دكاكين ... مدرسية/الحاج هادي العكيلي
Fri, 5 Sep 2014 الساعة : 0:34

كان النظام التعليمي في العراق من أفضل النظم في المنطقة ، ولكن الوضع بدأ يتدهور بسبب الحروب والعقوبات الاقتصادية التي فرضت على العراق ودامت أكثر من 13 عام . فقد عان النظام التعليمي في العراق من عدة مشاكل قبل عام 2003 منها : نقص الموارد ، وتسييس النظام ، والهجرة والتشريد الداخلي للمعلمين والطلبة ، والتهديدات الأمنية ، والفساد ، والأمية على نطاق واسع .
يعرف عن النظام التعليمي في العراق بأن أغلب المدارس والجامعات حكومية ونادراً ما تتواجد المدارس الأهلية قبل عام 2003 . وبعد عام 2003 انتشرت المدارس الأهلية على مستوى الابتدائية والمتوسطة والإعدادية ولكلا الجنسين حتى أصبحت كدكاكين ألبقاله والكماليات والحلاقة وصيدلية اليوم وكذلك الجامعات انتشرت في جميع المحافظات العراقية ، والهدف الدائم والمستمر لتحقيق الربح على حساب المستوى العلمي . وأصبح التعليم فيها سوقاً للمنافسة وللمضاربة على شرف التربية والتعليم والمبادئ إن بقي هناك شرف للتربية والتعليم الأهلي .
أن أتساع التعليم الأهلي في العراق حالة ايجابية نظرياً ، لاسيما إذا كان التعليم الحكومي في تدهور ويسير نحو فقدان الناس به ، مما يولد بديلاً لهم ناجحاً وموثوقاً يزجون أبناءهم فيه أملين الحصول على المستوى العلمي المطلوب . وفي الجانب العملي نجد بأن واقع التعليم الأهلي في العراق كلمة أخرى تختلف جذرياً عما يجب إن يكون ، حيث كانت بداياته ناجعة قد تصل أحيانا حد الكفاءة والفاعلية ، لكن بمرور الأيام والزمن بدأ يحيد عن خط سيره مبتعداً عن هدفه المعلن مسبقاً إلى حد أنه بدأ يكشر عن أنيابه الرأسمالية بمنظره القبيح للأسباب التالية :ـ
1ـ تحقيق الربحية أولاً وأخيراً بغض النظر عن الهدف المعلن.
2ـ وضع التعليم في نطاق التجارة بمقاييس الربح والخسارة .
لقد وضعوا التعليم الأهلي في العراق كمشروع استثماري الهدف جني الأرباح الرأسمالية بعيداً عن تقديم الخدمة التربوية والتعليمية . ومن يدعي خلاف ذلك فهو خيالي وابعد ما يكون عن الواقع .
إن وضع التعليم الأهلي في العراق تحت طائلة الربحية فإنها ستفسد وستفقد هدفها الأساس ويصبح بلا قيمة ولا جدوى وهذا ما وصل إليه حال التعليم الأهلي في العراق . حيث ارتفاع الأجور الدراسية السنوية مع بداية كل عام دراسي بترتيب تصاعدي دون وجود ضوابط بذلك من قبل وزارة التربية العراقية ، إضافة إلى ارتفاع أجور نقل الطلبة التي أما أن يكون لصالح المدرسة أو أن تكون شريكة في أحسن حال ،إضافة ما يضاف إليه من شراء الكتب غير المنهجية العديمة القيمة والمنفعة العلمية ، وأحيانا إلى فرض الزي الموحد التافه المعتمد لدى كل مدرسة والذي تفوق أسعاره أسعار مثيله في الأسواق .وبهذا فقدَ التعليم الأهلي اغلب مميزاته ولم يبقى منها سوى القليل من كون التعليم الأهلي خالي من الفساد الإداري والتعليمي المتمثلة بالرشوة والدروس الخصوصية ، ولكن بدأ وحش الفساد يستشري في مؤسسات التعليم الأهلي ، فالرشوة والتدريس الخصوصي اخذ بالانتشار للقضاء على أخر مزايا التعليم الأهلي ، ناهيك عن المستوى المتدني للمعلمين والمدرسين الذين حشروا بالتدريس على أساس القرابة من المؤسس ، أو لقلة الأجور التي تعطى ، بالإضافة إلى حشر بعض المواد الدراسية التي لم تتهيىء لها المستلزمات النجاح مما أصبحت عبئاً على الطالب لا تنفع بأي مميزة عن سواه ، وانه زاد الطين بله .
ولكي يكون الكلام واضحاً ويبلغ مبتغاة لابد من صراحته ودقته بتحديد الخلل الذي يعاني منه التعليم الأهلي في العراق 1ـ الأبنية : ابنيه المدارس الأهلية عبارة عن بيوت مؤجرة أو مملوكة ، قسماً منها أصلا لا يصلح للسكن ، فكيف يصلح أن يكون مدرسة ؟َ!! حيث الصفوف غير مطابقة للتعليمات من حيث المساحة والشروط البيئية والصحية ، وعدم توفر الساحات للراحة وللعب .
