أمراء الخليج...ومسلسل الحسن والحسين-مهدي الصافي
Fri, 19 Aug 2011 الساعة : 2:06

غيرت ثقافات الشعوب وتفاعلت مع العالم المتحضر منذ بزوغ فجر الثورة الصناعية,وبقيت دولا عديدة في محيط العالم الثالث تعارض هذا التقدم الإنساني والفكري في طريقة العيش ,وتمنع فتح أبواب الحريات أمام تطلعات مجتمعاتها,إلا إن خضوع بعض هذه الدول إلى الإرادة الأجنبية وتقبلها سياسة الأمر الواقع,جعلها ترضخ بالكامل للبرامج الثقافية والسياسية الخارجية,
وفق اتفاقات ثنائية معقودة بحزم من قبل سيد الإمبراطوريات الفاعلة والمتواجدة في المنطقة(بريطانيا سابقا وأمريكا حاليا),فظهرت لنا دول الخليج بالصور الزاهية المتطورة التي هي عليها اليوم,وان كانت تلك الصور تنشر رعبا وعنفا وظلما في دول أخرى(العراق اليمن سابقا وفلسطين ولبنان واليوم يريدون لسوريا أن تدخل في لعبتهم),
تعكف دولهم منذ أن قبضوا أمراء البترول وثبتوا نسب عمولاتهم من الاتفاقات النفطية العملاقة مع الشركات الاحتكارية الامبريالية الكبيرة ,وبأوامر من حكومات المندوب السامي, للسيطرة السياسية والثقافية والاقتصادية في الوطن العربي,يتعاملون بحقد مع أية ملامح وتطلعات جماهيرية عربية تبحث عن الاستقلال والاستقرار النفسي والاجتماعي بعيدا عن أوامر أسيادهم,دمروا العراق بمؤامرات خبيثة وقع النظام البائد بفخها فنفذها بطريقة سافرة, أرهقت الدولة والمجتمع وأعادته عشرات السنين إلى الوراء,وهاهم اليوم يزفون مراهقيهم إلى عرس حور العين فوق جثث وأشلاء الأبرياء من أبناء شعبنا,خوفا من شبح الديمقراطية التي ستحرك المياه الراكدة تحت قصورهم.
يرصد أمراء الخليج الأموال الطائلة منذ الثورة الالكترونية المقتحمة لمناطقهم عنوة على شراء وسائل الإعلام وذمم بعض الأقلام المأجورة,بغية السيطرة شبه المطلقة على منافذ البث ووكالات الإنباء الإعلامية والصحفية الدولية والإقليمية وحتى المحلية ,وقد نجحت تجربتها أكثر من مرة في توجيه الصحف والجرائد والمجلات العربية والعالمية لصالح خدمتهم الشخصية والرسمية,
ثم ليس غريبا أن نسمع ان لهم يدا طولى في إمبراطورية الإعلام العالمي المملوك لإمبراطور الإعلام مردوخ,وقد كانت لهم يدا مؤثرة في ساحة الإعلام العربي الحر في بيروت(وفي لندن وفرنسا الخ),
ولهذا اختفت التغطية الإعلامية العربية حول أحداث البحرين الأخيرة, التي فاقت أحداثها الانتهاكات الحاصلة في بعض المدن السورية حاليا,وحجبت أخبار الانتفاضة الشعبية السلمية هناك عن العديد من وسائل الإعلام العالمية.
