ليلة القدر...... أبشروا وإحذروا-د.علي سعيد الجابري

Fri, 19 Aug 2011 الساعة : 2:03

(إنا أنزلناه)
ما هو مرجع الضمير في (أنزلناه)؟
1- مرجعه إلى القرآن للأسباب التالية:
أ- ترك ذكره للتعظيم.
ب- إن الأمر إذا صار معروف جاز إرجاع الضمير إليه.
ج- العود إلى ما هو فعلي لان الكلام موجود في القرآن فيعود الضمير إليه.مثال/ لو دفعت إلى شخص شيئا وقلت له هذا فإن اسم الإشارة (هذا) يعود إلى الشيء.
د- قوله تعالى (شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن) فيكون عودة الضمير في (أنزلناه) إلى القرآن.
2- عودة الضمير الى نفس ما ينزل في ليلة القَدْر من الاوامر أو العطاء.
3- بمعنى الخلق كله: فالإنزال بمعنى الخلق (وأنزلنا الحديد) أي خلقناه وأوجدناه.

(في ليلة القَدْر)
ما معنى القدر؟
1- بمعنى العظمة والجلالة والمنزلة والمهابة.
2-القدرة مؤنث القدر ، أي قدْرة الله (تتنزل قدْرة الله وسلطنته وتدبيره للكون).
3- أي حده التكويني كذا.
4- التقدير الاثباتي أي بيان كمية الشيء.
5- أي التي يقدر فيها حوادث السنة في مرتبة المحو والإثبات ويحصل إنزال هذه الأوامر على الإمام الظاهري (الحي) لكي يمضيها ويوقع عليها.

وللجمع بين هذه المعاني
فمن جهة مرتبط بالتقدير (التخطيط)أو(الخطة الموضوعة)(النقطة 5،4،3)، ومن جهة أخرى مرتبط بالقدْرة أي (القوة الفاعلة)(النقطة 2،1).
أي إنها عملية وضع الأشياء في خطة وناموس وتصميم معين لأمد معين مع القُدْرة على الإيجاد بهذا التخطيط وليس نظريا فقط (أي ليس بالفكرة فقط).
قال تعالى(أيحسب أن لن يقدر عليه أحد) فليس معناه الأخذ والاستيلاء والتمكن منه أو معاقبته بل معناه إجباره على الدخول في الناموس ولو بعد حين. بل لابد أن يكون بعد حين لارتباط التخطيط (القَدَر) بأمد أو اجل مسمى.
إذن القَدَر هو كل مظاهر الشيء وحساباته الداخلية المرتبطة بإيجاده والغاية منه وحركته المستمرة إلى انتهاء ذلك الأجل.
أما القَدْر فهو بمنزلة الحكم من الحكومة أو الأمر من القانون. فهو على العموم كل حكم وعلى الخصوص حكم واحد مخصوص.
مثال/عندما يقال هذا حكم الملك فهو (عموم)،ولكن عندما يقال هذه الليلة يصدر الحكم (فهو حكم خاص بشيء خاص).
إذن ليلة القَدْر معناها (ليلة نفاذ أمر واحد مخصوص) لان العموم لا يرتبط بالزمن.
إذن القَدْر هو حكم مخصوص واحد والله سبحانه قادر على إلغاء القانون العام بأمر خاص فالحكم كله له أولا وآخرا (قل إن الأمر كله لله).
لذا ارتبط القَدْر بالزمان (ليلة القَدْر خيرٌ من ألف شهر)، بينما يرتبط القَدَر بأصل التكوين والخلق والموجودات (إنا كل شيء خلقناه بقَدَر).
إذن القدْر هو أمر خاص يحدث فوريا في زمن مخصوص قد يلغي به القَدَر نفسه وقد يثبته.
فلو إن ملكا من الملوك له حكم (مطلق) فأن وزيره الأثير لديه لا يمكنه معرفة ما سيفعله الملك وما سيأمر به في كل آن من إلغاء أمر أو تثبيت له أو تغيير لغيره فكيف بالملك (الذي ليس له وزير ولا أحدا من عباده يستشير).
إذن فالقَدْر حاكمٌ على القَدَر نفسه.
إذن أصبح القَدْر أمر خاص يوقف به الأوامر الثابتة فإذا حدث القَدْر في ليلة ما ، فسيحق لك الاندهاش (وما أدراك ما ليلة القَدْر)؟! والتعجب ، وقد يراد به التعظيم أيضا.

