!. وتكمن الكارثة فيما يحدث ، بوقوف البعض من ابناءه !! قلباً وقالباً مع من يسعى الى تدميره وتقسيمه ..يحركهم بذلك الجهل والتعصب العشائري والفئوي والجهوي ، والطائفي.. البعيد عن المذهبية والتدين !!.. فالمذهب بمعناه الكهنوتي شيء والتمذهب (الطائفية) شيء آخر. المذهب مدرسة فكرية وإجتهاد من إمام بلغ درجة عالية من العلم والتفقه في الدين، فيما الطائفي هو سياسي علماني، غالباً غير متدين، وجاهل في أمور الدين، يستثمر المذهب لخدمة أغراضه السياسية الدنيوية ومصالحه الخاصة للاستحواذ على السلطة والنفوذ والامتيازات، مستغلاً أبناء طائفته مثيراً فيهم النعرة الطائفية البغيضة لحمايته، ولإضطهاد وإذلال أبناء الطوائف الأخرى. وبذلك فأبناء طائفة الحاكم هم أيضاً مضطهَدون ومستغَلون لخدمة الحاكم الطائفي ..فالطائفية هي محاولة استغلال الفكر الديني في اثارة الخلافات... وليس مثلما يروج له البعض ، وتروج له وسائل الاعلام التي تتحرك من اجل هذا الشيء..وكمثال على ماقول ، الخلاف بين الفكر الوهابي والمذاهب الاخرى..حيث ترى الوهابية انها الاصح ومادونها فهوعلى خطأ بل وكافر ، وهذا الكلام صدر عن رجال دين منهم ..اما مايجري في العراق فهوخلاف تم استغلاله للايقاع بين جهتين ..باستغلال فكرهم الديني ولادخل لرجال الدين فيه ..فنحن لم نسمع لأي فتوى من رجل دين بتكفير طرف على حساب طرف ، وكل ماموجود هو.. مخطط رُتِبَ بعناية في اكبر مراكزالدراسات الاستراتيجية في امريكا وتوابعها!!..بأستغلال المستوى الفكري الضحل والجهل المطبق الذي تعاني منه مجتمعاتنا ..بعد ان درسو تاريخنا ووجدو نقاط الضعف التي دخلو الينا من خلالها وكدليل على مااقول ..انهم وبعد ان نجحوفي تجربة تقسيمنا على اساس سني وشيعي جربو شيء جديد على اجيالنا الجديدة وهو تقسيمهم على امورجميلة ارادو تشويهها ، ككرة القدم مثلاً ، حيث جرى تقسيمهم بالتشجيع لفرق اجنبية (ريال مدريد وبرشلونة الاسبانيين مثلاً) الى درجة الصراع الدموي الذي لايختلف عن الصراع المذهبي ..وقد ذهب العشرات من الشباب ضحية لهذا التعصب الجديد !!! بل ان العداء بدأ يستشري بين افراد العائلة الواحدة بسبب هذه الكارثة الجديدة وهو ينذر بالاسوء مستقبلاً ..فالهدف اذن واحد ..والمُخَطِط واحد!! لذا فأن مايجري في العراق تستطيع ان تسميه اي شيء الا ان تضعه في خانة الصراع الديني ..ولقد عملت دراسة على عينة من الناس واكتشفت ان 95% منهم ممن يتحدثون بالطائفية ، ليس لهم اي علاقة بالدين ولايعرفون اي شيء عنه ولايقيمون اي من الفرائض ،وهؤلاء الذين ينطبق عليهم قول الامام علي (ع) (ماتعصبَ الا دخيل) لأنهم لوكانو متدينين لعرفو الحق من الباطل ولما تعصبو ..إذن يجب تصحيح مايقال اليوم ووضعه في خانة الطائفية ومع ذلك ، فمنذ إسقاط حكم البعث الصدامي عام 2003 ، صار العراق ساحة لحروب إبادة الجنس على الهوية الدينية والطائفية.. ولم يكن هذا الصراع الطائفي وليد اللحظة، بل هو نتاج ثمانين عاماً من احتكار المكون الواحد للحكم، وعزل وتهميش بقية المكونات. لذلك لم يتحمل هذا المكون نظاماً ديمقراطياً يشارك فيه الجميع وفق نتائج صناديق الاقتراع.. وبلا ادنى شك أن أي كاتب يحاول قول هذه الحقيقة يشعر بالإحراج إذا ما أراد أن يسمي الأشياء بأسمائها، مثل الصراع السني- الشيعي . ولكن بعد أن صار كل شيء على المكشوف، إذ بات معروفاً لدى القاصي والداني أن الإرهابيين القتلة ينتمون الى عوائل تتبع المذاهب السنية ، وأغلب الضحايا المستهدفين هم من اتباع مذهب الشيعة ، و كذلك المسيحيين و الأزيديين..