حياة فائضة , تتكرّر كلّ ثلاثين يوما /سعدي عباس العبد
Sat, 21 Jun 2014 الساعة : 20:23

• ....هذا انا .. ولكن اين هي الحياة , انا هنا , والحياة هناك ... ها انا ذا , وحدي احيا
• بلا حياتي .. حياتي الحميمة التي تعود ليّ وحدي , وحدي تماما ,
• حانات بغداد , هي على نحو ما , حياتي ... المقاهي هي ايامي التي عشتها بكل عنفوان النسور
• ايامي المشمسة في الغابات , .. اقصد حانة الغابات .. تأكلت شيئا فشيئا , .. تلك الحانات المهدّمة
• هي انا .. سنواتي الماضية التي كنت اعدّها على اصابع الحياة , سنة فسنة , حتى اكتملت دورتها
• وغدت مقاه وحانات وحدائق .... الاشياء الحميمة جدا : امّي , صديقتي ن , مبنى جريدة ط ,
• مسرح ش , مقهى ل , شارع الهوى , حديقة النساء , حانة الروابي , كلّها غدت محض انقاض
• انقاض ذكريات , غدت علامات تشير إلى انّ الحياة كانت هناك .. سريعة مرّت هي الحياة , اقصد
• حياتي التي لم تعّمر طويلا , .. حياتي التي مرّت على سواحلها , حروب وعاهات وانتكاسات
• وخسارات .. حياتي التي هي على نحو ما , وطن ونساء , وعطر , وقمصان مقلّمة , وحانات
• وصباحات ندى وفراشات وضفائر مراهقات حالمات , في مقتبل الرومانسية والهوى , وعاشقات
• صباحات تتسلل عبر نوافذ النساء ونوافذ فيروز ومشاكسة الاطفال وشيطنة المراهقين ..لم يبق من
• كلّ تلك الاشياء , وسواها , غير غبار انقاض , .. غير ملامح جندي تلوح من بعيد , غائمة , جندي
• كان عمره سبعة ايام , عمر يتكرّر كلّ ثلاثين يوما , في دورة مغلقة حول الحرب والبراري , دورة
• حافلة بالدخان والسكر والتبغ والتسكع . , دورة امدها ساعات شاقة من القصف والجراح والشظايا
• ولوعات الروح والعظام ونبض الذكريات .. دورة تبتدأ من صباحات القنابل .. قبل انّ تستيقظ
• الجراح , .. قبل انّ تتصاعد اصوات البنادق راكضة تباري الريح .. وتنتهي قبل انّ ترسو التوابيت
• عند مرافىء الامهات ..قبل انّ تحل الشمس ضفائرها , نكون نحن الجنود قد ركبنا الموجة ,
• مبحرين فوق الغيم والنسيان .. فيما الحياة هناك , تمشط ايام الامهات , باصابع من اللاعودة
• باصابع من اللاجدوى .. هي الحياة ذاتها , تعود بكامل ملامحها ودورتها السالفة , دورتها التي
• عرضها السماء والخيبة , تعود مخبئة في صناديق العتاد , صناديق الغزاة , تعود مع بريد الجنرال
• الاميركي , تعود مشرورة على حبل غسيل الذكريات ..هي الحياة ذاتها تنشر غسيلها على حبل
• سطوح الحكومة .. الحكومة التي احالت حياتي إلى ركض مستمر , اركض والعشاء خبّاز .. ,
• كنت فيما مضى , قبل ايقاد حطب الحرب في منقلة الجثث , اجمع رسائل الغرام التي كنت كتبتها
• قبل الحرب , مرفقة بصور الحبيبة الوحيدة , واودعها في بريد المحلّة , ..كنت اكتب اكثر من
• رسالة في الساعة , وعليك انّ تتخيّل كم هو عدد الرسائل في اليوم .. اكتب ملهوفا شغوفا , كما
• لو اني اؤدي واجبا مقدسا , او كما لو إني امثل دور البطولة في فيلم غرام .. فيلم لا ناقة ليّ فيه
• ولا جمل .. تلك حياة غرامية , عشتها فصلا فصلا او بمعنى اكثر غراما , تذوقتها قبّلة قبّلة .. كما
• يحدث في المسلسلات التركية المدبلجة .. ولكن ماجدوى كلّ تلك الحياة التي ضاعت او مرّت او قصفها البرابرة او تبدّلت .. عبثا احاول انّ اهيل على روحها رذاذ الحياة , مثقل بالموت هو الماضي
• .. الماضي جثث الوقت , وغرقى النهر , هل يعود الموتى من صمتهم , الموت منفى في بلاد
• النسيان ..كلّ الذين كانوا سببا مباشرا في خراب حياتي , سيغادرون مسرح الحياة , مهما طال
• الزمن .. ولن يتذكّرهم احد ..سيطفون كطحالب يابسة على سطح بركة النسيان .. واذا ما منحني
• الرب سنوات , سنوات فائضة لديه.. اتقوت بها .. واذا ما قرّر الرب او اغوته رغبة ما , في انّ
• يميتهم مبكّرا , ساكون شاهدا ثملا على جنائزهم , وربما ساضحك كثيراذا ما تذكّرت كيف كانوا
• يلاحقون السكارى بذريعة النهي عن المنكر .. وربما اذا ما تعتني السكر سأخسف بهم القبور
• هذا اذا ما منحني الرب , الفائض لديه من السنوات .. فهو لديةالعديد منها .. ماذا يفعل بها
• قطعا لا تؤثر على استمراريته , فهي في نهاية الامر , سنوات فائضة , ليس الا ..
• سنوات لم تغيير من حقيقة كونه الرب الابدي .. ولكني اشك انّ يرفق بي .. فانا , في حساباتي
• وليس حساباته , رجل سكير , او محض نملة بشرية او على هيئة بشر .. لم تشكل خطرا على
• ديمومة الاشياء ..