مقالات في الشأن العراقي/د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

Fri, 21 Mar 2014 الساعة : 19:03

الانقلاب على الدستور وإلقاء التبعات على كاهل الآخرين؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

[email protected]

 

منذ الاتجاه نحو تشكيل الحكومة الاتحادية ببغداد، وُلِدت عرجاء، تتعكز، بسبب تأسّسها على فكرة أما أنا أقود وإلا فلا حكومة اتحادية ولا شراكة ولا توافق! وجاءت الحلول من القيادات الوطنية على أساس أنَّ المشكلة ليست في الكرسي ولا المسؤولية الأولى ولكنها في آليات العمل والاتجاه لتطويرها وتنمية ممارستها تدريجا في العراق الجديد... إلا أنّ ما جرى من الطرف المقابل كان يقوم على التدرّج في قضم الآخر وحقوقه. فجاءت الخطوة التالية بسحب الصلاحيات من الشركاء وممثليهم في الحكومة الاتحادية؛ واحتكار الوزارات الأمنية والعسكرية كافة واستغلال نظام الوكيل كي يأتي على ما تبقى من إمكانات ممارسة العمل التوافقي وتعطيل فرص العمل المؤسسي بخاصة منه ذلك الذي يقوم على تفعيل أدوار السلطات التشريعية والقضائية والمدنية بوصفها سلطة رابعة...

وبرامجيا، في وقت جرى تعطيل برامج الشراكة تم الدفع بأسلوب افتعال الأزمات المتعاقبة بسلسلة متوالدة إذ ما أنْ تخرج من واحدة حتى تدخل في أخرى. واستراتيج اللعبة تلك رافقه تعبئة إعلامية بخطاب سياسي تمكن عادة من إطلاق محاولات تضليلية تلقي التبعات على الآخرين. وعادة ما اعتمدت تلك السياسة على  محاولة استغفال وعي الشعب ومحاولة استغلال آلية استدعاء مشكلات محفورة في سجل النظم السابقة التي كانت تغذي حالات الاختلاف والاصطراع المفتعل بين مكونات الشعب...

إنّ التدرج في الكشف عن جوهر السياسة الخاصة بإدارة الحكومة الاتحادية، قد بدأ إذاً أولا بالتمسك بأخذ تلك المسؤولية مستغلا مرونة الآخر وأساليب المراوغة وعلى إطلاق العهود والنكث بها وكذلك الاعتماد على الضغوط المحلية والإقليمية والدولية؛ ثم جاء بعده توسيع دائرة الانفراد بسلطة القرار عبر آليات سحب الصلاحيات واستغلال نظام الوكيل ممثلا لرؤية خاصة فردية فضلا عن حصر أدوات سلطة القوة وجعلها خاضعة حصرا لصوت منفرد لا تقبل الجدل والحوار ولا ممارسة أية توافقات وطنية...

ومن بعد ذلك باتت تظهر، تدريجا حالات الإيقاع بالشركاء بلعبة أحابيل الاتهامات الجاهزة وملفات تجريم الآخر بوساطة عناصر قضائية مسيسة لينتقل من ثمّ إلى مرحلة التصفيات التي أدخلت البلاد بشرخ الانقسام الطائفي ميدانيا وخضوع المؤسسة العسكرية مثلما غيرها من مؤسسات الدولة لخطاب طائفي مكشوف بخاصة في عمليات تلك القوات بالأنبار وغيرها من المواقع، والأخطر أنّه بات يجري استغلال تلك القوات ليس ضد مكون واحد بل باتت مقدمات استغلالها واضحة ضد الجناح الرئيس الآخر للعراق الفديرالي ممثلا بالكورد، عبر تصريحات وأفعال مكشوفة!

