الفقيه وموضوعات الحكم الشرعي/يعرب الموسوي
Mon, 5 May 2014 الساعة : 1:47

اثار فضولي الرأي الاخير الذي طرحه سماحة الشيخ بشير النجفي (حفظه الله) فدفعني الى البحث في مسالة لا تخلو من الاهمية ,وهي علاقة الفقيه في تحديد وتشخيص موضوعات الاحكام وهي مسألة كانت ومازالت مثار جدل ونقاش عند بعض الفقهاء وقبل الخوض فيها لابد من مقدمة توضيحية :
اذا اردنا ان نفكك الحكم الشرعي نجده يتكون غالبا من ثلاث امور (الحكم – المتعلق –الموضوع ) ولنضرب مثالا نقرب به الفكرة ,قول الشارع : الخمر حرام يتكون من (الحكم وهو الحرمة) والمتعلق (وهو فعل المكلف ) والموضوع (وهو الخمر) وعلاقة الحكم بالموضوع كالعلاقة بين العلة والمعلول فلا يكون الوجوب فعليا ولا الحرمة فعلية بحق المكلف مالم يوجد الموضوع فمن دون وجود الخمر لاتكون حرمة الخمر فعلية وكذلك بدون حلول شهر رمضان لايكون الصيام فعليا على ذمة المكلف . وقد قسم الفقهاء موضوع الحكم الى قسمين وهما : 1- الموضوعات المستبطة : وهي تارة تكون شرعية اي من اختراع الشارع ولادخل للعرف فيها مثل الصلاة فالصلاة في الشريعة تعني تلك الحركات المخصوصة التي حددها وبينها الشارع ولايجوز لاحد ان يزيد او ينقص منها . واخرى تكون موضوعات عرفية ولغوية ولكن تصرف بها الشارع واعطى لها تعريفا وحدودا معينة مثل الربا فقد حددت الشريعة موضوع الربا بحدود معينة وشروط فان تحققت يقع الربا والا فلا يقع .2- الموضوعات الصرفة الخارجية :وهي تلك المواضيع التي لادخل للشارع في تشخيصها وتحديدها بل يقع تشخيصها وتحديدها على عاتق المكلف ودور الشارع فيها انما بيان اصولها فالشارع يحكم مثلا بحرمة الخمر ولكن ليس من مسؤولية الشارع ان يبين للمكلف ان هذا السائل الموجود في القدح خمر ام ماء فهذا تشخيصه يعود للمكلف فأن ثبت عنده انه خمر يأتي حكم الشارع بحرمة شربه , وان ثبت عنده انه ماء يأتي حكم الشارع بإباحة شربه. من هنا يكاد يجمع الفقهاء على ان الموضوعات الخارجية الصرفة (اي التي لم يشترك الشارع في تحديدها ) غير خاضعة للتقليد بل الفقيه والعامي فيها سواء , يطرح السيد الخوئي هذا السؤال :((اذا رأى المجتهد ان المايع المعين خمر مثلا .. ,فهل يجب على من قلده متابعته في ذلك ويعامل مع المائع معاملة الخمر ؟ )) فيجيب : ((لاينبغي التوقف في عدم جواز التقليد في الموضوعات الصرفة ,لان تطبيق الكبريات على صغرياتها خارج عن وظائف المجتهد حتى يتبع فيها رأيه ونظره ,فالتطبيقات امور حسية والمجتهد والمقلد فيها سواء ,بل قد يكون العامي اعرف في التطبيقات من المجتهد فلا يجب على المقلد ان يتابع المجتهد في مثلها )) (التنقيح في العروة الوثقى الجزء الاول مورد التقليد ومحله ) ويوجه السؤال التالي الى السيد الروحاني :((سؤال: هل يجوز تقليد الفقيه في الموضوعات الصرفة ؟ ثم ما هو الفرق بين الموضوع الصرف والموضوع الاستنباطي ؟ (( فيجيب ((الجواب: باسمه جلت أسمائه لا يجوز التقليد في الموضوعات الصرفة لأنه لا معنى للإجتهاد فيها و الفرق بين الموضوع الصرف و الموضوع الإستنباطي واضح كالماء و التيمم مثلاً فإنه لا معنى للإجتهاد في الماء بخلاف الثاني اي التيمم أو الوضوء و ما شاکل(( .(موقع السيد محمد صادق الروحاني ) ويقول السيد السيستاني في المسائل المنتخبة مسألة 67 : ((محل التقليد ومورده هو الأحكام الفرعية العملية ، فلا يجري في أصول الدين ، ولا في مسائل أصول الفقه ، ولا في مبادئ الاستنباط من النحو والصرف ونحوهما ، ولا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية ، ولا في الموضوعات الصرفة ، فلو شك المقلد في مائع أنه خمر أو خل مثلاً وقال المجتهد إنه خمر لا يجوز له تقليده ، نعم من حيث إنه مخبر عادل يقبل قوله كما في إخبار العامّي العادل ، وهكذا ، وأما الموضوعات المستنبطة الشرعية كالصلاة والصوم ونحوهما فيجري التقليد فيها كالأحكام العملية.))
