المُعنَّى بن حارثة الشيباني ودوره في فتوح العراق/عبد الهادي الطهمازي الربيعي
Sat, 22 Mar 2014 الساعة : 11:03

ليس ثمة خطأٍ في العنوان، فإنا لا نقصد المثنى بن حارثة الشيباني، وإنما نقصد أخاه، فهو الآخر من القادة الشجعان الذين أسهموا بشكل فاعل في انتصار الإسلام وانتشاره في العراق وبلاد فارس، إلا أن من المؤسف أن المُعنَّى لم يأخذ حظه من الشهرة، بالرغم من جهاده الطويل مع أخيه في الفتوح الإسلامية.
قبيلته
بنو شيبان بطن من بكر بن وائل كبرى قبائل ربيعة بن نزار، كانوا يسكنون الأطراف الجنوبية الغربية من العراق، وكانت من القبائل الكبيرة الممارسة للحروب حرب البسوس، ومعركة ذي قار.
وقد عرض النبي|في أحد المواسم عليهم حمايته، حيث كان العرب يحجون الى مكة، فالتقى|بسادة بني شيبان، وفيهم المثنى بن حارثة، فأجابه المثنى بكل احترام: ((قد سمعت مقالتك يا أخا قريش... وإنا إنما نزلنا بين ضرتي اليمامة والشامة، فقال رسول الله|: ما هاتان الضرتان؟ فقال: أنهار كسرى ومياه العرب، فأما ما كان من أنهار كسرى فذنب صاحبه غير مغفور وعذره غير مقبول، وأما ما كان مما يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور وعذره مقبول، وإنا إنما نزلنا على عهد أخذه علينا أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا، وإني أرى أن هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا قرشي مما تكره الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا، فقال رسول الله|: ما أسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه...)) (الأنساب: السمعاني:1/40). وفي السنة التاسعة للهجرة أرسلت بنو شيبان وفدا الى النبي|يعلنون فيه إسلامهم (سبل الهدى والرشاد: الصالحي الشامي:6/348)، ثم كان لبني شيبان دور بارز في فتوح العراق.
أسرته
والمعنى من أسرة عريقة النسب، فأخوه الأكبر المثنى بن حارثة الشيباني الممهد الحقيقي لفتوح العراق، وأخوه الآخر مسعود بن حارثة كان من القادة أيضا، وكان المثنى يجعل أخاه المعنى على الخيل في الحروب، ومسعودا على الرجالة، فاستشهد مسعود في واقعة البويب، وأما المثنى فمات في شراف بعد إصابته في معركة الجسر.
المُعنى ودوره في الفتوح
حضر المعنى كل المعارك التي خاضها أخوه المثنى في الفتوح، وهي تعد بالعشرات كمعركة الجسر والبويب وأُليس ويوم سوق الخنافس (قرب بغداد) والحيرة وغيرها، إلا أن ما يؤسف له أن المؤرخين أهملوا ذكر المعنى في الكثير منها، وإليك بعض تلك المعارك التي كان للمعنى فيها دور وذكر.
1_ فتح حصن المرأة
حصن المرأة، حصن قرب البصرة لامرأة تدعى كامورزاد، وسمي الحصن باسمها لأن أبا موسى الأشعري نزل بها فزودته خبيصا _وهو نوع من الطعام_ فجعل يقول: أطعمونا من خبيص المرأة فسمي حصنها بذلك (المثنى بن حارثة: محمد فرج:25) قال الطبري:2 /556 ، متحدثا عن معارك المثنى في البصرة: ((وخرج المثنى حتى انتهى إلى نهر المرأة، فانتهى إلى الحصن الذي فيه المرأة، فخلف المعنى بن حارثة عليه فحاصرها في قصرها، ومضى المثنى إلى الرجل فحاصره، ثم استنزلهم عنوة فقتلهم واستفاء أموالهم، ولما بلغ ذلك المرأة صالحت المثنى، وأسلمت فتزوجها المعنى))
2_ معركة المذار
بعد الخسائر التي مني بها الساسانيون في البصرة في السنة المذكورة، كتب قائدهم هرمز الى الملك أردشير يستمده، فأمده بالجيوش فعسكروا بالمذار، وكتب المثنى والمعنى الى خالد بن الوليد بالأمر، فجاء بمن معه من المقاتلين، فوجد المثنى ومن معه على تعبئة واستعداد للحرب، ونشب القتال فقتل من المشركين مقتلة عظيمة وانهزم الباقون. (المصدر السابق:2/557)
3_ معركة بابل
قال ابن الأثير في الكامل:2 /415: ((وأما المثنى فإنه لما ودع خالد بن الوليد، وسار خالد إلى الشام فيمن معه بالجند، أقام بالحيرة، ووضع المسلحة، وأذكى العيون، واستقام أمر فارس بعد مسير خالد من الحيرة بقليل، وذلك سنة ثلاث عشرة على شهربراز بن أردشير _ملكا جديدا_ فوجه إلى المثنى جندا عظيما عليهم هرمز جاذويه في عشرة آلاف، فخرج المثنى من الحيرة نحوه، وعلى مجنبتيه المعنى ومسعود أخواه فأقام ببابل، وأقبل هرمز نحوه.... فالتقى المثنى وهرمز ببابل فاقتتلوا بعدوة الصراة الدنيا على الطريق الأول، قتالا شديدا؛ وكان فيلهم يفرق المسلمين، فانتدب له المثنى ومعه ناس فقتلوه وانهزم الفرس، وتبعهم المسلمون إلى المدائن يقتلونهم))
4_ معركة البويب
وهي آخر معركة قادها المثنى وذلك سنة ثلاث عشرة للهجرة، فبعد مقتل أبي عبيد الثقفي كتب المثنى الى عمر يطلب أن يمدَّه بالجيوش، فأمده بجرير بن عبد الله البجلي في جند من اليمن، واجتمع النصارى من بني النمر بن قاسط _وهم بطن من ربيعة_ فقالوا نقاتل مع قومنا، فالتحقوا بالمثنى.
