صوت .. عيار 35 عام/طالب شريف ال طاهر
Tue, 22 Apr 2014 الساعة : 0:40

لقد صار بديهيا اليوم ان الحكومات في البلدان المتحضرة بدأت تتندر في كسب ود المواطن ، وتنحني طيعة لرأيه إمعانا في قيمته كانسان ومواطن .. ومن هذا المنظور ، يتخذ المواطن من الديمقراطية مسلته العادلة هناك لإقصاء المخالفين لإرادته .
فالناخب عادة في حماسة غامرة ، قد تعود لإحساسه المفعم بالحرية السياسية ، أو إن التصويت يحوز حرمة وطنية لا يمكنه التنصل عنها ، لكن المؤكد ان المواطن يدرك ما لصوته من ثقل في تغيير اتجاهات معادلة السلطة .
أما في العراق فإن هول المصائب ، يجعل من التصويت منعطفا وجوديا يختبر في وعي الشعب العراقي تأريخه وحضارته ضمن المنظومة الإنسانية ..، اختبار لفهم الفرد لنفسه ومعرفته لقيمته كانسان لا يقل قدرا واعتبارا عن أقرانه في العالم ، امتحان لقدرته على إثبات وجوده بين الشعوب ، بل لابد أن نفهم إن التصويت في العراق يعكس صورة الفرد ويحلل وعيه ودينه وثقافته وأخلاقه سيكولوجيا لدى الرأي الإقليمي .. التصويت يشكل دعامة مهمة في رسم جغرافية حضارة البلاد على خارطة الأمم .
التصويت اليوم واقعا هو صراع محتدم من اجل دمل جراحات البلد وانتشال روحه من الجهل ، صراع من اجل إنهاء حقب الظلام ، صراع من اجل إعادة الهوية المغيبة منذ عقود .. من هنا يتحتم على الفرد التأشير بقلم التصويت على الاتجاه المغلق بوجه الوصوليين والمنافقين الذين يمنون أنفسهم بالجاه والثروة ، وان يضع بذور السلام والوئام في نوايا الخيرين دون تمييز طائفي أو قومي أو عرقي .
والقضية بهذا الوصف لا تعني ممارسة إدخال بطاقة مثقلة بالطموحات والاحتقانات والآمال والتفاؤلات وحسب ، ما لم يتم توظيفها وطنيا بإحساس خالص يزيل القهر والهم والحرمان ، إحساس ممتلئ بذاكرة البؤس يقف المرء حياله ماثلا أمام الصندوق في قراءة تظلم درامية تستنطق من الماضي سنوات التسلط والحروب والحرمان ، وتحاكي في تأمل حسابات تختزل الآم وجراحات واحتقانات وتلكؤات ومحسوبيات الحاضر .
المرء اليوم أمام محكمة حقيقية للاقتراع تترافع في قضية بلد جريح وحقوق شعب ، تقتضي نضجا فكريا منتفضا وشعورا وطنيا فياضا يحول لون أصبعه البنفسجي في يوم التصويت الأغر إلى مخلب ثائر لانتزاع المفسدين والفاشلين والطائفيين من كراسي الشعب ، عند هذا الحد من الإدراك يمكن للفرد ان يميز الطريق الذي يصله به ، إما إلى قيمته الاعتبارية كمواطن ، أو إلى درك اللا مواطن.
والأمر لا يختلف مع العراقي الحزبي ، عليه أن يجمع بين ولاءه الوطني وانتماءه العقائدي ، لا أن ينفرط عن عقد الشعب إلى حلقة السياسة برؤيتها السلطوية الجرداء ، عليه أن يتحلى بشخصية حرة غير منقوصة الإرادة ، ويتغنى بوطنيته المفرغة من الميول الاتجاهات ، عليه أن يبرهن على انه ناخب وطن وليس ممثل فئة .
عموما الشعب العراقي قد فهم اللعبة ، وعلم بأن الوطنية لم تعد شعارا تنطلي خطاباته ، الوطنية الحقة لها مقاسات وأحجام ومساحات توزن بمعايير الانجاز لتقييم عمل أي فرد كان مواطنا أو سياسيا .. أصبح الشعب العراقي بفضل مناكفات التجربة الفائتة سياسيا محنكا ، خبيرا بالمكر السياسي .
في النهاية لابد من التجديد فالبلاد لن تنهض بتزويق الوجوه العتيقة ، بقدر ما تنهض بحزمة خطط بمستوى التدني ، وقدرات كفوءة بمستوى المحنة ، وإرادة عازمة على التطوير بمستوى انكفاء الروح الوطنية وتراجعها .. العراق اليوم يتطلع إلى رجالات طوارئ ، ويحلم بكفاءات تعيد لمؤسسات الدولة هيبتها ، شخصيات تضخ المهنية إلى دوائر الدولة ، لا رموز تركن إلى مغانم المناصب الإدارية .. مثلما على المواطن تماما مسئوليات جسام ، أولها أن لا يكون ناخبا وحسب ، بل أن يكون مواطنا ناخبا بما تحمل الكلمة من معنى .
لنكن برلمانيين