وهذا الخطاب السياسي من حيث إسفاره اليوم عن عدائية واضحة للكورد؛ طالما كان الورقة العابثة بأيدي سلطات النظم السابقة التي حكمت بغداد..واليوم تعود النغمة بدءاً بتشكيل قوات دجلة ونظيراتها مخصوصة لميادين تحاول استفزاز الكورد يرافقها خطاب سياسي إعلامي استعدائي واضح مع إثارة مشكلات تخص برامج العمل فتعطل المؤسسات الاتحادية، لمصلحة من يتحكم بالأمور وينفرد بها، على حساب كل مكونات الشعب.. وعليه فإن جوهر الحقيقة ليست محصورة بالإضرار بالكورد وحدهم والدليل أنّ تلك السياسة لم تبنِ لا مدرسة ولا مصنعا ولا مزرعة في أيّ من محافظات مَن تدعي تمثيلهم وتتزلف زورا وبهتانا إليهم وهم ضحايا خطاب الطائفية الذي تحمله، مثلما بقية قطاعات الشعب ومكوناته ولكنهم يُرسلون إلى محارق تهلكة لحروب الطائفية..!!

لقد وصل الخطاب العدائي أبعد من الجهر بتصريحات ضد القيادات الكوردستانية ومحاولة تحميلها أسباب الأزمات المفتعلة من طرف تلك الجهات، إنّما وصل الأمر بشكل أخطر إلى حدّ الإمعان في سياسة حصار اقتصادي طاول أبناء شعب كوردستان في لقمة العيش بقطع رواتبهم! أو بصيغة تعبير مباشرة قطع مصادر الرزق ولقمة العيش!! بممارسة مزايدة فجة وضعت لقمة عيش المواطن الكوردستاني في منطقة السجالات السياسية والمقايضة بين لقمة العيش والقبول بمآرب سياسية ضيقة هي في الخلاصة محاولة لاستعادة سلطة المركزية وطغيانها على شعب كوردستان الذي دفع ثمنا لحريته لا مقدار الخراب الذي حل به ولا دمار ما يقارب الـ5000 قرية ومدينة كوردستانية حسب بل أرواح أبنائه ودمائهم الأغلى والأسمى.. والدرس يقول: أنْ لا عودة إلى الوراء حيث زمن التحكم برقاب أحرار لا يقبلون الذل ولا الاستعباد...

الأخطر في معركة الانفراد بالسلطة وممارسة طغيان الفردية هو المرحلة الجديدة التي تسبق الانتخابات مباشرة؛ إنها مرحلة التصريح المكشوف والمعلن الذي يُسْفِرُ عن جوهر عدائي وتبرير للقطيعة ومن ثمّ للاتجاه إلى قرارات أسوأ بتداعياتها. وفي ضوء ذلك لا يمكن لمنطق أن يقرأ تصريحات السيد المالكي التي يتجاوز بها على السلطة التشريعية مؤكدا أنه سيكون فوقها وسيمارس مهامه بمعزل عنها، لا يمكن أن يقرأ هذا بحدود إلغاء وجود البرلمان سلطة تشريعية منتخبة حسب بل الأمر بجوهره تجاوز على الكتل السياسية الأخرى ومن ثمّ إقصاء صريح ليس لتلك الكتل بل لمن تمثله تشريعيا وكونه إلغاء للتعددية وتجاوز على أكثر من مكون عراقي فهو في جوهره تجاوز على الشعب وضرب لصوته عرض الحائط..

إن ثقافة إلغاء المؤسسة، إلغاء القانون، إلغاء السلطة التشريعية هي إلغاء لمبدأ الخضوع لإرادة الشعب ومن ثمّ إعلان رسمي للإجهاز على النظام الديموقراطي وآليات العمل فيه، كما أنها إجهاز على إرادة الشعب في التغيير وحقه في أن يكون صوته الأسمى دستوريا كما تقره كل الشرائع والقوانين الأممية والوطنية...

إنّ الادعاء بأن الحل يكمن بيد طرف أو شخص بعينه وأن كل الآخرين هم قوى عرقلة أمر لا يقبله منطق ولا يقره قانون. ومن ثمّ وجب اليوم قبل الغد الالتفات إلى ما يجري كونه انقلاب على الدستور من جهة وكونه انقلاب يتوّج الخطوات الانفرادية لينقلها إلى نظام دكتاتوري لن يكون في ظله أية إمكانات للتداولية ولآليات الحوار الديموقراطي حتى بأبسط أشكالها..

