محاولة في التأمل _ : شحيحة هي المدن التي لم يطالها الخراب/سعدي عباس العبد
Sun, 8 Jun 2014 الساعة : 0:36

• ......... مدن تتآكل على مهل .. ومدن تشيخ على عجل .. تطبق اصابع الشيخوخة
• على بيوتاتها فتحيلها إلى محض ذكرى باهتة .. ذكرى بقايا مدن ...ومدن تولد من
• رحم الاحتلال .. تولد مشوّهة , تتساقط من احشاء الفوضى , تحبو باطراف تدرج
• في طريق القحط والدمامة والخمول ... مدن معاقة لاتستقيم , رثة , مترامية الاطراف
• والاحلام العقيمة .. مدن فقيرة بالولادة ........ ترزح على ضفاف الاحتلال . مدن تتكاثر
• باستمرار , عبر نزوح يزداد باستمرار .. مدن علاماتها الفارقة تشوّهات في الاطراف
• اطراف العاصمة بغداد ... وفي الخاصرة , خاصرة العاصمة , .. مدن انتجها الفقر المزمن
• والفوضى والاحتلال والطغاة والفروق الطبقية , وغياب العدالة الاجتماعية , والتخطيط
• العمراني وسيادة شريعة البقاء للاقوى .. البقاء للطواغيت والجبابرة , والمشوّهين فكرا
• وبدنا وسلوكا وتاريخا ونسبا ... مدن جائعة تنام على وسادة من الوجع والخواء .. والقمامة
• والفزع , .. مدن تشوى وتتقلى في افران نهارات القيظ صيفا .. وتنكمش ملتمة على عظامها
• الهزيلة , ملتمة على نحولها وواوجاعها واصطكاكها وارتعاشاتها وغرقها عند حلول ليالي
• الشتاءات المسرفة في الامطار والبرد والطين .., تلك المدن العشوائية ... مدن لقيطة غير
• شرعية .. ولدت في مخاض من القصف والاحتراب الاهلي .. مدن دشّنها النزوح , والتهجير
• على الهوية والعرق واللون والتمييز المناطقي والطبقي والقبائلي والكراهية ...
• مدن تقتات على احلامها المؤجلة .. احلامها في نهارات وشموس من الرخاء والرفاهية
• .. مدن حالمة في سباحة حرة من الخيال , ... مدن خواصرها متشكّلة من برك آسنة
• برك تغطيها طوال مواسم رحلة الجوع والعطش , مسطحات مائية جضراء راكدة , مسطّحات
• طحلبية من الهوام , والأوبئة ..مدن سيماؤها , الشيخوخة المبكّرة , والتجاعيد المطبوعة
• على سحنتها الشاحبة , وعلى روحها المنهكة ,.... مدن لقيطة نتاج تلاقح غير شرعي , بين
• الاحتلال الاميركي وعاهرات الاحتلال ..العاهرات المستترات بقناع الكهنوت المدرّبات المدّجنات
• المروّضات في طولات واسطبلات البنتاغون , وزرائب ولاية الفقية .. الفقية الذي لا يفقه ...
• وهناك عند الضفة الاخرى من المعادلة العويصة , .. هناك حيث اضمحلت مدن عريقة ,, تأكلت
• وخمدت الروح في فضاءاتها , وباتت محض بقايا بيوتات يعيث فيها الخراب , والخواء , احالها
• النزوح والتهجير والاميركان والميلشيات والحكومة العميلة .. إلى بقايا من اطلال شاحبة , اطلال
• تجمد الزمن على على جدرانها , وترك آثاره مطبوعة على ملامحها , آثار تلوح للناظر من بعيد
• كأنها لم تكن بالامس القريب , مدن يافعة فارعة الطول والفضاء والامتداد , باذخة السحر , رشيقة
• نضرة , يسيل الجمال من تصميمها الهندسي .. ينضح السحر من تركيبتها وصورتها وشكلها
• المعماري , المرسوم باصابع من الدهشة .. تلك المدن باتت الآن في عداد الذكريات الحزينة ..
• لم يبق منها سوى أثار شاحبة , تشير إلى ذلك الزمن الباذخ , إلى تلك الذكريات , التي طمرها
• القصف , تشير إلى تلك البيوتات , التي كانت ذات يوم بيوتات , ترفل بالجمال والطمأنينة وتنعم
• بالسلام والأمان والوئام والجمال ,
• لم يبق في ذاكرة المدن العراقية . غير الخراب , ذاكرة لازالت تتناسل الخرابات في فضاءها ..
• لا زال ينمو الحطام قاسيا مهوّلا في جدرانها , مدن لازالت ذاكرتها تكتظ باصداء دوّي القذائف
• والعربات المشحونة بالديناميت ... والاحزمة المفخخة الناسفة للارواح والحياة والجدران
• والعبوات .. واصوات بنادق المليشيات والعصابات المأجورة المنفلتة , الخارجة عن مدار القانون
• والحياة والضمير والوجود والجمال .. شحيحة هي المدن التي لم يطالها الخراب .. ابرزها هي
• المدينة الخضراء او ما تسمى بالمنطقة الخضراء , او هكذا يطلق عليها .. وهي مدينة نهضت على
• انقاض مدينة عريقة في اصولها او جذورها البغدادية .. كانت قبل انّ يقطنها رجالات حكومة
• الاحتلال وقبل ان يستوطنها الديكتاتور السابق ..مزارع وحقول تحيطها بيوتات في سياج من
• القرى او المدن الصغيرة , في طورها الاوّل من النشؤ
• تلك المدينة التي يطلق عليها المنطقة الخظراء , باتت الآن مرتعا خصبا للمتنفذين ممن يديرون
• خراب العراق , يقطنها غالبية افراد طاقم الحكومة ,
• مدينة استحدثت في زمن الاحتلال , لاتملك ذاكرة المدن الشعبية .. مدينة عائمة بلا جذور تشدّها
• إلى تراث المدن وفلكلورها .. مدينة مغتربة , مقصية عن تقاليد وقيم ومرويات تاريخ بقية المدن
• العراقية .. مدينة دخيلة ويقطنها اناس دخلاء .. ليس لها رائحة او لون ينبض بالروح الشعبية
• كما قريناتها المدن العريقة التي تضرب جذورها في التاريخ عميقا ..


