الخيال الخصب للنائب الشابندر -عدنان سعد كامل
Mon, 29 Aug 2011 الساعة : 2:05

لسنا في معرض تقييم النائب عزة الشابندر عضو ائتلاف دولة القانون كشخصية بل كنائب وممثل لبعض الناخبين في البرلمان العراقي يجدر أن يكون همه التعبير عن صوت المواطنين. ففي حديثه على إحدى القنوات الفضائية العراقية طالعنا السيد الشابندر بحديث غريب عجيب يترك المشاهد في حيرة من أمره متسائلا: هل كان الشابندر يتحدث عن العراق أم عن دولة أخرى يا ترى؟
فعلى ضوء ما تحدث به نكون أمام ما يلي
أولا\ الفساد المستشري في كل الجسد المؤسساتي للحكومة العراقية هو كذبة ولا صحة لما يقوله المواطنون من جنوب البلاد إلى شمالها حول هذا الفساد الذي يعانون منه في كل دائرة ومؤسسة وهيئة و أينما كانت لهم معاملة وأوراق أو حاجة للتعامل مع جهة حكومية، أما الفساد على مستوى السرقات العليا و الاختلاسات و التلاعب و الهدر فهي الأخرى وليد خيال مريض للعراقيين الذين يختلقون شيئا و يصدقون بوجوده.
ثانيا\ إن الأمور جيدة جدا و تسير على خير ما يرام و قد تم تأسيس وبناء قواعد ثابتة وراسخة للدولة العراقية الجديدة أما الصراعات السياسية المستحكمة و التلكؤ في عمل المؤسسات وغياب الاستراتجيات و هشاشة كل شيء من الأمن إلى الاقتصاد إلى التنمية المتوقفة هو مجرد تصورات وخيالات علينا لفظها خارج رؤوسنا و الاقتناع بما قاله سيادة النائب!
ثالثا\ الأولوية ليس للماء والكهرباء والخدمات فلنكن منصفين، بل الأولوية لاستقرار علاقات الساسة والقوى السياسية، لأنه متى ما تمتع هؤلاء بهدوء البال والطمأنينة و تحسنت روابطهم السياسية الأخوية فإن الماء سوف ينبجس من صخور المشكلة و تتولد الكهرباء حتى من احتكاك الهواء مع أسلاك الضغط العالي في الصحراء. أما متى تتحسن علاقاتهم فالله أعلم.
رابعا\ ما يجري الآن أن هناك عجلة تنمية وبناء تدور في العراق ولكن تحت الأرض، ولهذا فمن الطبيعي أن المواطن العادي لا يراها و يحتاج في رؤيتها إلى كشف عرفاني وهذا ليس متاحا للجميع. فالكهرباء مثلا يجري العمل على إنشاء بنية تحتية و بما أنها تحتية فلا يمكن رؤيتها.
وإلى آخر هذه الادعاءات غير الصحيحة والتي يكذبها الواقع و يدرك المواطن العراقي أنه مجانبة للحقيقة من ألفها إلى يائها..
كيف نضع تصريحات السيد الشابندر؟ او بعبارة أدق كيف نفهمها يا ترى؟؟
هناك احتمالان لا ثالث لهما، الأول ينطلق من حسن نية مفرطة ويتمثل في أن النائب عزة الشابندر من ذوي النفوس المرحة و المتفائلة.. حد أنه تصور للعراق مستقبلا جيدا وجاء بها المستقبل و ركبه على صورة الحاضر الخربة. وبالطبع فإن هذا يمكن أن يجري في الخيال، لكن روح الدعابة والفكاهة للسيد النائب أبت إلا أن يطرحه عبر لقائه التلفزيوني ذاك.. و مستخفا باي اعتراض أو قول ينفي ذلك الخيال، لكن المشكلة في أن ملامح وجه السيد الشابندر لا تساعد على احتسابه من اهل النكات والمرح و بالتالي صعب علينا أن نفهم القصد.. أن نفهم القصد!!!!!
الاحتمال الآخر أن السيد النائب و ككثير من سياسيينا اليوم اعتادوا الكذب و تزوير الحقائق و استهوتهم هذه اللعبة إلى حدود الولع و الإدمان. فصار الكذب والصدق، الحقيقة والخيال شيئا واحدا في أذهانهم.. هذه ليست حالة افتراضية، في الحقيقة تواجهنا في حياتنا الاجتماعية العديد من هذه الحالات، حيث الأشخاص الذين يألفون الكذب و يألفهم فيصبح بمر الوقت بمنزلة الحقيقة، ففي اللحظة التي تنطلق الكذبة من أفواههم يظنون أنهم يرمون بالصدق و بالتالي يستميتون في الدفاع عن هذا الصدق المتخيل الذي لا واقع و لا حقيقة له. بقي احتمال جزئي آخر، اعني أنه جزء مما سبق و هو أن الكذب وسيلة شرّعوها لأنفسهم كإحدى الوسائل الدفاعية المهمة في الحرب السياسية مع الخصوم.و نحن ولله الحمد نملك إرثا عريقا في هذا الجانب من دكتاتورية الطاغية المقبور..
قبل أيام جاءني أحد الأصدقاء مذهولا حين قال له ولده وهو مراهق أنه شاهد خطبة على اليوتيوب لصدام حسين و عبر عن أن صدام مظلوم فقد كان يتحدث بلهجة صادقة عن عدائه لأمريكا وإسرائيل و بريطانيا أعداء الإسلام و الأمة العربية.. الولد كان طفلا في 2003 و لم ير من صدام خيرا ولا شرا بصورة شخصية. كان يسمع باسم هذا الدكتاتور في الفضائيات و الشارع و غيرها.. وهو معذور حين يستمع لخطاب تدجيل و كذب لصدام حسين، ذلك أن الطواغيت على مر التاريخ كانوا مقنعين بحديثهم وخطبهم من يسمع ولا يرى أفعالهم، بسبب واحد فقط، أنهم يكذبون على أنفسهم و يمتلكون درجة عالية من تصديق أكاذيبهم. من يسمع خطاب لصدام حسين ويتناسى كل ما علق في ذاكرته عن هذا الشخص يرجح أنه سوف يشعر بقدر من المصداقية لأن صدام متماهٍ في أكاذيبه وهي تنطلق كحقائق ثابتة قوية على لسانه.. كالشخص الذي يصف مشهدا واثقا من أنه رآه بأم عينيه ولا سبيل لتكذيبه.
قلت لصاحبي أشرح لابنك تاريخ حكم صدام، دعمه يبحث عن جرائمه و لينظر هل حارب بالصواريخ إسرائيل وأمريكا و بريطانيا أم البصرة والناصرية والعمارة؟ وهل استخدم أسلحته الكيماوية ضد تل أبيب و واشنطن ولندن أنم صبها على رؤوس أهالي حلبجة و الاهوار؟
للأسف يبدو أن السياسة فُهِمت عند ساستنا على أنها فن الكذب، أكذب على نفسك والآخرين و لتصدق و ليصدقوا ...!!