والقضية هنا تفصح عن معالمها من تفصال قانون الانتخابات بطريقة تدير الأمور لمصلحة البقاء بسدة السلطة. كما توفر الغطاء لإرهاب المجتمع وعسكرته بطريقة تلغي القيم المدنية وتسطو على الأجواء بطريقة البلطجة التي من بين مفرداتها الاغتيالات والتصفيات الجسدية ورفع الغطاء الأمني عن المنافسين بطريقة تعرضهم لتلك الجريمة وفي حال عدم التمكن من ارتكاب تلك الجريمة التصفوية تمارس الضغوط لإبعاد المرشحين إو إقصائهم من التنافس أو منعهم من العيش بمناطقهم ومدنهم أو حتى ترحيلهم إلى خارج البلاد...

ولمن يريد أن يقرأ بدقة وموضوعية عليه أن يجمع كل هذه المفردات معا كيما تكتمل الصورة واضحة.. وأبرز ما فيها خطاب العداء الذي لم يكتفِ بحدود الموقف من القيادة الكوردستانية بل أسفر عن عداء مباشر للكورد شعبا وبات يمارس لغة الحصار والضرب في حياة الإنسان عبر الضغط عليه من لقمة عيشه.. ولمن يتحدث عن وقوف مع هذا الطرف السياسي أو ذاك نقول إن لقمة العيش ليست قضية تقبل وضعها بإطار سجالات سياسية وأداة تضاغط وابتزاز. ومَن وضعها في هذا الإطار يمارس جريمة العقوبات الجماعية المحرمة دوليا والمحظورة إنسانيا بشكل قاطع...

أما البديل تجاه ما جرى فيكمن بفتح ملف مقاضاة لا يسمح بمثل هذه المغامرات، من أية شخصية أو طرف سياسي ويقطع الطريق على التعرض لمكونات الشعب كافة بأساليب الإيقاع بينها وابتزازها بلقمة عيشها وبحرياتها التي كسبتها بدماء أبنائها..

وفتح الملف يجب أن ينطلق من منافذه الدستورية من السلطة التشريعية بمشروع مساءلة مكشوفة للشعب في البرلمان وعبر المجلس الأعلى للمبادرة التي جاءت بالمالكي يشترك به كل عناصره الوطنية للتوكيد على أسس الاتفاق الأصل ووجوب الالتزام بها...

طبعا، الأمور اليوم تتعلق بملف التجاوز على مصالح مكونات الشعب وتعريض البلاد والشعب للمخاطر. وهو ما ينبغي أن يتم متابعته استراتيجيا عبر جملة خطوات قانونية معروفة. لكن ما لا يجب تأخيره يكمن بأمرين: الأول يخص إنهاء سياسة العقوبات الجماعية وقطع أرزاق الشعب وتطمين أجواء الانتخابات بطريقة لا يكون إجراؤها محكوما بسياسة الانفراد التي ستأتي على كل الأطياف والتيارات وليس على طرف أو آخر لوحده..

لقد تم الانقلاب بكل تفاصيله، ويكاد يكتمل ولكننا حتى الآن لم نجد ما يمثل الردّ الوافي إذ يجب اتخاذ قرارات حازمة وحاسمة تجاه مجريات الوضع الجديد. ليس أقلها استعادة سلطة القرار الجمعي للشراكة الوطنية وللتوافقات التي تجسد القوى الوطنية بكل مكوناتها من دون إقصاء أو إلغاء وتجاوز على وجود مكون أو آخر وعلى ممثليه...