ترى لماذا تدخلت سلطات البترول في إثارة الفتنة بين طوائف المسلمين هذه المرة(كما تدخلت من قبل في تجنيد الأفغان العرب),مع دورة الثورات والأحداث الساخنة المتسارعة ,التي تحوم حول اغلب الدول العربية بما فيها سوريا(العدو العربي الوحيد لدولة إسرائيل),
حيث أنتجت أفكار بعض الكتاب المزيفين طريقة جديدة لتحريف الآثار والحقائق التاريخية لبعض القيادات المسلمة المهمة(دور الإمام علي ع في الإسلام)عبر استغلال الشاشة الصغيرة لبث سموم الفرقة والتخريب,فظهر لنا مسلسل الإمام الحسن والحسين ومعاوية بطريقة إخراجية جيدة صرف عليه الكثير ولكن بمضمون تاريخي سيئ جدا,قلب الحقائق رأسا على عقب,مبينا أن أزلام الفتنة والانحراف (لشخصيات وأحداث وهمية)متوغلين في مجالس وجيش وأتباع الإمام علي ع دون أن يلتفت إليهم,بينما اعتبر الجانب الأخر (معاوية وابن العاص)هو أكثر الناس إسلاما وحرصا على مصالح المسلمين,معاوية الذي جاء بعد وفاة الرسول ص إلى بيت الإمام علي ع طالبا منه أن ينتزع السلطة بقوة السيف من الشيخين فأخرجه أمير المؤمنين ذليلا بمسألته الباطلة,
ثم عاد ومارس لعبته الخبيثة في تأجيج العامة من الناس مع أم المؤمنين عائشة رض, لإثارة الفتنة ضد الخليفة الثالث عثمان ابن عفان رض ,الذي اثر بني أمية على الآخرين في السلطة والجاه والعطاء, فكان حاجبه مروان ابن الحكم سليط اللسان كريه الكلام واللفظ ,هو من يواجه جمع المحتجين الواقفين عند باب الخليفة بالتهديد والوعيد مما يزيد من الأزمة ويشعل شرارتها وكأن بينه وبين معاوية عهدا لإثارة الفتنة,وقد كان أكثر الناس حرصا على دم الخليفة الثالث هو الإمام علي ع
(فكان الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام يقفان عند بابه يحميانه من الواقفين أمام بيته-
,على الناس أن يرجعوا إلى التاريخ لمعرفة أسباب اندلاع معركة الجمل وحرب صفين),المراد من كل تلك الاثارات الخطيرة التي تمس وجدان ومشاعر المسلمين عموما دون استثناء(عدى التكفيريين وأتباع بنو أمية),إن الدخول في لعبة الدراما التاريخية ليست مسألة هينة ,يمكن لها أن تسير وان يتقبلها المشاهد بسهولة,فهي من أصعب الفنون ,وأية محاولات للتزييف ستحيله إلى سلة المهملات ,كما أحالت العديد من المحاولات والتجارب الفاشلة الكثيرة
(أمثال فلم القادسية الذي صرفت له ميزانية هائلة-وبعض المسلسلات التاريخية المصرية حتى بدت معدمة- فعبرتها الدراما السورية المتورط بعض فنانيها في هذه المهزلة),سيكون مصيرها مصير المسلسلات البدوية الثقيلة على معدة المشاهد,والذي يجهد أمراء البترول في إحيائها بقوة,حتى لاتغيب ثقافة المشيخة والتباين والتمايز والتفاخر القبلي عن الواجهة في دولهم,التي تجعل من صغار أبناءهم يحكمون إمارات ومؤسسات حكومية كبيرة,لأنهم يعرفون أن الحضارة الإنسانية الحديثة لأتسمح للثقافة البدوية أن تغزوا الحياة المدنية التي يعيشوها هم وأبناءهم,
ولهذا ترى كل شخص يلبس الكوفية والعقال يناديه الناس بالشيخ,شيخ على من ونحن كلنا أسياد أنفسنا ,خلقنا أحرار ,وحررنا الإسلام من تلك القيود ومن الثقافة الجاهلية,
فالأولى لكم أن لاتعبروا حدود تلك المسلسلات لأنها ستكون وبالا عليكم وسبة,كما أرادت الإدارة الامبريالية العالمية من تشويها لسمعة الإسلام والمسلمين فجعلتهم اشهر ديانة على وجه الأرض,نشرت لنا ديننا دون أن تعي ما تفعل,وهي اليوم ستشجع أبناء الطوائف الإسلامية على العودة إلى مصادر التاريخ الصحيحة لقراءة تلك الأحداث من جديد ,وعندها سوف لاتنفع محاولات الترقيع والتنقيح والتصحيح من إيقاف تلك القناعان السليمة.