وبعث رستم أحد قواده واسمه مهران الى الحيرة، فسمع المثنى ذلك وهو بين القادسية وخفان، فكتب إلى جرير وكل من أتاه ممدا له يعلمهم الخبر، ويأمرهم بقصد البويب، فانتهوا إلى المثنى وهو بالبويب ومهران بإزائه من وراء الفرات، فاجتمع المسلمون بالبويب قرب الكوفة، وأرسل مهران إلى المثنى يقول: إما أن تعبر إلينا وإما أن نعبر إليك؟ فقال المثنى: اعبروا. فعبر مهران فنزل على شاطئ الفرات وعبى المثنى أصحابه، فكان على مجنبتي المثنى بشير بن الخصاصية، وبسر بن أبي رهم، وعلى مجردته (الخيل) المعنى أخوه، وعلى الرجالة مسعود أخوه.... وحمل المثنى على قلب قوات مهران وحملت الميمنة والميسرة واستمرَّ القتال حتى الليل، وقتل مهران وولى الآخرون هاربين. (الكامل في التاريخ: ابن الأثير:2/443)
5_ المعنى ومحاولة قابوس استمالة العرب
أصيب المثنى في معركة الجسر لكنه تحامل واشترك في معارك أخرى، حتى ثقل عليه جرحه فحمل الى شراف _وهي منطقة في الصحراء_ ومعه أخوه المعنى، وعيَّن عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص قائدا لجيوش المسلمين في العراق، فمات المثنى وقد كتب وصية لسعد، وأمر أخيه المعنى أن يدركه في زرود ليسلمه الوصية، لكن المعنى رأى أمرا أكثر أهمية من تسليم الوصية، وذلك أن أحد قادة الفرس كتب الى قابوس بن قابوس بن المنذر _وهو من سلالة آل المنذر اللخميين ملوك الحيرة_، كتب إليه أن يدعو عرب العراق لنصرة الدولة الساسانية، وأن يمنيهم بالعطاء، فجاء قابوس ونزل القادسية محاولا استمالة سادة بكر بن وائل ليقاتلوا الى جانب الفرس، فرأى المعنى بن حارثة إن إقناع قابوس بالكف عن هذه الدعوة أهم من لقاء سعد، فعدل الى القادسية والتقى قابوس وأقنعه باتخاذ موقف محايد وبتعبير الطبري:3 /10 ((أنامه ومن معه، ثم مضى الى سعد)) أقول: إن دلَّ هذا على شيء فإنما يدل على حرص المعنى على الجيش الإسلامي من جهة، وعلى منع القبائل من الخيانة والارتماء في أحضان الأجنبي من جهة أخرى.
6_ المعنى يتسلم مهام المثنى
وما أن فرغ من مهمته تلك حتى أسرع الى ذي قار، وهناك التقى سعدا وسلمه وصية من المثنى تتعلق بالحرب، فشكره سعد وجعله أميرا على فرقة من الجيش بدل أخيه المثنى. (المصدر السابق:3/10)
7_ موفدا الى كسرى
قال الطبري:3/24: لما اجتمعت جيوش كسرى، جمع _سعد_ نفرا من أصحابه فيهم شرف نسب، ولهم آراء، ونفرا لهم منظر وعليهم مهابة ولهم آراء، فأما الذين عليهم نجار (شرف نسب) ولهم آراء ولهم اجتهاد: فالنعمان بن مقرن..... وأما من لهم منظر لأجسامهم وعليهم مهابة ولهم آراء: فعطارد بن حاجب... والمعنى بن حارثة فبعثهم دعاة إلى الملك.