صحيح أنه لايوجد من يستطيع فرض إرادته على مكونات الشعب ومنهم الكورد أبطال الميادين ومعارك الحرية الكبرى؛ ولكنه من الصحيح والواجب أن نتساءل بل أن نطلق التحذير قائلين: أنْ هلا تنبهنا على مخاطر اللحظة الفارقة وما يمكن أن ينجم عنها من دخول النفق المظلم في قعر الهاوية التي أوردتنا إياها تلك السياسة الكارثية!؟

 

 

************************************************************************* 

النفط والميزانية وسياسة الحكومة الاتحادية: مواقف تفتعل الأزمات وتواصل تعقيد المشكلات!؟

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

[email protected]

 

هكذا بجرة قلم اتخذت قيادة الحكومة الاتحادية قرار التصويت على الموازنة المالية الجديدة من دون النظر في ملاحظات الوزراء الكورد ولا حتى انسحابهم. ومسألة تجاوز صيغة الشراكة تتكرر في مواقف إدارة الحكومة وهي تستند في تمرير قراراتها على مغازلة طرف على حساب آخر في كل قضية بشكل منفصل أو بالاستناد على ممارسة صلاحيات في فضاء عدم وجود نظام داخلي للعمل!

لقد جاء تمرير حكومة السيد المالكي لموازنة 2014 المالية في إطار من التجييش الإعلامي السياسي الذي اعتدنا صيغ التضليل فيه، وحالات كيل التهم للتشويش على الحقيقة، ولتمرير مآرب بعينها في أجواء العتمة المختلقة. وهنا بهذه الواقعة، جرى الادعاء بوجود تهريب للنفط وعدم التزام بالبعد الوطني وتم توجيه الاتهام ضمن جملة اتهامات أخرى إلى حكومة إقليم كوردستان.

أما قضية النفط وحقيقتها، فأصلها يتعلق بتأخير متعمد لإقرار قانون النفط؛ كونه الضمانة الدستورية لعائدية تلك الثروة للشعب بكل مكوناته وأطيافه وعلى أساس المساواة وسلامة الاستثمار استخراجا وتصديرا وتوزيعا... وفي ضوء ذلك حاولت قوى الشراكة الحكومية وممثلي الإقليم الفديرالي والمحافظات البحث في أسس عمل مؤقتة لحين إقرار القانون؛ وتم الاتفاق رسميا مع رئاسة الحكومة ومسؤولي قطاع النفط الاتحاديين وطبعا في ضوء الالتزام بالدستور جرى العمل في هذا القطاع الحيوي مرحليا.

بالمقابل لم يشهد العراق طوال السنوات المنصرمة في وزارة النفط الاتحادية ببغداد، أية أعمال استراتيجية أو مرحلية تخدم قطاع النفط بخاصة والطاقة بعامة من جهة التحديث والاستثمار والتوزيع ولا من جهة التوجه المفترض نحو إقرار قانون النفط! والنتيجة كانت عادةً التجاوز على الحصص الفعلية؛ فلا المواطن حصل على الخدمات الضرورية ولا المحافظات والإقليم حصلا على ما يدخل في إعادة بناء المدمر وإحياء ما تم إماتته ونشهد محافظات عديدة إهمال مشروعات الاستثمار النفطي فيها فضلا عن مشاهد الخراب وضعف ما يردها على الرغم من غناها بهذه الثروة..!

والقضية ظلت بأيدي معدودة ممركزة تنفرد بالقرار وتوجهه على وفق سياسات قاصرة، ينعكس سوء خططها على المواطن والوطن بوضوح، حيث مشاهد الخراب واستمرار مظاهر الفقر والبطالة وتعطل الدورة الاقتصادية!؟

ومن أجل ترحيل حالات القصور وفشل أداء تلك القوى التي انفردت بالقرار، لجأت بين الفينة والأخرى لافتعال أزمة أو أخرى، فما أن تنتهي واحدة حتى تجد البلاد نفسها في مطحنة أخرى.. وآخرها استغلال الحرب على إرهابيي القاعدة وداعش غطاءً لضرب الحراك السلمي في الأنبار وغيرها من المحافظات بعملية مكرورة من حال التشويش وخلط الأوراق بغية التعتيم والتضليل وتوجيه الأنظار صوب قضايا تخفي الحقيقة، فيما تترك الفرص سانحة لقوى الإرهاب للانتشار والتوسع.......

