الضرائب في العراق القديم/أباذر الزيدي
Mon, 7 Jul 2014 الساعة : 2:04

باحث في الدراسات السومرية
كربلاء المقدسة
ان النظام الضريبي كان من الادوات التي استخدمها الملوك والامراء الكبار الموظفين للضغط على كاهل الافراد الامر الذي جعله سبباً في تغيير بعض انظمة الحكم من خلال مساعدة الناس للامراء الثائرين ضد هذا التعسف والظلم . وتمثل حالة وصول الملك (اوروانمكينا) حاكم دويلة لكش الى الحكم مثالاً واضحاً يشير الى مسألة استغلال الضرائب لتكوين اقطاعيات فردية واسعة .
ومع ظهور السلطة المركزية في بلاد الرافدين لا سيما في عصر حمورابي نرى ان النظام الضريبي قد اصبح مقنناً وفقاً لشروط خاصة به ، ودخلت الضريبة في كل مجالات الحياة الا انها كانت تتناسب مع طاقة الفرد الاقتصادية بل ان الضرائب في بعض الاحيان كانت تؤخذ لاجل اعانة الفئات الفقيرة ، اذ ان الضرائب كانت تعد مصدراً الكثير من الفئات . حيث نرى ان العاملين في بناء المعابد كانت اجورهم تدفع لهم من خلال النظام الضريبي المستحق على التجارة واصحاب الفائض الاقتصادي ومع ذلك فقد بقي النظام الضريبي اقل بكثير من التطور الاقتصادي المستمر في بلاد سومر وبابل بعبارة اخرى انه كان ملائماً جداً للحياة الاجتماعية والاقتصادية في تاريخ العراق القديم وعرف العراقيون القدماء جباية الضرائب كوسيلة لتمويل النفقات العامة للسلطة المركزية الحاكمة، وكان هذا النظام معروفاً منذ العصر السومري القديم، إذ ورد ذكره في نصوص مدينة لكش كما وردت صيغة أخرى للضريبة وهي "گونا guÛ-na " من المصدر الاكدي (gunm)، بمعنى "مستودع" ، وضريبة الـ ( بالا )" bal-a" فتعني "تعويض أو غرامة" وهي نوع من الضرائب وتعرف "بالضرائب الحكومية" وهي على أنواع منها ضريبة التسليم وتفرض على المقاطعات التابعة للدولة آنذاك وحسب إنتاجها وموردها الاقتصادية من حيوانات وموارد زراعية وضريبة تعرف باسم "ضريبة رأس المال" (bala-lands) وتفرض على رأس المال حسب الطلب والاحتياج بالنسبة للمقاطعات من السلع والمواد الغذائية والحيوانات والمنتجات الزراعية الخاصة بالمعبد وضريبة تعرف باسم "ضريبة الإنتاج (bala-Liestungen) والتي تؤخذ على المنتجات الزراعية والحيوانات وقد عرفت هذه الضريبة على وجه الخصوص في مدينة دريهم (بوزرش داگان) و ضريبة العشر وهي الضريبة التي كان يدفعها التجار إلى معبد الإله ننار وزوجته ننگال في أور كان جباة الضرائب يسلمون تلك الضرائب التي جمعت إلى المعبد الرئيس في المدينة، كان هذا الأمر يحدث في مطلع العصر البابلي القديم، أما فيما بعد فقد أصبح المعبد مؤسسة دينية اقتصادية تابعة للقصر كانت مسؤوليات جابي الضرائب متعددة بتعدد المواد التجارية التي كانت تفرض عليها الضرائب، وكذلك بتعدد الضرائب نفسها. وكانت تلك الضرائب تدفع أحياناً بالفضة، وأحياناً أخرى تدفع كمواد عينية غالباً ما تكون جزءاً من السلع أو البضائع المتاجر بها.
