السلوك الانساني في واقعنا الاجتماعي/ ح/2 /عبدالستار الاسماعيلي

Tue, 1 Apr 2014 الساعة : 20:08

المعايير السلوكية المؤثرة في الحياة الاجتماعيه :- 
المعيار السلوكي هو المقياس الذي يحدد صفة فعل الإنسان من                                                                     حيث الخير والشر والفضيلة والرذيلة والحق والباطل 0 الخ                                                                                       وتختلف المعايير السلوكية بين مجتمع وآخر تبعا لطبيعة المجتمع وتقاليده وما اعتاد عليه من سلوكية متعارفه  بين أفراده 00 نتيجة للظروف التي مر بها فأملت  عليه هذه المعايـير ، فالنظم السياسية القائمة في كل فتره والظروف الإقتصاديه وما يصاحبها من تغيرات في المفاهيم العامه للحياة الاجتماعيه ، والتطورات العلميه وانعكاساتها على التفكير الإنساني والمبادئ الأخلاقية  والروحية 0 لكل تلك الجوانب تأثير في إبراز نوع المعايير السلوكيه السائدة في هذا المجتمع دون ذاك المجتمع وبشكل عام فإن المعايير السلوكية المؤثرة في الحياة الانسانيه هي :- 
1 - التقاليد والأعراف الاجتماعية :-
وهي معايير تتكون بفعل ظروف معينه و هذه الظروف تفرض على أفراد المجتمع أنماط سلوكية وعلاقات اجتماعيه وأساليب عمل وقيم جديدة تصبح بعد فتره من الزمن مألوفة لدى الناس فتأخذ طابع السلوك الإنساني المتعارف عليه ، بعد أن كانت هذه الأنماط السلوكيه غير معهوده قبل الظروف التي أحدثتها ، إن التاريخ الإنساني يطلعنا على تغيرات إجتماعيه كبيرة قد حدثت في حياة الشعوب نتيجة ما مر بها من أحداث ووقائع سياسية واقتصاديه وعلميه تؤدي إلى أن يتصف مجتمع  بنمط   معين من السلوك الإنساني (حيث أن الاختلافات القائمة بين الأمم والشعوب سواء في أحوالها الفردية أو في مستوياتها الحضارية ليست راجعه  إلى العرق أو الجنس بل هي راجعه أولا وأخيرا إلى شروط الحياة بصفه عامه)(1) و  (والإنسان ابن عوائده ومألوفة لا ابن طبيعته ومزاجه فالذي ألفه من الأحوال حتى صار خلقا فنزل منزلة الطبيعة والجبلة)(2) وبما أن الظروف تتغير باختلاف أسبابها ومؤثراتها فهي تؤدي كذلك إلى إحداث تغيرات في هذه الأنماط السلوكية 0 وبناءا على ما تقدم يظهر لنا إن الأعراف والتقاليد وليدة الظروف وتصبح أنماطا  سلوكية ومعايير إجتماعيه يقاس بها الفعل الإنساني وبتغير هذه الظروف تتغير هذه المعايير 0 لقد كانت كثير من المفاهيم والأنماط السلوكية في أوربا لها طابع معين تغيرت بعد الاكتشافات العلمية والجغرافية والثورة الصناعية وبعد الموقف الذي اتخذته الكنيسة لمناصرة القياصرة ضد الطبقات الفقيرة وتزوير الكتب المقدسة كل ذلك أدى إلى تغيرات كبيرة في القيم الاجتماعية  مما أدى إلى ظهور أنماط سلوكية جديدة   وفي واقعنا المعاصر نجد إن الحروب والأزمات التي افتعلها وآثارها النظام السابق أحدثت الكثير من التغيرات في طبيعة المجتمع العراقي 00 وكان لظروف الحصار الاقتصادي طيلة أكثر من عقد من الزمان اثر كبير في التكوين الاجتماعي والنفسي لدى الفرد العراقي فإننا نجد ان هذه الظروف وظروف أخرى صاحبتها قد أخذت مأخذها في أحداث  أنماط سلوكية جديدة وأساليب تعامل لم تكن معهودة من قبل صارت مألوفه لدى الناس الذين عاصروا الحياة قبل هذه الظروف فضلا عن الجيل الذي ولد في أجوائها فأنها تمثل له الصورة الحقيقية للمجتمع لأنه اكتسب هذه                                                                        الصورة وطبع عليها من خلال حياته ومعايشته لهذا المجتمع  ،  بينما الحال إن هذه الصورة الاجتماعية تختلف عن الصورة الاجتماعية قبل هذه الظروف وتكتسب الأعراف والتقاليد خصوصية متميزة في مجتمعنا العشائري حيث أن الصفة العشائرية  كما هو معلوم هي الغالبة على مجتمعنا بشكل عام فالانحدار العشائري هو السمة الحقيقيه لكل أفراد المجتمع لذا فان الالتزام بهذه الأعراف والتقاليد أمر يفرضه انتماء الفرد للعشيرة وهذا الانتماء له مدلولاته الاخلاقيه والاجتماعية المعروفة وتحتل القيم العشائرية أهميه كبيرة لما لها ن مساس في كيان الفرد ووزنه الاجتماعي وكرامته . ومن هنا نلمس ما لهذه القيم من تأثير مباشر في البناء الاجتماعي . 
لقد سبقت الإشاره إلى أن هذه الأعراف والتقاليد عرضة للتغير بتغير  الظروف وهذا ما نشهده في واقعنا الحالي فان الوضع الاجتماعي   قبل ثلاثة او اربعة عقود يختلف عن الوضع الاجتماعي في الفترات اللاحقة ويزداد هذا التغير كلما اقتربنا من يومنا هذا وهذه الحقيقيه يجب أن تكون حاضره دائما عند البحث في المعايير السلوكية وتأثيرها في البناء الاجتماعي 0
2 .القواعد القانونية :
وهذه القواعد نتجت عن معايير سلوكية تسالم عليها الفكرالانساني  من خلال ما قدمه المفكرون والفلاسفة وفقهاء القانون من أفكار وآراء تبلورت بشكل قواعد أخلاقيه تمثلت في القوانين التي ظهرت عبر مراحل التاريخ 0 ونظراً لاختلاف العوامل المؤثرة في تكوين نظره الإنسان  إلى الحياة ، بين مختلف الحضارات والبلدان والشعوب فقد كانت الاتجاهات الفكرية الانسانيه مختلفة في تفسير الظواهر الاجتماعيه 0 وفي الرؤية إلى النظام الأمثل الذي يكفل سعادة الإنسان فهناك المدارس المثالية واتباعها والمدارس المادية ومن يمثلها والاتجاهات الاخرى ومن يرتبط بها إلا أن القاسم المشترك بينها جميعاً هو محاولة وضع قواعد للسلوك الإنساني وهكذا انطلق كل اتجاه يضع القواعد السلوكيه وفقاً للتفسير الذي يراه ، إلى أن ظهرت إلى الوجود هذه القوانين المعروفة. ونتيجةً لتجارب الإنسان في الحياة فانه كثيراً ما يدرك الثغرات  والأخطاء والتناقضات في تلك القوانين ، ومرد ذلك إلى أن الفكر الإنساني غير معصوم دائماً  من الوقوع في الخطأ لذا فان هذه القواعد القانونية الموضوعة من قبل العقل الإنساني قابله للتغير، كلما اكتشف الإنسان خطأ فكره معينه أو نظريه قادته إلى تفسير خاطيء .
 

