زفرات من انين البذور .../كريم شلال
Mon, 24 Mar 2014 الساعة : 12:32

قراءة في ديوان ... دمية عالقة في اسلاك شائكة /لابتهال بليبل
كريـــــــــــم شلال
فلست سوى عميــــاء
انني خرســـــــــاء
حزينة ...
تدفع ثمن كل هذه الهزائم
بثياب سوداء
صرخات متتالية تطلقها سندريلا ، مشوبة بسوداوية القلق المتأتي من البلاد الغارقة بالعتمة ، مسارب وتيه لعوالم المجهول ، زفرات من هنا وهناك لعوالم بعيدة ، تصل مسمع الشاعرة ، تترجمها الفاظا تصيرها عصافيرا وغربانا ، بل حماما زاجلا ، يحلق في سماوات التيـــــــــــه .
ان الدخول الى عوالم الشاعرة ، غور في خبايا النفس ، وسراديب الحزن المكنون بالالم المتاتي من ماض جميل افل ، وات مقيت طويل ، حيث مداخل الالفاظ ، وتوالي الرموز والاشارات ، التي تنتشر بين ثنيايا نصوصها التي تفوح بالبارود ، ورائحة الموت التي تراها في كل امكنتها ، وهي تصرخ :
زحام ...
عجلات كثيرة !
ارتدت الرحيل مبكرا ...
هروب مبكر ..
فانت جائعة للرحيل
رحيل المجهول .. وهروب الى حيث المفخخات المقلقة ، الى سخونة المدينة وقلقها . هي رحلة مبكرة مع حرائق النفس وفتات الامال بخطوات مسروقة ، تتعالى هواجسها ، تطير دائم بشبح الموت القادم :
هكذا يموتون ..
رؤية قد لايراها غيرها ، اندثار للانفاس ، وقضم للحياة ، حيث " اكفان قصيرة " تصرخ بها ، لاصحاب الضمائر الحية ان " عودي الى ضمائر الغياب " كانها لم تجد حاضرا تناجيه ، بعد ان التقم الموت كل احبتها ، حيث ترى :
ان الدار خراب
وحيث مناظر اليأس والقنوط تتوالى تباعا ، بعد ان تأبن نفسها ، اذ تراها فاقدة للحركة " دمية عالقة في مخالب الموت " تقول :
وكان الجسر يوقظ دائما فينا
وحش الذكريات النائم
هي صورة رامزة لسراب امل من بعيد ، تمني النفس المتهالكة فيه " جسرا " كانه المنقذ لهذياناتها ، لكن شؤمها بالاتي يصور يأسها بوحش يهاجمها لذا تخيلت انها " التائهة " في زحمة الموت ، وخواء الضمائر ..
الصور الشعرية كانها متوالية عددية ، تبدأ من مدينتها التي لازالت متانقة بلون السواد ، وثمة اشباح تتبعها ، برغم خناجرهم العرجاء ، لكنهم يحملون الضغينة ، لتبدأ رحلة سفرها الطويل :
تمشي الان وحدها
ومسافات الرحيل
حيث صورة الجسد المنهك ، واحلام مشرعة لسكاكين غدرهم ، تقول :
جسدي رحيل طويل نحو احلامي
واحلامي بوابة ...
تدخلها سكاكينهم
تفتح ابواب امالها ، لكن الامها وحدها من تطرق الابواب ، حيث وحش الخيانة من الاغراب والدخلاء ، في مدينتها ، الذين يقتلون الابداع وصوت الشعر :
هذه المدينة
كل شوارعها
تركض خلفي لقتلي
غربة للذات ، وللمكان ، فالاغتراب ظاهرة مصاحبة للوجود الانساني ، لان الوجود معناه الغربة كما يذهب "شاخت " تجسدها بزركشات منسالة كما الدموع على جبين الاطفال ، وثوب بهتت مقاساته ، شعور قاسي ببرد متتابع ، انها ايماء الى فقدان الدفء :
ذاع بين طياته حيث الدفء
ذلك الثوب ...
