الردة وحكمها في القرآن الكريم وعلى ضوء آياته/ج1 /مير عقراوي

Wed, 7 May 2014 الساعة : 0:45

إن القرآن الكريم في الإسلام هو المصدر الوحيد الذي يمتلك العصمة ، لأنه كلام الله سبحانه وتعالى ، وهو المصدر الأول للتشريع ، ومن ثم تأتي بقية المصادرتابعة له ومسترشدة به وناهلة منه في الحكم والأحكام كصحيح السنة النبوية الشريفة وغيرها . والقرآن بخلاف جميع المصادر التشريعية الأخرى هو يقيني الثُبوُت . على هذا الأساس فإن القرآن هو الحَكَمُ والحُكْمُ والحاكم والمهيمن والفيصل والقاضي على السنة وغيرها ، أما العكس فهو باطل ومرفوض كل البُطْلان والرفض . لذا ينبغي أن تكون الأحاديث متوافقة ومتطابقة مع الآي القرآني لا أن تتناقض معها ، أو تختلف معها ، والأحاديث النبوية الصحيحة هي كذلك بدون شك ، بخاصة في قضايا الدماء والحقوق ومصائر الناس ، فهذه القضايا هي من أهم وأبرز مدارات البحث والتأكيد في الكثير من الآيات القرآنية . فالردة عن الإسلام هي واحدة من القضايا الهامة التي تحدث عنها القرآن الكريم في العديد من آياته الحكيمات المُحْكمات ، وفي جميع تلكم الآيات ، وبلا آستثناء واحد فقط جعل القرآن حُكْمَ الردة والإرتداد عن الإسلام عقوبة أخْرَوية وحصرية بيد الله تعالى فقط لا غيره . وهذا بالحقيقة ما يُمَيِّزُ الإسلام وعدالته وسعة أفقه عن جميع الأديان الأخرى . في هذا الجزء سأتلوا الآية [ 217 ] من سورة البقرة ، بعدها سأقوم بتفسيرها كما هي ، وكما هو النص القرآني لنتبيَّن حكم الإرتداد على ضوء القرآن وبياناته ، وهذا هو تفسير القرآن بالقرآن :
نص الآية : { يسألونك عن الشهر الحرام قِتالٍ فيه ، قل : قتالٌ فيه كبيرٌ وصَدٌّ عن سبيل الله وكُفْرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله ، والفتنة أكبر من القتل ، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يَرُدُّوكم عن دينكم إنِ آستطاعوا ، ومن يَرْتَدِدْ منكم عن دينه فَيَمُتْ وهو كافر فأولئك حبطتْ أعمالُهُم في الدنيا والآخرة ، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }
التفسير :
سُئِلَ رسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام – عن القتال في الشهر الحرام فنزلت عليه هذه الآية الكريمة كجواب وتوضيح للسؤال ، فقال الله تعالى لرسوله قل لهم في الجواب : إن القتال في الشهر الحرام هو أمرٌ كبير ، لكن هناك ما هو أكبر وأعظم وأشنع وزراً وإثماً وجريمة ، وهو الصَدُّ عن سبيل الله تعالى والكُفْرُ به وإخراج المسلمين ، في مقدمتهم رسول الله من المسجد الحرام . لهذا فإن الفتنة هي أكبر من القتل ولا يزال هؤلاء المشركون يقاتلون المسلمين حتى يرجعوا ويرتدوا عن الإسلام إنِ آستطاعوا وتمكَّنوا منه ، ومن يرجع عن دينه ويرتد ، ثم يموت وهو كافر ، أي يبقى على ردته طيلة حياته فقد أحبط الله عزوجل أعماله / أعمالهم في الدنيا والآخرة ، حيث جزاؤهم النار خالدون فيها في الدار الآخرة ..
ما نلاحظه في هذا الآية هو قوله تعالى عن ردة المرتد الدائمة والملازمة له مدى عمره : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر } ، أي من يرجع عن دينه ويرتد ، ثم لم يقتنع فيبقى على إرتداده طيلة حياته سيكون حُكْمه ومحاكمته وجزاءه وعقابه عند الله تعالى في الآخرة ، حتى أن الله سبحانه لم يُفوِّض نبيه الأكرم محمد – عليه الصلاة والسلام – في الحكم على مَنِ رجع عن الإسلام وآرتد عنه ، أو معاقبته ومحاسبته ، بل إنه تعالت حِكَمه جعل الحكم والمحاكمة للمرتد من إختصاصه فقط ، ومن حقه الحصري فقط ..!
على هذا الأساس القرآني – الرباني المُحْكَم لم يأمر رسول الله محمد – عليه الصلاة والسلام – بقتل وسفك دم كاتب له آرتد عن الإسلام ، أو لم يأمر بقتل ذاك الأعرابي الذي أسلم على يديه الكريمتين ، ثم جاءه بعد مدة فأعلن أمام حضرته وعلانية بأنه آرتد عن الإسلام . ثم على هذا الأساس لم يقبل الإمام عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – طلب أنس بن مالك – رضي الله عنه – بقتل عدد مِمَّنِ آرتدوا عن الإسلام فآكتفى بحبسهم فقط ، مضافاً إننا لا نعلم بأن الإمام عمر أصدر أمراً وفتوىً بقتل جِبِلَّة بن الأيْهَمِ حينما آرتد عن الإسلام ولحق بالروم . من ناحية أخرى كان أحد شروط المشركين لعقد إتفاقية الصلح مع رسول الله محمد – ص – في الحديبية هو اذا ما آرتد أحد من المسلمين عن دينه ولحق بهم عليه أن لا يطالب بإسترداده ، وهذا ما قبله الرسول الكريم . وقد كان أحد شروط الرسول مع المشركين يومها نفس هذا الشرط أيضاً ، ولو كان قتل المرتد حُكْمَاً واجباً لَمَا قبل الرسول هذا الشرط من المشركين في إتفاقية الحديبية التاريخية المعروفة !! . 

Share |