الجهاد في الإسلام بين مطرقة التكفير وسندان التطرّف/الدكتور يحيى عبد الحسن الدوخي
Fri, 11 Jul 2014 الساعة : 1:57

لا أغالي إذا قلت إنّ فكر التطّرف التكفيري والغلو ناشئ من عدم الفهم المنطقي والموضوعي لمفهوم الجهاد . فما هو المراد من الجهاد؟ هل هو الجهاد الابتدائي أو الدفاعي ؟ وهل كل جهاد تنطبق عليه معايير الشريعة الإسلامية ؟ أم أن هناك ضوابطَ وقواعدَ تؤصل لهذا المفهوم . فليس بالضرورة ان يكون الجهاد هو الوسيلة لدفع المفسدة بل قد يكون الجهاد - الذي فَسّره من لايفقه الدين - هو الفساد في الارض ونوع تكريس للتطرف والعنف بغير وجه حق. لذا نجد العلامة السبحاني يؤشر لهذه الحقيقة بقوله : " قد يتوهّم الجاهل بمعالم الدين الإسلامي وأحكامه انّ الهدف من الجهاد إنّما هو فرض العقيدة الإسلامية على الناس فرضاً. ولكن هذا ظنّ واضح البطلان معلوم الضعف لمن له معرفة بطبيعة الدعوة الإسلامية" مفاهيم القرآن ج7 ص 506.
کيف لا والإسلام رحب سمح والاختلاف الفکري مساحاته وفضاؤه واسع ، قال تعالى (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) الاختلاف الأيديولوجي أمر غريزي لايمكن ازالته من عقول الناس؛ لأنه راسخ بفطرتهم ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ) . اذن الإكراه بمنطق الجهاد غير مقبول اطلاقا .والله جل وعلا يخاطب رسوله صلى الله عليه وآله بقوله ( أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) .
اذن لابد على من يُنظّر للجهاد ان يدرس هذا المفهوم بوعي واحتياط تامين، وان لايبتعد عن الاُسس العلمية التي يمكن ان تكون المنهج والدليل الذي يمكن اعتماده في هكذا موارد. لا أن يُصنّف الناس - كما نرى اليوم - بفتاوى ذوقية فوضوية تكفيرية ؛ فهذا شيعي رافضي يجب مجاهدته وقتله، وذاك مسيحي يجب اهدار دمه، وهذا صابئي لابد من انزال حكم الله به . وهكذا بالنسبة للطوائف الأخرى ..وبالتالي نجد القتل والدم تفوح رائحته عند هذا الفكر الذي لايمت إلى الاسلام بصلة.
نقول لهؤلاء: كلا وألف كلا؛ فوسطية ديننا الإسلامي تنهى عن فرض العقائد على الناس؛ لأنه تعالى خلقهم أحرارا، وأعطى للعقل الخيار في اعتناق مايؤمن به الأنسان - أي انسان كان - من أفكار وعقائد على ضوء ما أوصله الدليل إليه .