فضفاضة مقاساته هذه المرة
نتلمس حالة السكون ، الذي يخلق موقفا يشير الى " لاجدوى الحاضر " ووفقا لما تراه الشاعرة ، فانها هجرة لدنياها ، لعلة مرتبطة بماض وولى ، ليترك خلفة "غربة " واضحة ، حيث التمسك بعرى الوهم " قلعة الثلج "، بعد هروب احلامها: وانا اسكن قلعة من الثلج
حيث حلم الهروب
وان كان ما تراه مقلق ، وخارج قدراتها ، لذا اتخذت " يوتوبيات " حلمية كمنقذ لما الت اليه حياتها ، بالرجوع الى طفولتها :
حيث يشم عجوز رائحة طفولته ...
ان الوقوف على الماذن والقباب ، ماهي الا محاولة لللتغني بزهد ومجد تليد ، هي عودة الى امكنة خفت و سكن صوتها وخيم عليه صمت مطبق " اشارة الى مشاهد الذبح والقتل والترويع " ، تقول :
ايها الماذن المحطمة ...
ايها الصمت
خراب وهلاك للحرث والنسل ، لبلد انهكته الفتن ، والتقمته براثن الخبث والدسائس ، رؤية قد تكون سوداوية ، تقول :
شاخ الدمع ...
شاخ فستاني الابيض
شاخ الوطن
ان الشعراء اكثر الناس تعرضا للاغتراب ، لذا حاولوا الهروب من مخالبه بوسائل شتى ، ويظل عزاؤهم الاوحد الانقطاع الى الله تعالى كملاذ لحزنهم ، والتخلص من ذلك منوط " بالعناية الالهية " كما يراه " شاخت " لذا توجب عليهم الفناء " الانقطاع الى الله " المنوط بالعزلة والانكفاء على الذات ، وقد ياخذ بعضهم قالب التصوف وهجر الحياة ، وارتداء السواد ، وهذا ما نتلمسه عند شاعرتنا :
حزينة ...
تدفع ثمن كل هذه الهزائم
بثياب سوداء
حيث هجرها لملذات الحياة وجلدها لنفسها ، حيث تفضل فقدان نعمة البصر ، عن رؤية ماتراه :
فلست سوى عمياء
بل يشتد اغترابها اكثر لترفض تعمة اخرى ، لاتستسيغها " نعمة النطق " ، لتقول : انني خرساء
ولا تنتهي صورها الماساوية ، الخالية من وهج الحياة بل تتصاعد همومها اكثر وهاهي ذاهبة نحو حتفها بخطوات حافية ، خالية ، بصورة تحمل بعدا نفسيا وان كان قاسيا " صورة الانتظار " الا انه يصور نسغا مجهدا صاعدا رغم انفه الى هاويته ، تقول :
وتنتظر ...
صعود خطواتي الحافية
نحو الهاوية
يعد ديوانهاالصادر عن " دار اكد / القاهرة " بصفحات عددها " 128"وبالحجم المتوسط / وبواقع قصائد عددها " 58 " دمية ناطقة برغم الاسلاك التي اخترقت جلدها الناعس ، لكنه مثقلا ، يحمل قضية يناى عن حملها الكثيرون ، لكنها سطرتها صورا شعرية تفوح بالوجد والماسي لبلد تلتقمه الاحداث وتقضم انفاسه النزاعات ، صورا تترى بين صرخة طفل ، وامراة ثكلى ، ووجع شاعر ، ترسلها على اجنحة الطيور السابحة في فضاءات الاخيلة ، ناثرة شفيف حزنها الى علياء السموات ، لتجد عزاءا لها بالقصيد ومناجاة لاراحة ضميرها المثقل من صدا السنين ومواجع الالم .
.