(ليلة القَدْر خير من ألف شهر)
1- ليس المراد الحدية بل يراد بها شهورا كثيرة جدا ورقم الألف أقصى رقم كان يتصوره العرب فيكون المعنى إنها خير من الزمان كله لما فيها من الأوامر والعطاء.
2- إنها خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر لأنها لو كانت فيها ليلة القدر لكانت مثلها ولم تكن دونها في الأهمية.
3- ورد تفسيره بملك بني أُمية وفيه عدة مناقشات.

(تنزل الملائكة والروح فيها)
الملائكة : جمع محلى باللام لذا فانه يفيد الاستغراق أي يستغرق جميع الملائكة.
الروح هي قوى أعظم من الملائكة وهي تفيد الاستغراق وتشمل: روح الأمر (روحا من أمرنا) والروح الأمين (نزل به الروح الأمين) وروح القُدُس (وأيدناه بروح القُدُس)، والملائكة من عالم الخلق والروح من عالم الأمر وعالم الأمر أعلى من عالم الخلق.
وبصورة عامة يظهر إن جميع القوى السماوية والأرضية تشارك في تنفيذ ليلة القدر.

(بإذن ربهم)
1- الوجوب والإلزام كون الملائكة والروح مأمورين إلزاما بالنزول.
2- إن الملائكة راغبون بالنزول لأنه عملهم وعبادتهم.

(من كل أمر)
إن معنى (أمر) هو مفرد أوامر وفيه ثلاث مستويات
1- (أمر الله) وهو أول الأوامر وآخرها وأكبرها وهو الأمر الكلي الذي لا اكبر ولا أوسع منه وهو أطولها زمنا وأكثرها تأخرا.(وتربصوا حتى يأتي الله بأمره)(إن الله بالغ أمره)، ولان الأمر الكلي مرتبط بالقَدَر الكلي لذا عقب بالقول (إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قَدَرا).
2- (أمر الرب)الصادر من مقام الربوبية وهو أسرع تحققا ووقوعا وهو أمر المحاسبة السريعة ذات المهلة المحدودة أو الرحمة.(وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا)(يا إبراهيم اعرض عن هذا انه قد جاء أمر ربك).
3- (أمرنا) والمراد منه مجموع القوى القائمة بتنفيذ الأوامر ، وهو أسرع الأوامر نفاذا وأشدها مباغتة للناس وهو الموصوف كلمح بالبصر.(وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر).
إذن فالقوى المنفذة تنفذ بدون مرور زمان فانتبه....!!
إذن الأمر هنا هو( القرار) المتخذ بشان قضية ما. فالملائكة والروح تنزل فيها لا من (أمرنا ) ولا من (أمر ربك) بل من الجميع . فالهيئات المختلفة تعمل ليل نهار ، وتجري التجارب المختلفة لتنفيذ مشروع معين لسنوات طويلة فإذا حانت ساعة تنفيذ المشروع فان جميع الهيئات والأقسام تستنفر للعمل الحقيقي هذه المرة ويكون تمرير الأوامر جاريا بجميع الخطوط وحتى رئاسة الدولة ومؤسسات الإعلام لها علم بالموضوع.

(سلامٌ هي حتى مطلع الفجر)
1- مادة سلام لها معنيان:
أ- ضد المرض ب- ضد الحرب
وكلاهما ضد البلاء الدنيوي ، فهي سبيل السلام وعدم تكدر البال وهي خير الهي ورحمة أما بعطاء جديد أو دفع بلاء محتمل في الحرب مع الشهوات أو الشياطين أو فسقة الجن والإنس.
2- التسليم : أي التسبيب للسلام أو قل إيجاد سبب السلام، "سلمك الله" أي اوجد السلامة فيك.

عن كتاب دعائم الإسلام إن رسول الله (ص) كان يطوي فراشه ويشد مئزره للعبادة في العشر الأواخر من شهر رمضان وكان يوقظ أهله ليلة ثلاث وعشرين وكان يرش وجوه النيام بالماء في تلك الليلة وكانت فاطمة صلوات الله عليها لا تدع أهلها ينامون في تلك الليلة وتعالجهم بقلة الطعام وتتأهب لها من النهار أي كانت تأمرهم بالنوم نهارا لئلا يغلبهم النعاس ليلا وتقول محروم من حرم خيرها.

د. علي سعيد الجابري
 

Share |