قصة قصيرة (الجمعة الأخيرة)/منى عبد الغني البدري
Wed, 3 Sep 2014 الساعة : 0:31

في حجرتها الصغيرة امتد جسدها الممشوق على فراشها الحريري ....بعد ان سمعت كلماته تصورت أن سريرها الذي احتواها يرحل بها بعيدا حيث عالم ملائكي في السماء ...هل هو حلم تكتمل فصوله منذ تلك البدايات في عمر الطفولة ...حين كانت صغيرة في عمر الزهور ...كان يبادلها روايات بريئة تحمل من الحب شيئا ....ربما لم يدركا معناها ...أغمضت عينيها وغاصت في أعماق بحر الماضي لتتذكر كلمات طبعتها لمسة من أنامله الرقيقة ..... وأفراد العائلة يراقبون تحركاتهما وكأنهما متهمان في قضية ....المعزوفة الموسيقية التركية التي تحبها .... تأخذها في عالم العشق الاسطنبولي الذي تعيش لحظاته مع نجوم الدراما التركية.... هاهي تعيش معها نغماتها تزخرف خيالها بأجمل الذكريات .... إنها نغمة الهاتف الخاصة ببطل الحلم اليقظان ... تسرع مهرولة إلى باب الحجرة لتحكم إغلاقه وكأنها تعلن انفرادها مع صوته .... إنه عالمها المثالي الوحيد الذي يخصها لوحدها .... صوته يرتعش خجلا وهو يطلق التحايا لها .... حشرجة في حنجرتها لم تعهدها إلا عندما تسمع صوته....في نفس اللحظات كانت تنسى ما يطلقه من أحاديث وتركز على بعض العبارات ...فقدان تام في كل شيء يخص روحها ...إلا ضربات قلبها التي تشعر أنها ثقبت أسماع العالم بأسره ..... ساعة لندن التي كثيرا ما سمعت عنها وكأنها تصخب كون الناصرية .....ركزت على بعض العبارات التي اطلقتها حنجرته المرتعشة( أشعر بانتعاش حين أسمع صوتك ليومين كاملين ) (أتذهبين معي حيث أذهب ؟ ) (أحتاجك دائما معي ) (روابط كثيرة بيننا) .......هوزجة العبارات هذه أثارت شيئا في داخلها ... وأنفاس تحمل رائحة من الماضي...لكن لا يمنع أنها تشعر بالسخرية من نفسها ....ربما يستفز بي شيئا...وربما آفة الوهم الذي تحاول هي نفسها أن تبني بها قلعة من الرمال...ربما سيعيد التأريخ نفسه .....فهل سيحدث الخطأ نفسه .... الحب الأعمى ...الغموض .... الكبرياء ... الفراق بلا مقدمات ....والعتاب .... وأخيرا الانتقام...!!!!
ذكريات أخرى فجرها في داخلها غابت في دهاليز النسيان ....وأسئلة شارلوكية يطرحها عليها باقتحام غير متوقع .... لم تسع أن تكون حذرة وكانت تصارحه بكل شيء عن حياتها التي طوتها .... فعفويتها كانت أهم صفة عرفت عنها...البعض يرى هذه العفوية هي منطلق جمال روحها .... لم تع ما تقول غير لذة الحديث عن كل ما يخصها تطرحه على طاولة أسماعه ... ربما ستكون ردة فعله ليس في صالح أمنياتها الهادئة ....افتراضات تسيج حولها شبح من الخوف .... في أن يفسر الأحداث في غير صالحها ....فهو مازال الرجل الغامض بالنسبة لها ....وقت الظهيرة مضى أسترق منهما دون أن يدريان... وتوقف كامل في عجلة الحياة الأخرى وكأنهما فقدا الاتصال بكل تفاصيل العالم الخارجي ....وغيبوبة الذكريات والحديث الذي تمارس نكهة الخجل مفعولها به هو كل ما يحيط بهما .....القلم الذي أمسكت به خط كثيرا من التعاريج على سطح ورقة بيضاء كانت تشاطرها سريرها .... ولهفة في صدرها الدافيء تنخر كل جدران الحنين إليه .... وخزائن الروح تتشح بالخوف من المستقبل ..... يوم الجمعة هو البلاط الذي يستقبل خطوات روحيهما والموعد الذي تتلاقى به نبضاتهما ... كانت تحسب الساعات والأيام لصباحات هذا اليوم ...الجمعة المرتقبة عادت تحمل هذه المرة بين طياتها توقعات قلق استمدته من حكايات الماضي ...اهنزازات في كفيها الناعمتين ...تقحم كبرياء قوتها الهوليودية لقوة مصطنعة ...فاجعة تلك الذكريات تصارعت على أبواب مخيلتها ... ( لأول مرة تكونين غير صريحة معي ) هذا ما قاله لها بعد أن تلقت خبر خطوبته من أخرى برتابة حديث مفتعل ... وابتسامات مزخرفة ...لملمت رفاة حبها تحت أجنحة الظلام لتخفيها كما كانت ... الحب لا يكون بالمنازلة ... الحب شعور يفرض نفسه على أغلفة القلوب ...ويغرس ركائزه في عمق الروح...( سأعود لحلقة الكتمان) ... هذا ما عزمت عليه ...وهي تتفهم الآن العبارة التي قرأتها في احد المقالات والتي تقول : ( اصبحنا بحاجة إلى قلب اصطناعي لا يتألم ولا يشتاق ولا يحب ... بل ينبض فقط )... وهو بقي يشعر بالعطف تجاهها شعور تنبذه من الجميع ... أحمر الشفاة رسم على مرآتها ....كلمتين تعلن بهما هزيمة قلبها وانكسار أعماقها ...أناملها الرقيقة كتبت ( الجمعة الاخيرة )... لتسعف بهما ما تبقى من كرامتها ....