نص الاسكافي : نبذة عن حياة الاحذية/سعدي عباس العبد
Fri, 20 Jun 2014 الساعة : 1:24

• .. تعبر الحذاء , فناء الدار . تمشي فوق الشارع المعبّد بالحفر , .. تمرُ الحذاء
• على دكان الاسكافي منهكة الجلد , غزيرة الثقوب .. متلفعة بمعطف من الوحل المجفّف
• .. تقف متسربلة بالغبار والفتوق .. فيما كان الاسكافي , ينظر بقدمين حافيتين ..
• حافيتين جدا ..يحدّق بالوجه الحافي الذي يرتديه الزبون , الزبون الذي يمتهن الكديه
• او ملاحقة الفلس في جيوب العابرين .. كان الزبون ساحق الاحذية , جنديا في فصيل ابي
• الركاع , الفصيل الملحق في لواء الزعيم عبد الكريم قاسم , .. لم ار في دكان ابي في
• ذلك الضحى .. الضحى الذي تعطّلت فيه عن الذهاب للمدرسة , غير غابة من الاحذية
• تلتحم , او تمشي بكامل عاهاتها على جانبيّ اصابع ابي , تمشي بجلودها المشققة على
• سندان الركاع , احذية رثة , كانت تمشي رشيقة انيقة , فيما مضى , قبل انّ يخرّبها
• المشي , المشي بلا معنى , المشي الذي ترك حلوق الاحذية مفتوحة على اتساع الشوارع
• مفتوحة على درجات السلالم , مفتوحة على اروقة البنايات الحكومية .. على باحات البيوتات
• .. دائما الاحذية كانت ضحايا المشي وهي تصعد الحافلات وهي ترتقي السلالم مسرعة
• وهي تركض , وهي تركل مؤخرات مشاكسين , او فقراء , او عاهرات , او ايّ شيء من هذا
• القبيل .. وعلى الدوام تتحلّق الاحذية حول سندان الركاع , وعلى الدوام اسمع بكاء الاحذية
• تحت ضربات المطرقة .. ورغم ذلك , كانت لاتمسك عن النمو .. كانت تنمو مثل غابة جرداء
• ... حشود وارهاط من الاحذية , بالوان مختلفة , وبعاهات متباينة , احذية باطوال واحجام
• متفاوتة , بارقام مختلفة , رقم لا يشبه رقم , ولون لايشبه لون , .. امبراطورية من القنادر
• العتيقة , تملآ دكان أبي الركاع , . امبراطورية من امهات القنادر , قنادر لا زالت رغم الفتوق
• والعاهات , تحتفظ بآثار اناقة غاربة ..قنادر تقتعد الرفوف , رفوف الدكان منكمشة الجلود
• وبعضها يطلق انينا فاترا .. انين مخلّفات المشي .. انين يتسرب من بين اصابع الركاع
• انين يتدفق من انكماش الجلود , وعنف المسامير السادية ...
• الاحذية ذات الجلود السود , في حداد مزمن . تنعي الشوارع التي هرّبت المشي إلى
• الفتوق , سواد القنادر , احتفاء , بالجنائز .. جنائز الاحذية المشاءة, .. عاهات الاحذية
• مصدر رزق ابي ..الاحذية لا يشغلها سوى القدم . في دورة الحياة القصيرة .. كم هو
• قصير عمر الحذاء , اقصر من شارع السعدون مشيا ذهابا وايابا .....احذية الفقراء لا تعمّر
• شاحبة , عمرها شحيح , يناهز 2 كم في الشوارع الوعرة .................
• .. الركاع يعوّل في الرزق على قنادر الفقراء .. الرزق قفل صدىء , مفتاحه عالق في القنادر . او
• .. باب الرزق , بابا من الاحذية , ........ لو يكن ابي ركاعا لفتوق الاحذية , لكان شيئا اخر بالتأكيد
• .. ربما حلاقا .. او بستاني , كلا المهنتين , تتطلبان .. تمشيط اللحى .. لحى الاشجار والانسان
• .. بيد انه , على نحو ما , سيبقى اسكافي بساتين , يشذب عاهات الاغصان , او يرمّم نهايات الجذوع
• بالمقص يشذب لحى الاشجار , وبالاشجار يشذب لحى الفقر ..
• على كلّ حال , لاتجدي الامنياتي .. فهو الان محض ركاع سكير , عبثا تذهب الامنيات والاحلام
• .. الاحلام لها تأثير ومفعول العرق , لا تستغرق معها السعادة , او لاتستقيم طويلا , او لا تقيم إلاّ
• لوقت معلوم ومؤقت وشحيح , سعادات السكر , طمأنينة قلقة , واكاذيب شبيه بالحبّ من طرف
• واحد .. مثلما الحبّ العابر شبيه , بنشوة العرق , النشوة ذات الأخطاء المتلاحقة , التي تكون
• باستمرار على عجلة من امرها , نشوة العرق , لا يعتد بها ولا يعوّل عليها , نشوة تحترف الخدعة
• تحيلك في لحظة , إلى اسعد رجل في العالم , تصنع منك وزيرا للمالية في حكومة فاسدة , لا يعوّل
• عليها .. حكومة اقرب ما تكون إلى حانة , يديرها رئيس وزراء سكير .. مهنته ترميم احلام الشعب
• او الفقراء , بمزيد من جرعات العرق , ....... والندل وزراء عاطلون او سكارى على طول القمع
• والسلب والنهب .. يعني كما ابي الركاع , الشبيه بالوزير , مع فارق لا يعتد به في حسابات الاحلام
• فالوزير على نحو ما , ركاع , ركاع بنوك وسبائك ذهب , مطرقته , النصب والاحتيال والحيّل
• والاكاذيب .. فالوزير , في ذروة ثمالته , وزير في بريق الذهب . او يتلاشى ضميريا في
• قبضة المال والسلطة ,,