أما مكان جمع الضرائب فكان يطلق عليه bit kārim ، وهو عبارة عن مبنى حكومي أو دائرة حكومية صغيرة تقع بالقرب من الميناء التجاري أو المحطة التجارية البرية، وهو يمثل سلطة الدولة في فرض الضرائب والرسوم على السلع التجارية، وكانت الموانئ التجارية من ضمن الأماكن المهمة التي كان يتواجد فيها موظفو الضرائب ( جباة الضرائب)، إذ كانت تفرض ضرائب معينة على السفن المحملة بالمواد التجارية، وكان على جابي الضرائب أن يسجل نوع المادة التي تحملها تلك السفن وكميتها، ثم جباية الضريبة المقررة عليها. تختلف نسبة الضرائب التي تجبى عن السفن التجارية نوعاً ما عن المواد المتاجر بها براً وكان جباة الضرائب يتواجدون عند بوابات المراكز التجارية على طرق النقل البرية، حيث تمر من خلال تلك المراكز مختلف السلع والبضائع، أما أنواع الضرائب فكان هناك الضريبة على الماعز التي شاعت في العصر الاكدي حيث كان للفلاح المستأجر الحق في رعي حيواناته في الحقل المستأجر فضلا عن زراعة الحقل ، وفي حالة زيادة عدد قطيع الفلاح فعليه دفع الفضة عن الماعز المولود خلال تلك السنة ، وهذا المبلغ المدفوع عن الماعز المولود يكون مرتبطا بالايجار وضريبة الاعياد والمناسبات حيث عرف تقديم القرابين من الاسماك في الاحتفالات الدينية ضمن ما يسمى بضريبة الاعياد والمناسبات ha-ila2(-kam) خَـ - اِلـَ2 - كَم، وهناك ايام معينة من الاشهر تتخذ لأكل السمك ، منها اليوم الثالث من شهر نيسان nisănu واليوم الثامن من شهر ايارُ ayaru واليوم الثالث من شهر تشرتُ tasritu تشرين وفرض ضريبة من الاسماك التي عرفت mas-da-ria مَشـ - دَ – ريَ ،وكانت الأسماك تسوق في سلال منها الكبيرة المعروفة بـ gurdug-tab-ba كُردُكـ – تَبـ – بَ والتي تحمل اكثر من 300 سيلا من الاسماك وسلال صغيرة يطلق عليها Tur تور، وقد خصصت حجرات في المعابد لغرض التخزين وضريبة قضاء الدين حيث أنه عند عدم دفع الاجور والمستحقات المترتبة على الصيادين من خلال ضريبة mas-da-ria مَشـ - دَ – ريَ ، تفرض عليهم ضريبة قضاء الدين lal-a-ha-ban sura-ka-kam لَلـ - اَ – خـَ – بَن شُرَ - كَ – كَم وأما ضريبة العشر (ZAG=10) وبالاكدية (esrētum) وبحسب المصادر المسمارية فأنها تعود الى عهد الملك شو لكي وما بعدهُ من الملوك , ان هذهِ الضريبة يدفعها التاجر او المستثمر لاملاك واموال المعبد او الاموال الحكومية بنسبة 10% من ارباحهُ وقد تنوعت المواد المدفوعة ويأتي الشعير بالدرجة الاولى ثم السمسم والتمر والمعادن كما ان بعض صيادي السمك دفعوا 10% من صيدهم ويعرف جابي العشر بأسم " شامخو أشري " (samuhhi esru) .
لقد دخلت ضمن واردات المعبد عدة امور منها ضريبة العشر التي كان يحصل عليها المعبد من انتاج التمور وصيد الاسماك، وايضا رسوم الماشية، وايرادات القرابين التقليدية التي يقدمها الفلاحون في اعياد معينة من السنة، يضاف اليها رسوم الموتى والدفن التى كانت تجبى من المواطنين الاغنياء وأما ضريبة جز الصوف ومن اصلاحات اوروانمكينا ايضا اصدار العفو عن المسجونين بسبب دين او تخلف في دفع ضريبة، كما ألغى ضريبة جز الصوف التي كانت حوالي خمس شيقل وأما ضريبة (نسخاتم Nishatum) فقد ورد في قانون اشنونا مصطلح (نسخاتم Nishatum) والتي قصد به ضريبة المواد الغذائية والتي خصصت منها نوع اخر وهي ضريبة القصر وأما ضريبة صاحبة الحانة وكانت هناك ضريبة محددة تفرض على صاحبة الحانة أيضاً، كما توضح ذلك بعض المراسيم الملكية، لاسيما مرسوم الملك امي – صدوقا .