كيف نفهم ما يحدث في العراق/حسين الشويلي

Tue, 25 Mar 2014 الساعة : 23:55

أبدأ بأطلاق فرضية على شاكلة سؤال - لو قيض أنّ رئيس الحكومة هو رئيس وزراء فرنسا أو اليابان وأن شئت قل رئيس أمريكا .هل ستختفي مشاكل العراق على مختلف الأبعاد ؟
ونتائج الفرضية موجة الى أصحاب الأحكام الغير مسبوقة بالقناعات . أما أولئك الذين تسبق قناعاتهم أحكامهم فمهما تكن النتيجة سوف لاتغير في طريقة تفكيرهم وآرائهم السياسية , لسبب بسيط أنّ هنالك من يفكّر نيابةً عنهم وما عليهم الاّ أن يأخذوا أنطباعاتهم بطريقة معلبة وجاهزة للأستخدام , دون عمل العقل وأستخلاص النتائج دون تلقين أو وصاية من مثلهم الأعلى الذي عادةً يكون زعيم هذا الحزب أو تلك الكتلة السياسية .

بيد أنّ هنالك حقيقة لايمكن نكرانها ومفادها . أنّ الشعب والمتعاطين للجانب السياسي منقسمين الى نوعين .
مَن تسبق قناعاته أحكامه .. ومَن تسبق أحكامه قناعاته وهم قلّة .

وأزمات العراق بكل أبعادها تتمدد على هاتين النزعتين . فالأزمة التي تبدو بأحايين كثيرة على أنها سياسية , أو هكذا يفهما البعض , هي أزمات أخلاقية وضحالة فكرية تنبت في مدارك الفرد العراقي والعقل الجمعي بصورة عامة . وساهمت الأستقطابات الحزبية والمذهبية والقومية والمناطقية بتعقيد الأزمة وتحويلها من حالة,, الى ظاهرة . ونتج عن هذه المقدمة , ثقافة تؤكدها الوقائع والأحداث والخطب السياسية وغيرها من الممارسات .

وتلك الثقافة جعلت من أسم الحزب مبرر لرفض أي مشروع يصدر عنه من قبل أفراد وجماعات تتقاطع أيديلوجياً أو مناطقياً مع مطلق وصاحب المشروع . لأن الفهم الحاصل لدى الفرد أو القناعة بأن كل ما يصدر عن الحزب أو الشخصية الكذائية لابد وأن يكن مجانب للمصلحة الوطنية وتصب بخانة النفع الحزبي وتصنّف على أنها دعايةٌ حزبية وأستحقاق أنتخابي .
وكم خسر العراق فرص أمنية وأقتصادية ثمينة جرّاء هذا النمط من التفكير التخويني .

وشق ثاني من الفهم الخاطئ الذي أفضى الى ممارسة خاطئة , والتي نعيش بعض من آثارها السلبية على كافة الأبعاد . أنّ الجلّ الأعظم ينظر الى دول العالم التي تعج بالديمقراطيات والديكتاتوريات ولم يقم على عرض مايحدث في العراق حكومياً وسياسياً على تلك الديمقراطيات والديكتاتوريات . كي يستطيع أن ينتج تقيّماً واقعياً معياره الواقع وليس عالم أفتراضي نسجته الخطب السياسية والأقلام التي تنضح بالعهر والأكاذيب .