وبالتأكيد، إذا قلنا هذه الحقيقة في تسمية الجناة والضحايا فلن نسلم من تهمة الطائفية، فسياسة النعامة في دفن رأسها بالرمال ما زالت سائدة..فلقد كانت الطائفية في العراق موجودة قبل 2003، ومنذ تأسيس الدولة العراقية، ولكن لم يستطع المهمشون التعبير عن سخطهم علناً بسبب قمع السلطة الطائفية لهم ، بالوقت الذي يسعى رجال الدين الشيعة الى تعميق روح المحبة مع الاخرين من خلال الفتاوى التي تؤكد على ذلك منها ماقاله المرجع الديني الشيعي السيد علي السيستاني عن اهل السنة ( لاتقولوعنهم اخوتنا بل هؤلاءانفسنا)..في حين أن جميع الأعمال الإرهابية التي وقعت ضد الشيعة بعد 2003، لم تدان من قبل أي سياسي أو رجل دين سني ، إذا ما استثنينا الشيخ خالد الملا (رئيس جماعة علماء العراق)، ونفر قليل مثله، بينما إذا وقعت جريمة ضد أهل السنة نلاحظ إدانة الجانب الشيعي لهذه الجرائم فوراً..وآخر هذه الجرائم كانت الجريمة المروعة التي وقعت في مسجد (مصعب بن عمير) في محافظة ديالى، يوم 2014/8/22، التي راح ضحيتها نحو 30 شهيداً وإصابة 20 من المصلين السنة، و التي هزت وجدان كل إنسان سوي عنده ضمير حي، بغض النظر عن انتمائه الديني والمذهبي..ولكن الغريب أن العديد من الزعماء السياسيين السنة ومشايخهم الدينيين، وحتى البعض منهم من اتصف بالاعتدال، تسرعوا في الاستنتاج بأنه طالما كان الضحايا من السنة، فلا بد وأن يكون الجناة من الشيعة. لذا أطلقوا العنان لمشاعرهم بالتصريحات الطائفية النارية لتأجيج الوضع والشحن الطائفي. وعلى سبيل المثال اعلنت كتلتا (ديالى هويتنا) برئاسة (سليم الجبوري)، و(ائتلاف القائمة العربية) برئاسة (صالح المطلك)، انسحابهما من مفاوضات تشكيل الحكومة احتجاجا على الحادث ، وطبعاً لم نقرأ أو نسمع من هؤلاء أية إدانة عندما تحصل جرائم مشابهة، وأسوأ منها ضد غير أهل السنة.. فالسيد (سليم الجبوري) هو رئيس البرلمان العراقي وليس رئيس البرلمان السني، وكان المفروض به أن يسيطر على مشاعره إلى أن تتكشف الحقيقة، ولكن مع الأسف الشديد لم يستطع الصبر بدوافع طائفية..أما (علي حاتم السليمان)، رئيس ما يسمى بـ(مجلس ثوار العشائر) فقد هدد بالثأر السريع والحاسم، واتهم ميليشيات تابعة للتيار الصدري بارتكاب ابشع مجزرة في التاريخ (على حد قوله)، مطالباً السياسين السنة بـالانسحاب من العملية السياسية.. وأما الفضائيات الطائفية فحدث ولا حرج، فقد استغلت هذه الجريمة إلى أبعد الحدود لتصعيد الاحتقان الطائفي، والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور..رغم ان هناك جريمة افضع واكبر ، وهي جريمة القاعدة الجوية(سبايكر) في تكريت ، والتي راح ضحيتها الالاف من ابناء الجنوب ، لالشيء الا لانهم (شيعة)!! لكن لااقول لم نرى مثل ردود افعالهم اتجاه انفجار المسجد،بل لم نجد حتى ولومجرد كلمة مواساة على الاقل لأن من مات كانوبشراً! وأخيراً جاء الخبر اليقين، حيث أعلن تنظيم “داعش”، مسؤوليته عن حادثة مسجد مصعب بن عمير في بيان على موقعه في “تويتر”، وعلل فعلته بسبب رفضهم مبايعة (الخليفة ابي بكر البغدادي). وبذلك فقد فضح داعش أنصاره السياسيين،واخرسهم !! بالوقت الذي لم يعلن مسؤوليته عن جريمة قاعدة سبايكر بل كل الادلة تثبت ان من قام بها افراد ينتمون لعشائر معروفة في تكريت!!..