ولذلك يذهب الفقهاء الى القول بأن الملكف اذا رجع الى الفقيه ليستعلم الحلكم الشرعي فأفتاه كان ذلك عبارة عن بيان حكم الله حسب تحقيق الفقيه فليس هو بيان لنظر الفقيه وفكره الخاص بل بيانا للشارع وفق تحقيق الفقيه الخاص فمورد الافتاء اذن هو الاحكام الكلية المترتبة على مواضيعها وعلى المكلف نفسه تطبيقها على موردها الخارجي بحسب ابتلائه وليس من وظيفة الفقيه تعيين وتشخيص الموضوع .بعد هذا البيان نعود الى الرأي الذي صدر على لسان سماحة الشيخ المرجع النجفي (حفظه الله) والذي طبق فيه الحكم الكلي على مصداقه السلبي والايجابي (فهو من جانب رأى عدم جواز انتخاب شخص بعينه ومن جانب اخر رأى أحقية انتخاب شخص بعينه ) فهل بمكن اعتبار ذلك فتوى تلزم مقلديه ام حكم يلزم جميع المكلفين ام هو رأي يمكن الاخذ به ويمكن عدم الاخذ به , والامر هنا لايخلو من احد امرين :
الاول : ان يكون ماصدر منه كان انطلاقا من تشخيص موضوع خارجي لاغير فهو بحسب خبرته بما حوله يرى ان فلانا اهلا لان تعطيه صوتك وفلانا ليس اهلا لذلك وبحسب هذا الفرض لاتوجد فتوى يجب اتباعها فالتطبيقات- والكلام للخوئي- امور حسية والمجتهد والمقلد فيها سواء ,بل قد يكون العامي اعرف في التطبيقات من المجتهد فلا يجب على المقلد ان يتابع المجتهد في مثلها .
ثانيا : ان يكون ماصدر منه حكم حاكم وليس فتوى ففي هذه الحالة يجب اتباعه وعدم مخالفته حتى من غير مقلديه يقول السيد محمد باقر الصدر في تعليقته على منهاج الصالحين للسيد محسن الحكيم في المسألة 25 مانصه : ((ان حكم الحاكم لو كان منطلقا من ممارسة المجتهد لولايته العامة على المسلمين لايجوز نقضه ابدا )) ولا احسب ان سماحة الشيخ البشير يذهب الى القول بالولاية العامة (ولاية الفقيه العامة)
خصوصا انه يرجع المؤمنين في المسائل ذات الشأن العام الى السيد السيستاني (حفظه الله ) فيقول في نص استفتاء صادر من مكتبه يوضح موقفه من مسودة قانون الاحوال الجعفري ((ولقد بينا سابقاً لذوي الشأن أن هذا القانون رغم ضرورته وأهميته لدينا إلا أنه ينطوي على شطحات في الصياغات الفقهية والقانونية ولا يوافق عليها فقيه؛ فلهذا يجب الاهتمام بما دعت المرجعية إليه من التريث بالموافقة على المسودة الفاقدة للمقومات، ونرى ضرورة عرض هذا القانون على سماحة المرجع الديني العظيم آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله) والاستنارة برأيه.))