ويمكن أن نذكر جزء من سلوكيات حكومية توصف عراقياً على أنها أكثر منّا ديمقراطية -- ماحدث في تركيا وتحديداً في ساحة تقسيم من تظاهرات وكيف عولجت من قبل الحكومة التركية ببضعة أيام - يقابلها ماحدث من تظاهرات في الأنبار وكم من الوقت أستمرت والطريقة التي تمّ من خلالها فضّها . ماحدث من فضح لرئيس الوزراء التركي على موقع تويتر , وكيف تعاملت معه الحكومة التركية بوقت قصير - يقابله صحيفة المدى والسماح لقناة البغدادية وغيرها وحتى صحيفة الشرق الأوسط السعودية ( في معرض الكتاب الذي أقيم في السعودية العام الفائت حيث تمّ منع دواوين الشاعر بدر شاكر السياب من العرض , ولايمكن لنا تفسير السبب الاّ لأنه شاعر عراقي ) . منع بقرار حكومي من التحدّث باللغة الكردية في تركيا حتى في الأماكن الخاصة بالقومية الكردية . يقابله وجود اللغة الكردية والتركمانية والسريانية وغيرها في دوائر الدولة ولديهم الصحف والمواقع والفضائيات بقرار حكومي في العراق .
ولانريد تحقيّر السياسة العراقية ونعمل على مقاربة بينها وبين حكومات المشايخ الخليجية فالبون شاسع , أنها حكومات ليست تمنع حق التظاهر بل تقتلع معالم أمكنة التظاهر كما حصل في ساحة لؤلؤة البحرينية . أو حكومةٌ تصدر مرسوماً ملكياً بأن ( مبايض المرأة تتفسخ وتتعفن حين تمارس المرأة السياقة ) ! أنها أنظمة شاذة أخلاقياً وسياسياً وثقافياً . ونجد في العراق من يعمل على نقل تجربتها الى العراق ! كما تكافح متحدون ووطنيون لأجل هذا الغرض .
وتحاشياً للأستطراد لكن الأمثلة كثيرة في عالمنا العربي وغير العربي , لكن الفرد العراق أو بعضهم يحمل أحكاماً مسبقة فتجعل تلك البذائة التي تصدر من حكومة تركيا ديمقراطية نعوز اليها في العراق .

وعلى البعد الوطني , يمكننا أن نلاحظ الفروقات الكبيرة والكثيرة أن تجردنا عن مصادر أنفسنا التي تعمل بالقناعات المسبقة , والضجيج الذي أحدثه تيار مقتدى الصدر في قضية تعد من أوضح البديهيات في بلاد تدعي لنفسها - الديمقراطية - اليس مقتدى الصدر الفرد الأكثر أستخداماً وتياره لمفردة - ديكتاتور ؟ لكن أنتفض بطريقة بدائية وعنيفة لأجل مفردة قيلت بحقه أثارت حفيظته . كيف لفرد يوصم الآخرين بالديكتاتورية لكنه ينتفض ويحرق ويهشم حين يتعرض للنقد المؤدب , والديكتاتور يعفو . نعم أنها نكبة المقاييس عندنا .

لو قيض للعراق أن يحكمه رئيس وزراء فرنسا أو اليابان أو أي من الدول الناجحة . هل ستؤول مشاكل العراق الى الحل النهائي ؟ القوانين مهما كانت ناجحة فلن تكن ناجحة ومثمرة حتى يطبّقها شعب متحضر أجتماعياً . فالأستعداد النفسي لابد أن يكون موجوداً لتقبل القوانين . وليس القانون من يصنع الأستعداد النفسي المصطلح عليه ( بالضمير الأنساني ) فأحترام القوانين والمحافظة على النظام و نظافة المدن والهدوء هي أخلاقيات وأنبثاق تلقائي فيأتي القانون لينظمه لا ليوجده عند الأنسان . والدليل أنّ الجاليات العراقية في المهجر ومنها مضى عليها العقدين وأكثر في أنجح البلدان تمدناً نجد تلك الجاليات غالبيتها من أسوء الجاليات وأكثرها فوضوية وهتكاً للقوانين ,
ورغم صرامة القوانين في بلاد الغرب لكنها عجزت أن تجعل من كثير من أفراد الجالية تتحرك وتتعامل بنزعة متحضرة ومقبولة أجتماعياً في تلك الدول . وكأنها مازالت تعيش في العراق , فهل السبب في أنحدارها الأخلاقي والسلوكي هي الحكومة أم أنها - تبعات البعث التي كونت الشخصية العراقية الحالية بكل سلبياتها ومن أهم تلك السلبيات أنتزاع الشعور بالوطنية والامبالاة وعدم أحترام القوانين . فعراقيّ المهجر غالبيتهم لا يختلفوا عن عراقيّ الداخل مع الفارق في نوع الأنظمة التي تحكم هؤلاء وهؤلاء ونوع النظام السياسي .

الذي يعانيه العراق ليست أزمة سياسية بل هي أزمة أخلاقية بأمتياز . 

Share |