تأثير ثورة 30 يونيو على سياسة مصر الخارجية/إنجي دياب
Sun, 7 Sep 2014 الساعة : 3:47

مقدمة
الغرض من هذا المقال هو تحليل التغير الذي طرأ على سياسة مصر الخارجية تجاة بعض الدول التي ترتبط معها مصر بعلاقات تاريخية أو إستراتيجية أو حيوية بعد قيام ثورة 30 يونيو 2013.
العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية
كانت العلاقات المصرية-الأمريكية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر تتسم بالتوتر بالرغم من إعلان سياسة عدم الانحياز. فأمريكا رفضت تمويل السد العالي ودعمت العدوان الثلاثي 1956 وحرب 1967 وحرب أكتوبر 1973، ولكنها اصبحت إستراتيجية في عهد الرئيس أنور السادات الذي قبل التطبيع مع إسرائيل والذي قبل بإنتهاج سياسة الباب المفتوح الأقتصادية. ظلت العلاقات على هذا النحو في عهد الرئيس محمد حسني مبارك وكانت هناك قنوات إتصال مفتوحة مع الإخوان المسلمين لأن الولايات كانت تراهن عليهم لحماية مصالحها إذا حدث وسقط مبارك. وهذا ما حدث بالفعل خاصة بعدما أكد الإخوان على الحفاظ على أمن إسرائيل وعلى معاهدة السلام. لذا عندما إندلعت ثورة 30 يونيو بدأ الموقف الأمريكي بعدم الترحيب وعدم القبول بالاحداث التي اعتبرها "إنقلاب على الشرعية والديمقراطية" ووجدنا الحكومة الأمريكية تقوم بوقف المساعدات العسكرية والمعونات ومناورات النجم الساطع وفرضت وثيقة الشروط السبعة - التي رفضتها الحكومة المصرية. ثم ما لبثت الولايات إلا ان استئنفت المساعدات مرة أخرى لإدراكها الأهمية الجيو-سياسية لمصر.
العلاقات مع روسيا
إن العلاقات المصرية-الروسية على مدار التاريخ كان الجزء الأوفر منها مهم وحيوي. في عهد الرئيس جمال عبد الناصر قام الأتحاد السوفيتي بتمويل السد العالي ساعدوا في إنشاء مصانع الحديد والصلب في حلوان وكانت مصر تشتري الأسلحة من الأتحاد السوفيتي وهم من سلحوا الجيش بعد النكسة. لكن العلاقات مرت بفتور وهبوط عندما طرد الرئيس السادات الخبراء السوفيت قبل حرب أكتوبر 1973 ولكنها عادت مرة أخرى في شكل أقتصادي (إستيراد وتصدير).
لم تأخذ روسيا موقف حاسم من ثورة 25 يناير 2011 مع انه معروف قلقها من تصدير الثورات إليها. لكنها، دعمت وبشدة ثورة 30 يونيو 2013 ضد الإخوان لأنهم كانوا يدعمون الحركات الإنفصالية في الشيشان والقوقاز وهذا يمس الأمن القومي الروسي. هي تعتبر الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.
تريد روسيا عودة دور مصر الريادي، كما أنها لا تمانع في مساعدة مصر على إقامة برنامج نووي سلمي. روسيا ما زالت تبيع السلاح والصواريخ لمصر كما أنها المصدر الأول للسياحة لمصر. بالإضافة إلى ذلك، هناك مناقشات بخصوص إمكانية إنضمام مصر إلى الأتحاد الأوراسي. ستقوم روسيا ايضا بإستيراد منتجات زراعية من مصر لتخطي العقوبات الغربية عليها بعد أزمة شبة جزيرة القرم.
العلاقات مع الأتحاد الأوروبي
ترتبط مصر بأتفاقيات أقتصادية وسياسية مع الاتحاد الأوروبي مثل أتفاقية المشاركة المصرية-الأوروبية والشراكة الأورومتوسطية، حيث يتبع الأتحاد سياسة "المزيد مقابل المزيد"؛ أي كلما إنتهجت مصر الليبرالية سياسيا واقتصاديا كلما زادت المساعدات والمنح الأوروبية.
ساعد الأتحاد الأوروبي الإخوان المسلمين على الوصول إلى السلطة عن طريق تمويل منظمات المجتمع المدني و"النشطاء" لتشوية صورة الجيش ولبث الفتنة بينه وبين الشعب، لذلك اعتبر الأتحاد الأوروبي ما حدث في 30 يونيو إنقلابا عسكريا. ولكن مع مرور الوقت غير الأتحاد الأوروبي موقفه واعترف انه أخطأ في التقدير وبات يسمي الأحداث "ثورة" وذلك لأنه يخاف من التقارب المصري-الروسي ولأنه لا يريد أن يفقد العلاقات والمصالح التي تربطه بمصر.
