أنطباعات على فتوى عبد الملك السعدي/ حسين الشويلي

Tue, 13 May 2014 الساعة : 0:48

تقول الحكمة ( الأمة أذا ماتت فكرياً خُلق فيها الأستبداد )

الأستبداد معنى منبسط على التأريخ الأسلامي . ولا تكاد تخلو مرحلةٌ تأريخيةٌ من أبعاده السلبية . وفي حاضرنا قد بلغ هذا الأستبداد ذروته بفضل التقنية في الأتصالات من شبكات للأتصال الأجتماعي وفضائيات ووسائل أتصال حديثة , ساهمت هذه التقنية من أخراج الأستبداد ( الديني ) من نصوصه الفقهية المتراكمة في بطون الكتب الى براح الواقع ليكون ثقافة مجتمع .

بيد انّ أنكفاء فقهاء السياسة وجمع المال الى تحديث مناهجهم وتنويعها بما يتناسب ومتطلبات المرحلة , ساهم بطريقة,, مباشرة,, في صنع جيوشاً تبحث عن الموت في سبيل أحياء الخلافة ( الدينية ) .
وهي واقعاً أنما نوع من الأستبداد السياسي بلبوس دينية . و ليس بمعاونة أيديولوجيات على قطيعة مع الدين لكنها في سلم معه كما في العلمانية واليسارية , بل أيديولوجيات متخاصمة مع الدين وتعمل على أستفراغه من مفهومه الحضاري الأنساني .
ومن خلال هذا التزاوج بين السلطة السياسية المستبدة وبين المؤسسة الفقهية , مستغلين بذالك النزعة الشعوبية العربية في تقديس النص الفقهي , والهيئة الدينية دون دراسة واعية للنص الفقهي وللشخص المتفقه . ومن دون عناء البحث او التفكير في جدارته العلمية الدينية للتصدي لأطلاق الفتاوى الدينية , وهذا التجاوب مع الفتوى ( الدينية ) ترجم واقعياً الى أعمال قتل وتخريب للدول والتي عادةً تأتي تلك الفتاوى من خارج حدود تلك البلدان .

ومصداقنا الأكثر واقعية الفتوى التي أطلقها عبد الملك السعدي من عمان بقتال الجيش العراقي الذي جاء ليحامي عن أعراض ودماء السنة في الرمادي وبطلب من أهل السنة الغير ملوثين بلوثة التدين الوهابي .

قد جاءت الفتوى التي تدعم الأرهابيين وتضفي عليهم شرعية وأي خروج عليهم هو بمثابة تمرد معلن على النصوص الدينية والشرعية الألهية ! والتي بطريقة,, ما جعل من - داعش - ظل الله في الأرض ! وما يزيد في فضاعة تلك الفتاوى أنها أنطلقت لتكرز الظلم الذي لحق باهل السنة من قبل عصابات التدين الداعشي والقاعدي , ويحمل وصفاً بأنه مفتي أهل السنة !!
فتركوا هؤلاء هواة الفتاوى الفقهية جماهيرهم تأن من الأرهاب , وفزعت نخوتهم صوت تجريم الجيش العراقي المستبسل في طرد الأرهاب الذي جاء بمباركة هؤلاء الفقهاء الذين بنفاقية يتظاهرون بالتدّين .

لاأعلم مدى السذاجة التي يتمتع بها المواطن الأنباري الذي مازال يصرّ بعد كل هذه المعطيات بأن فقهاء الذبح والبذخ سيحققوا له العدالة والمساواة والتعايش السلمي في نصوص فقهية أستحدثتها المخيلة السياسية أبان حكم الممالك الأسلامية ؟ والتي حكمت بأسم الأسلام لكنها لم تحكّم الأسلام كنظرية مهمتها صنع الأنسان من الداخل ليكون كائنٌ حضاري منتج على أرض الواقع . ولم يأتي الدين لينتج ذبّاحين وقطّاعي طرق وقنابل بشرية تتفجر وسط البؤساء , بسخافة تبريرية كون عملهم ينطلق من غيرة,, على الله !
أن سوء أستخدام الدين والفتوى الدينية لقتل الأنسان البريئ وتهشيم عظام الوطن . وأعطاء مبرر مجاني لتدخل الأجندات التخريبية المبتزّة للمواطن وللوطن كمساحة جغرافية .