إن حادثة مسجد (مصعب بن عمير) المأساوية وقبلها، وما رافقها من تصريحات نارية للشحن الطائفي، يجعلنا في حيرة من أمرنا، ونسأل، هل يمكن أن يعيش هكذا شعب منقسم على نفسه بسلام في دولة واحدة ونظام ديمقراطي؟ أين كان يكمن كل هذا الحقد الطائفي طوال ثمانين سنة؟
يخطأ من يعتقد أن الفتنة كانت نائمة وجاء الأمريكان فأيقظوها.. فالطائفية كانت موجودة ولكنها كانت تدار من قبل سلطة المكون الواحد. فهي أشبه بالبركان الخامد تحت السطح ينبعث منه الدخان الخفيف ينتظر الوقت المناسب للانفجار، وهذا الوقت توفر بعد زوال القمع عام 2003 .. وللتذكير، نعيد ما أكدناه مراراً، أن العرب السنة (او اهل المحافظات الغربية) يرفضون أن يكون رئيس الوزراء شيعي(اي من اهل الجنوب) حتى ولو جاء عن طريق صناديق الاقتراع، وهذا هو جوهر المشكلة ، ولذلك فهم يرفضون الديمقراطية، ولكن إلى متى؟
إن احتكار السلطة من قبل المكون العربي السني بالقبضة الحديدية لثمانية عقود (وبترتيب من الاستعمارالبريطاني من خلال اتفاقية سايكس - بيكو) هو المسؤول الأول والأخير عن فشلهم في بناء الأمة وتكوين الوحدة الوطنية، والتعايش السلمي بين مكونات الشعب. وبذلك فقد شجعوا على ترسيخ الولاء للهويات الثانوية على حساب الولاء للهوية الوطنية. ولذلك راح زعماء الكتل السياسية يستقوون بالحكومات الأجنبية، و نرى ولاء الأخوين النجيفي وطارق الهاشمي لتركيا أكثر من ولائهم للعراق. وهذا الوضع لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية... كما ونسمع اليوم الحديث عن العودة إلى مخطط جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، الداعي إلى نظام الفيدرالية على أساس الانقسام العنصري والطائفي. فلو كان هذا النظام يقدم الحل الناجع، ويوفر الأمن والسلام للشعب العراقي فمن الجنون عدم الأخذ به، ولكن الواقع يفند جدوى هذا الحل. إذ هناك فيدرالية كردستانية، تتمتع بحقوق أكثر من الكونفدرالية، بل وحتى أكثر من الدولة المستقلة، ولكن مع ذلك هناك صراع شديد ومحتدم بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية..أما المحافظات العربية السنية فهي الأخرى شبه مستقلة بإدارتها الذاتية منذ 2003، إذ تدار من قبل ناس منتخبين من أهل المنطقة، دون أي تدخل من المركز، إضافة إلى ممثليهم في البرلمان والحكومة في بغداد وحسب ما تفرزه صناديق الاقتراع. ومع ذلك ملأوا الدنيا صراخاً وضجيجاً مدعين العزل والتهميش ..إلى آخر الأسطوانة!!!. كما وردد الإعلام المضلل، بما فيه الإعلام الغربي، أن سبب وجود داعش في العراق هو تهميش وإقصاء السنة والكرد من قبل المالكي، لذلك اضطر العرب السنة من سكان المنطقة الغربية الى تسهيل اجتياح داعش. وفضلوا حكم داعش على حكم المالكي الطائفي كما يزعمون. لذلك ألقوا اللوم على نوري المالكي في وجود داعش في العراق وكل ما حل من مصائب منذ بدء الخليقة وإلى الآن..