2 ـ الملاك : يعتمد ملاك المدارس الأهلية على الكوادر التعليمية التي أحليت على التقاعد بغض النظر عن توجهاتها وخلفياتها الحزبية ، بالإضافة إلى الكوادر غير المعينين التي تفتقد إلى الخبرة والممارسة الغرض منهم هو سد الشاغر وخاصة في الصفوف غير المنتهية .
3 ـ الأجور : تختلف الأجور الدراسية للتلاميذ بين مدرسة ومدرسة أخرى ضمن المحافظة الواحدة وكذلك بين المحافظات ، فهي ترتفع طردياً مع زيادة أجور البيت المستأجر ، ومع عامل الجذب للكادر التدريسي والتعليمي وما تحققه تلك المدرسة من نتائج في الامتحانات النهائية . أما من ناحية أجور الكادر التعليمي فهي أجور بخسة إذا قورنت مع الجهد الذي يبذله المعلم والمدرس ، لعدم وجود جهات ترعى وتدافع عن حقوقهم .
4 ـ الرقابة : انعدام وضعف الرقابة على التعليم الأهلي ، وان وجدت الرقابة فهي غير مفعلة بالشكل المطلوب لوجود الفساد والمحاباة .
لكي ننهض بواقع التعليم الأهلي في العراق كما هو موجود في الدول العربية على أقل تقدير ، نضع بعض المقترحات أمام وزارة التربية العراقية وأمام الجهات ذات العلاقة للأخذ بها ومنها :-
1- أعادة النظر في أبنية المدارس الأهلية وكما يلي :
أ – تشكيل لجنة مركزية على مستوى القطر تطلع على أبنية المدارس الأهلية ومدى صلاحيتها للعملية التعليمية والتدريسية وليس فقط النظر لها كونها بناية ، وعلى ضوء ذلك تقرر إلغاء الإجازات الممنوحة للمدارس غير الصالحة للعملية التعليمية أو التدريسية .
ب – أعطاء مدة سنتان لجميع المدارس ببناء مدارس وفق الضوابط والشروط في قانون المدارس الأهلية واعتباراً من هذا العام ومن يتخلف عن الموعد تسحب الإجازة .
ج – إيقاف منح الإجازات لتأسيس المدارس الأهلية في الوقت الحالي إلا بتطبيق الشروط والتعليمات في قانون المدارس الأهلية .
د – الاكتفاء بمنح أجازة واحدة لكل مستثمر بدوام واحد وليس إعطاء أكثر من أجازة في بناية واحدة .
2 – تطبيق القوانين الخاصة بملاك المدرسة من حيث ما يلي : -
أ – التدقيق في شهادات المعلمين والمدرسين الذين يدرسون في المدارس الأهلية والتأكد منها بإصدار صحة الصدور لها .
ب – تنظيم ملفات للمعلمين والمدرسين الذين يدرسون في المدارس الأهلية والاحتفاظ بها في مديرية التربية قسم التعليم العام وإصدار أوامر بذلك .
ج – عدم السماح لأي معلم أو مدرس من مزاولة التدريس أو التعليم في المدارس الأهلية ألا بعد حصول موافقات من التربية وإصدار أمر بذلك .
د – التأكد من سلامة العاملين في المدارس الأهلية الصحية بإرسالهم إلى اللجان الطبية لإصدار تقرير بسلامتهم الصحية .
ه – التأكيد على السلامة الفكرية للعاملين في المدارس الأهلية بالحصول على موافقات الأصولية من الجهات الأمنية .
3 – المحافظة على حقوق العاملين في المدارس الأهلية كما يلي :-
أ – تنظيم عقود للعاملين في المدارس الأهلية مع المستثمرين وإرسال تلك العقود إلى الجهات المعنية لضمان حقوقهم .
ب – تشكيل جمعية أو منظمة تحمي وتدافع عن حقوق العاملين في المدارس الأهلية .
ج – تشريع وإصدار قانون يحمي حقوق العاملين في المدارس الأهلية .
4 – القوانين والتعليمات .
أ – اعادة النظر في جميع القوانين والتعليمات الخاصة في المدارس الاهلية .
ب – تفعيل قانون المدارس الأهلية وتطبيقه حرفياً وعدم التجاوز على مواده وفقراته .
ج – عدم السماح لأي جهة كانت أن تتجاوز على قانون المدارس الأهلية .
وأخيرا ندعو الجهات ذات العلاقة النظر في ظاهرة المدارس الأهلية التي أصبحت بصمة عار على التعليم في العراق ، وكاهل ثقيل على المواطن العراقي ، ومشروع استثماري للربح وليس للخدمة ، فأن إعادة ترتيب المدارس الأهلية في العراق وفق ضوابط وتعليمات محصنة سيساهم في دعم التعليم في العراق ، والله الموفق .