هو ما حدث ومازال يحدث في الرمادي من أعمال أرهابية متفقهه. والذي يبعث على الدهشة والتساؤل كيف تحول سقوط البعث الديكتاتوري الذي بنفاقية واضحة أدّعى أنه علماني ! أن تثأر له أكثر الحركات ( الدينية ) تشدداً ؟ كالقاعدة , وجيش العراق والشام وما تناسل عنهما من مجاميع تحمل ذات النفس الأقصائي الذي ينتمي الى عهود ما قبل الأسلام . وهل خطف ضباط الحرس الصدامي والمخابرات الصدامية زعامة العصابات الأرهابية التي تتحرك بأسم الدين ؟ أم وجد البعثي والوهابي مشتركاً بينهم فأتحدوا لأجله ؟

أنها مفارقةٌ لكنّها أنطوت على السطحيين والبسطاء الذين طالما مثلوا عبأً ثقيلاً على شعوبهم من خلال سطحيتهم المبتذلة , فتحولوا من بسطاء الى معاول لتهديم الوطن . وهم ضحايا كضحاياهم , والمتهم الحقيقي بهذا الحريق الأنساني الأنباري هم أصحاب الفتاوى الذين ملئوا واقعنا بالمحرمات التي عقوبتها الذبح والسحل . لكن كان عليهم أن يلجئوا الى مكامن الأنسانية في دواخلهم ليسئلوها عن أي رب يمنح جنانه للجزّارين لبني الأنسان ؟

ولماذا يصرّ هؤولاء الفقهاء على تحريك جماهيرهم على الخروج على النظام السياسي , وما البديل عن النظام السياسي والعملية السياسية والأنتخابات سوى الفوضى والرجوع الى جاهلية العرب الأولى ؟ اليس كل فتاوى عبد الملك السعدي تريد من أتباعه أن يعادوا كل ممارسة ديمقراطية لتخلّص الشعب من حكومة الأنقلابات ؟
فأي محاولة وطنية لأسعاف حاضرنا العراقي المتداعي والذي يشكو الأرهاب المتأسلم خطابياً . هو بث الوعي عند الجماهير لأنتاج حالة من المناعة الذاتية التي لا تستقطب وتتبنى أفكاراً أجراميةً ترتدي عباءة التدين للتمويه .

خدمة الوطن تكمن في بث الوعي عند الجماهير . وتفعيل مفهوم أن العامل الوطني يتقدم على العامل الخارجي . المتمثل في ( الفتوى الفقهية ) والتي مصدرها الوحيد الذي تصدر عنه وتتجه نحونا هي المؤسسة الدينية السعودية , والتي تقف على عمود الفكر الوهابي المنحرف أنسانياً . فلم يعد ما نقوله لهؤلاء الوهابيون الذين ملئوا بلداننا بضحاياهم . سوى فضحهم دينياً لأنهم يتحركوا ويستقطبوا المغفلين دينياً .
فالحملة التي يتعرض لها المسلمين الشيعة خصوصاً والعراقيين عموماً بأعتراف الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية هي أبادة جسدية وأقتصادية وأجتماعية وقيمية . وهذه الحملة كما جاءت لمصر من خارج الحدود وجاءت لسوريا من ذات المصدر , كذالك العراق فالمصدر الوهابي واحد , لكن فهمه متغير .

فمن المسؤولية الوطنية والأنسانية فضح , تلك العقلية القبلية المتخلفة وفق المفهوم الزمني والحضاري القائم . فشعار هؤلاء ( نحن الذبّاحون بأسم الله , نحن الوكلاء على الله , المتجردون لتمكين دين الله ) وكل من هو ليس على أسلامنا فهو هدفنا وطريدتنا ! وهذا الأحتكار للحقيقة الأسلامية حسب الفهم الوهابي , لايتصل بالأسلام الذي جاء مخاطباً الناس بلغة,, واحدة,, _ ياأيها الناس . ونصوص الحكمة الأسلامية تؤكد على عالمية وأنسانية الأسلام
, ففي قول الأمام علي عليه السلام خلاصة للفهم الأسلامي للحياة ( الناس صنفان أمّا أخٌ لك في الدين , أو نظيرٌ لك في الخَلق ) .

وفي آخر الأمر علينا أن نسأل - ماذا لو لو كان لعبد الملك السعدي من النفوذ والمكانة ما يملكه ( مع فارق التشبيه ) المرجع الأعلى السيد السستاني في العراق ؟ كان قد أزاح حجراً من على حجر من كل بيت من بيوت العراق , وجعل من حلب السوّرية تبكي على بغداد لهول الدمار .. 

Share |