أقول لهؤلاء، هناك صراع دموي في ليبيا، ليس فقط بين الإسلاميين والدواعش من جهة، وبين القوى العلمانية من جهة أخرى، بل وحتى بين الجماعات الإسلامية المسلحة ضد بعضهم البعض، والسلطة مشلولة لا حول لها ولا قوة. فهل تفشي الإرهاب الإسلاموي في ليبيا هو بسبب الصراع السني- الشيعي وكلنا يعرف انه لا يوجد شيعي واحد في ليبيا كما هو معروف؟ وكذلك القتال في سوريا بين جبهة النصرة وداعش، والإسلاميين الآخرين.والحال نفسه بالنسبة للجزائر في عقد التسعينيات ونفس الكلام ينطبق على المناطق الأخرى المبتلية بالإرهاب الوهابي في العالم .. لذلك ، أعتقد جازماً أنه لو لم يكن في العراق انقسام سني – شيعي، لاخترعوا شيئاً آخر للصراع، كأن يؤججوا الصراع المناطقي بين الشمال والجنوب، وصراعات بين التنظيمات والفصائل المتنافسة على السلطة والنفوذ. وحتى لو تم تقسيم العراق إلى ثلاثة كانتونات طائفية وعرقية، فستشتعل الحروب الدموية بين العشائر العربية السنية فيما بينها، ناهيك عن الصراع العربي- الكردي على كركوك، وما يسمى بالمناطق المتنازع عليها، ومشكلة التطهير العرقي والطائفي. فالمشكلة ليست في تقسيم العراق إلى فيدراليات أو دويلات، وإنما المشكلة فيما بعد التقسيم على الحدود بين هذه الكيانات الجديدة).لذلك يسعى قادة الكتل العربية السنية إلى إلغاء الديمقراطية، والعودة إلى نظام حكم المكون الواحد، بالقبضة الحديدية كما كان قبل 2003، وحتى عودة حكم البعث، وبأسماء ديمقراطية مزيفة للتمويه. وهذا ما نلمسه من قوائم المطالبات والشروط التعجيزية التي قدموها إلى رئيس الوزراء الدكتور(حيدر العبادي)..وفي هذا الصدد، هناك لقاءات بين ائتلاف القوى الكردستانية واتحاد القوى الوطنية [العربية السنية] واتفاقهما على ان يضم برنامج الحكومة المقبلة قضايا المصالحة الوطنية، والمساءلة والعدالة [اجتثاث البعث سابقا]. يعني التحالف الكردستاني يطالب بإلغاء قانون اجتثاث البعث!!.. اذن المعركة معركة مصالح تستغل سذاجة غالبية اهل المنطقتين (الشمالية والغربية) من خلال الضرب على الاوتار الحساسة التي تجد تجاوباً من هذه الناس كالطائفية والتهميش وغيرها!! والسؤال هنا هو الى اين نحن سائرون؟وماذا بعد؟ وهل بعد كل ماجرى يمكن ان يكون هناك تعايش بين اهل الغربية واهل الجنوب ؟؟ المعطيات تقول ان المستقبل لن يكون بافضل من اليوم ان لم يكن هناك حلاً !!واتمنى ان اكون مخطأً