3- المعايير السلوكية الدينية:
وهذه المعايير تستند إلى التشريع الإلهي المنزل في الكتب السماوية   وبغض النظر عن الأديان المختلفة التي ظهرت في حياة الانسانيه  فان التشريع الإسلامي- مع الاحترام لبقية الأديان - تكفل بإيجاد معايير حقيقية صائبة للسلوكية الانسانيه  أثبتت التجارب إنها الأصلح لتقويم حياة الإنسان كون هذه المعايير من حيث الجوهر ثابتة لا تتغير بتغير الظروف ألا إنها متمشية مع حاجات الإنسان وتطور الحياة ولكن  معايير التشريع الإسلامي كمعايير يراد لها تنظيم الحياة الاجتماعيه بما ينبثق عنها من تطبيقات شرعيه صرفه قد تلاقي عقبات ناتجة عن كثير من العوامل الاجتماعية والفكرية والسياسية الخ00 لذا فواقع الحال يفرض الموائمة بين القوانين الموضوعه والشريعة الاسلاميه والخروج بصيغ قانونيه تناسب كل مرحله من المراحل التي يعيشها المجتمع0 ولكي يؤدي التشريع الإسلامي وظيفته هذه  0 لابد من توفر عدة عوامل منها الوعي الديني والالتزام الشرعي من قبل أفراد المجتمع ووجود من لديه القدرة على تحويل النصوص الشرعية  الاسلاميه إلى صيغ عمليه في الحياة , والأداة التنفيذية القادرة على  تفعيل تلك الصيغ   في واقع الحياة الاجتماعية بروحية التسامح الهادفة الى بث الالفة والتقارب بين ابناء المجتمع بعيدا عن التعصب والانغلاق   وذلك كله يتطلب وعياً بأحكام الشريعة  والتزاماً بما تنص عليه هذه الأحكام ، ويبقى تطبيق التشريع الإسلامي  طموح يراود كل إنسان مسلم أما مايقع من سوء تطبيق يقع هنا وهناك فانه لايمثل الصورة الحقيقية لما يريده التشريع الالهي بكل تأكيد.

الهوامش
(1)العصبية والدولة في فكر بن خلدون د. عابد الجابري ص240.
(2)مقدمة بن خلدون ج2 ص449 نقلا عن المصدر السابق.

Share |