كتابة في محور نشاط مدني/4 -حميد طارش الساعدي
Tue, 23 Aug 2011 الساعة : 3:33

ربما،كانت قضية الدعم المالي للمنظمات غير الحكومية من اكثر المواضيع التي اثارت جدلا وحساسية واختلافا بين المتحاورين ، بين رافض ومؤيد ومتحسس ، نعم ، بقدر اهمية المال لصنع أي عمل ، بل لايمكن القيام باي عمل ، ومهما كان نوعه وحجمه ، بدون توفير المال اللازم لتنفيذه ، توجد مخاوف ، بل تثار مشاكل كبيرة بسبب التعامل مع المال ، وعلى كافة المستويات وفي مختلف القطاعات الرسمية والخاصة والمدنية ، وها نحن تطلَع علينا التقارير يوميا ، وسواء كانت تقارير رسمية وتصريحات مسؤوليين تنفيذيين وبرلمانيين او تقارير صحفية وتقارير المراصد المختلفة ، عن حجم الفساد المالي المخيف ، بل واحيانا المشرعن ، واخر المشرعن وليس الاخير ، ما تم التصريح به عن استحقاق من يشملهم الترشيق الوزاري بالراتب التقاعدي البالغ 80/0،بعد خدمة ايام معدودة، واذا كان اكبر الاهداف لعملية الترشيق هو ترشيد استخدام المال العام المصروف في الامتيازات الممنوحة للمسؤولين ،فالمصيبة اكبر، ورغم اصوات الخبراء الماليين العالية بضرورة وقف نزف الامتيازات التي ستقضي على الميزانية العامة وخاصة الامتيازات التقاعدية التي ستحتاج في المستقبل القريب الى ميزانية ثانية لتغطيتها ، لكن التجاهل قائم لسبب بسيط ، مفاده ، اصحاب القرار مشمولين بنفس الامتياز!
وحتى القطاع الخاص ، لم يكن بمنأى عن التلوث بالفساد المالي ، وكانت مؤسسات منه محل اتفاق لعمليات فساد كبرى ، بل وصل الامر ، على المستوى الدولي ، الى مؤسسات اعلامية ضخمة وعريقة ، مؤسسة مردوخ البريطانية التي تورطت بعمليات تجسس انتهكت فيها اهدافها المفترضة قبل حريات الاخرين مقابل المال ، هكذا هو اذن المال ، ذات الطبيعة المتناقضة ، به انتصرت الاديان وسادت قيم السماء ، وبه عمَرت الارض وعم الرخاء ، وازدهرت العلوم وانتشرت التقنيات ، ومنه زكمت الانوف بروائح الجرائم المخلة بالشرف وتراجع الاخلاق ومنافاة الفطرة السليمة والسلوك السَوي .
اذن كانت موضوعة المال مستحقة لان تكون اكثر المواضيع نقاشا بين المتحاورين ، بل واختلافا بينهم ، ليس لما ذكر انفا فحسب، وانما لصورة اخرى تكمن في مدى امكانية التمتع بالاستقلالية عن الجهات المانحة للمال ، وخاصة الحكومة ، لذلك سار البحث عن ايجاد اليات رصينة للجمع بين الحاجة المشروعة للمال واستخدامه الامثل وبما لايخدش استقلالية الجمعية ، فولدت بالالكثرية التوصية في الدعوة الى تاسيس صندوق وطني لدعم المنظمات غير الحكومية في مشاريع التنمية المجتمعية ، أي بمعنى ، ان يؤسس صندوق يمَول من قبل الدولة براس مال معين ضمن الموازنة السنوية للدولة يغطي نفقات المنظمات غير الحكومية على اساس مشاريع التنمية المجتمعية المقدمة من قبل المنظمات والتي يجب ان تكون هناك حاجة مجتمعية حقيقية لها وان تنفذ من قبل جمعية تمتلك المؤهلات والخبرات لانجازها وان يكون المال منضبط وفقا لتكاليف المشروع ، على ان تراقب العملية برمتها من قبل لجنة مشتركة ، وتجدر الاشارة هنا ، فيما لو رات هذه التوصية النور ، ان يصدر قانون خاص ينظم عملية تاسيس الصندوق من حيث موارده المالية واليات الصرف وكيفية تشكيل ادارة الصندوق وعملية الرقابة على المال المصروف في تنفيذ المشاريع.
واتماما للموضوع ، فان ما حدث من عمليات فساد مالي لدى بعض المنظمات غير الحكومية ،ليس مبررا او مقبولا او لايشكل جريمة مخلة بالشرف ، لكنه يدخل ضمن اطار الفساد الذي عم البلاد وباشكال مختلفة وعلى كافة المستويات ، أي نحن في عراق اليوم امام ظاهرة مجتمعية كبيرة اسمها الفساد المالي ، بدات تتكون مع ظهور دولة القمع ، ثم اتسعت في ظروف الحصار ، وخرجت عن السيطرة في دولة المحاصصة .
(*)باحث قانوني وناشط حقوقي
Email:[email protected]