وحضر المعنى وقعة القادسية وهو سيد قومه بعد أخويه المثنى ومسعود، إلا أن التاريخ وللأسف أغفل دوره في هذه المعركة وما تلاها من أحداث، فلم أعثر على ذكر له فيما بين يدي من الكتب، ولكن المتيقن أن بني شيبان عامة وآل المثنى خاصة انخرطوا في صفوف جيش الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب×، فحضروا معه الجمل وصفين والنهروان، وأبلوا فيها بلاءا حسنا حتى كانوا موضع ثناء الإمام× وإعجابه، فقد سئل يوما: أيُّ القبائل وجدت أشدُّ حربا بصفين؟ فقال×: الشعر الأذرع من همدان، والزرق العيون من شيبان. (انساب الأشراف:3: البلاذري: 167) ، واستشهد ثمامة بن المثنى بن حارثة في معركة الجمل، وكان ثمامة أول شخصية نعاها الإمام×لأهل الكوفة، فبعد أن وضعت حرب الجمل أوزارها كتب× الى عامله على الكوفة: من عبد الله علي أمير المؤمنين، أما بعد، فإنا التقينا في النصف من جمادى الآخرة بالخريبة فناء من أفنية البصرة، فأعطاهم الله عز وجل سنة المسلمين، وقتل منا ومنهم قتلى كثيرة، وأصيب ممن أصيب منا ثمامة بن المثنى..... (تاريخ الطبري: 3/ 545).
استنتاجات
بالرغم من عرضنا لنماذج قليلة من المعارك التي خاضها العراقيون القدماء في سبيل تحرير بلادهم من السيطرة الأجنبية، إلا أنه يمكن أن نخرج بالنتائج التالية:
1_ كانت معركة ذي قار التي خاضها العراقيون القدماء، والتي جرت بعد غزوة بدر بأربع أو خمسة أشهر (الاستيعاب: ابن عبد البر:1 /73) هي العامل الرئيس في أضعاف قبضة نظام كسرى في العراق، وتراجع حامياتهم أمام غارات بني شيبان.
2_ استمر العراقيون يجاهدون من أجل تخليص وطنهم من السيطرة الأجنبية لمدة تربو على العشر سنوات _من السنة الثانية حتى الثانية عشرة للهجرة_ بمفردهم ومن دون مساعدة الحكومة المركزية في المدينة المنورة لهم، حتى أنهم كانوا يسمعون في المدينة بالمثنى وبطولات قومه دون أن يعرفوه كما مرَّ قبل قليل، ثم أتتهم الإمدادات بعد هذا التاريخ، على أنها كانت قليلة مقارنة بمقاتلي الداخل.
3_ بالرغم من أنهم تحملوا مسؤولية الجهاد في هذا الثغر لسنين طويلة، وبالرغم من أنهم أصحاب الأرض، إلا أن مركز الخلافة أبى أن يجعل القيادة بيد المثنى أو غيره من العراقيين فأرسل أبو بكر خالدا أميرا عليهم سنة 12 هـ، ثم أرسل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أبو عبيد الثقفي أميرا عليهم، وبعد استشهاده واستشهاد المثنى أرسل سعد بن أبي وقاص قائدا، ولم يختاروا أحدا من العراقيين لقيادة تلك الجيوش، والواقع: كان العراقيون أولى من غيرهم بالقيادة، لمعرفتهم بطبيعة الأرض، وخبرتهم بقوة العدو وتكتيكاته الحربية.
4_ إن غالبية الجيش الذي فتح العراق كان من العراقيين أنفسهم، كبني شيبان، وبني عجل، وعنزة، وبقية بكر بن وائل، وعبد القيس بن أفصى، وتغلب، والنمر بن قاسط، وطيء (أمراء الحيرة آنذاك)، وتميم، وبني أسد بن خزيمة وغيرهم.
5 _ اشترك في الفتح من أسلم منهم ومن لم يسلم، فحتى من كانوا يعتنقون دين النصرانية حضروا الفتوح كما حصل في وقعة البويب، وفتح تكريت وغيرها من الوقعات.
6 _ انخرط هؤلاء المقاتلون في صفوف جيش الإمام علي×في معاركه الثلاث خصوصا آل المثنى بن حارثة حيث والوا آل البيت^، فاستشهد ثمامة بن المثنى في معركة الجمل كما مر، وكان أخوه عبد الرحمان بن المثنى مواليا لآل البيت حتى أنه استنكر على عامر بن الأسود العجلي تزويج بنته لعبيد الله بن زياد، فضربه عبيد الله وسجنه (إكمال الكمال:ابن ماكولا:4 /437) ، فهؤلاء هم أسلاف الشيعة ومجاهدوهم في نشر الدعوة الإسلامية.