العلاقات مع تركيا
في عهد الرئيس عبد الناصر كانت هناك توترات بسبب رفض تركيا وحدة مصر وسورية. أما في عهد الرئيس السادات كانت تركيا ضد إسرائيل في حرب 1973. في عهد مبارك بدأت الاتفاقيات التجارية والإستثمارات ولكن في آخر ايامه في الحكم وبعد قيام الثورة افقدت الحكومة مبارك شرعيته. أثناء تولي المجلس العسكري الحكم كان هناك مباحثات عن كيفية زيادة التعاون بين البلدين. أثناء حكم محمد مرسي كانت العلاقات وطيدة ولذلك تأزمت العلاقات بعد ثورة 30 يونيو حيث أصرت تركيا على أنها "إنقلاب على شرعية الرئيس المدني المنتخب" وبدأت تنتقد الجيش وتقول أن ما حدث في ميدان رابعة "مذبحة". كل ذلك اعتبرته القاهرة تصعيدا وتدخلا في الشأن الداخلي وقامت بتخفيض العلاقات للقائم بالأعمال.
العلاقات مع قطر
كانت العلاقات المصرية-القطرية جيدة في عهد الرئيس مبارك ولكن في عهد محمد مرسي كانت قطر هي الحليف الأقوى للجماعة، لذلك قامت قنوات الجزيرة بالتحريض ضد الجيش والشرطة وقامت بترويج الشائعات والأكاذيب لترويع المواطنين ولكسب تأييد المجتمع الدولي ضد الجيش المصري.
قامت قطر بإستضافة الإخوان الهاربين، وقامت بتمويل منظمات المجتمع المدني لتقليب الرأي العام على الجيش والشرطة وللحث على تخريب وتدمير وحرق البلاد.
العلاقات مع المملكة العربية السعودية
العلاقات المصرية-السعودية كانت جيدة في عهد الرئيس عبد الناصر فهم ساندوا مصر في حرب 1967 وفي عهد الرئيس السادات إستخدمت سلاح النفط للضغط على الغرب أثناء حرب أكتوبر 1973. كانت السعودية حليف لمبارك ثم تعاملت مع الإخوان ولكنها دعمت السلفيين ثم اعتبرت الإخوان إرهابا وتعهدت بتقديم مساعدات مالية لمصر لعبور الأزمة الأقتصادية - هذا بالتعاون مع كل من الإمارات والكويت.
العلاقات مع إثيوبيا
لعبت مصر أثناء الحقبة الناصرية دورا رياديا في القارة الأفريقية؛ فهي ساعدت حركات التحرر الوطني ماليا وعسكريا وأدانت نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وكانت إحدى المؤسسين لمنظمة الوحدة الأفريقية. أثناء حكم الرئيس السادات استطاعت مصر أن تحشد الأفارقة لعزل إسرائيل دبلوماسيا أثناء حرب 1973. إنتخب مبارك رئيسا لمنظمة الوحدة الأفريقية ومنظمة الأتحاد الأفريقي عدة مرات وكانت مصر تدرب وتبني الكوادر الفنية في إثيوبيا. لكن وبعد محاولة إغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا في 1995 فترت العلاقات وفي 2010 اعلنت إثيوبيا عن توقيع إتفاق عنيبي وبدأت في خطوات بناء سد النهضة. أثناء حكم المجلس العسكري تم إستخدام القوة الناعمة عن طريق الدبلوماسية الشعبية وعلاقة الكنيسة المصرية بالإثيوبية لمحاولة ثني إثيوبيا عن بناء السد.
عندما جاء مرسي إلى الحكم عقد مؤتمر وقال فيه "لو نقصت مياه النيل فدمائنا هي البديل" وهذا ما اعتبرته إثيوبيا تلويحا بإستخدام القوة وقالت أنها ستقاضي مصر وعزمت أكثر على بناء السد لحماية مصالحها. لكن الرئيس عبد الفتاح السيسي في المقابل ومنذ توليه الحكم أكد وشدد على أهمية العلاقات الحيوية مع إثيوبيا واصبحت مصر طرفا في اللجنة الثلاثية ونجحت في الضغط دبلوماسيا لوقف تمويل سد النهضة، وأكدت على ضرورة التعاون مع إثيوبيا في مشروعات تخدم البلدين ولا تضر بمصالح أي دولة أخرى.
خاتمة
في النهاية لا أحد يمكنه أن ينكر أن ثورتي 25 يناير و30 يونيو غيرا وجهة مصر وأنهم إنعكاس حقيقي لإرادة الشعب. وأن مصر أصبحت قادرة على رسم سياسة خارجية مستقلة ترعى مصلحة الوطن وتعلي من شأنه وشأن ابناءه.
بقلم: إنجي دياب