وفي موضع آخر، فحيثما جاءت لحظة المكاشفة والحوار المباشر، قطعت الطريق عليه.. وتاريخ قضية النفط مثلما غيرها من قضايا، مفتوح الملفات للحوار الوطني. ولكن جهة الانفراد بسلطة القرار الاتحادي، دائما كانت تفتعل ما يقطع سبيل الحوار المباشر للوصول إلى اتفاق.. ومعروف للشعب العراقي وقواه الوطنية أنّ حكومة إقليم كوردستان أرسلت وفدا بأعلى مستوى للحوار.. وكان الوفد بصدد العودة لاستكمال ما بدأ من حوار وما تم التوصل إليه، لتأتي مناورة التصويت بغض النظر عن ملاحظات الوزراء الكورد...!؟

ولم تكتفِ عملية التصويت بقطع فرص الوصول لتصور وطني مشترك موحد، بل أكدت حال الانفراد بالقرار الاتحادي وضرب الشراكة وتجاوزها في الأمور المصيرية التي تخص المواطن العراقي ومصالح مكونات الشعب ومحافظات البلاد، هذا فضلا عن نجاحها في تمرير ما أرادت وفضلا عن ترحيل المشكلة وإلقاء أعبائها على البرلمان في مناورة سياسية بقصد الكسب الانتخابي كما يدور في مضامين مخططات إدارة الحكومة ورئاستها...

ولعل هذه الصورة من آليات العمل هي التي مورست طوال المدة المنصرمة من جانب رئاسة الحكومة الاتحادية. وهي الآلية التي مازالت تمنح فرصا مجانية متتالية، مشرعة البوابات على الغارب، لجرائم الفساد والإرهاب وغطائهما السياسي ممثلا بالطائفية وفلسفتها وذهنيتها المرضية القائمة على منطق الغنيمة  والمغالبة بقصد أن تحظى بحصة الأسد.. هذا دع عنك ما تتسبب فيه تلكم السياسة الرعناء من مخاطر وتهديدات للوجود الوطني العراقي برمته!

 

وفي بلدان العالم كانت أية فضيحة من الفضائح التي انكشفت في العراق سببا في سقوط الحكومة واستقالتها وفي محاسبة مسؤوليها عما اُرتُكِب من جرائم حيث يقعون تحت طائلة المسؤولية القانونية. غير أن الأمور لم تجر على هذا النحو في عراق عادت بعض العناصر في الحكومة الاتحادية لفرض منطق المركزية من جهة ومنطق قوة العنف وسطوته من جهة أخرى كما مر في التاريخ القريب عراقيا.

إنّ جملة المجريات، تؤشر أن سياسة القوى الطائفية المتحكمة بالوضع الحالي لا يمكنها أن تكون سليمة تحالفيا؛ ولا أن تكون حريصة على الشراكة الوطنية وهي تقدم مصالحها الحزبية الضيقة على أية مصلحة وطنية مشتركة. وبالنتيجة يجب الحذر من قبول إجراءات تتجاوز على مصالح الشعب بمجمله أو على ما يبدو موجها ضد مكون بعينه وهو فعليا يوجه الأذى إلى هذا المكون، لكنه بالنهاية لن يقف عند حدود مكون بل سنتقل بآثاره مجددا وتاليا نحو مجمل الشعب وكل أجزاء الوطن وأرجاء الدولة الاتحادية وفديرالياتها.

وهذا يدفع باتجاه ضرورة اتخاذ موقف حازم وحاسم منتظر من القوى الحريصة على مصالح الوطن والناس كي لا تترك الأمور والتصويت باتجاه يخدم مآرب ضيقة  وحزبية محدودة بل ينبغي أن يصطف الجميع مع الكورد في التصويت الآتي، كون القضية في النهاية ليست ضد الكورد لوحدهم بل ضد الجميع. وأية حسابات تنضوي تحت رد الفعل المباشر للضخ الإعلامي المغرض للحملات ضد كوردستان بخاصة في ملف النفط أو تخضع لتلك الضغوط خشية وخوفا على مصالح انتخابية، ستقع في الخطيئة وستخدم جريمة مبيتة ضد الشعب العراقي برمته.

أما الصحيح ومنطق الحكمة فيقول: إن الوقوف اليوم مع ملاحظات الكتلة الكوردستانية في البرلمان سيمنح فرصا لمعالجة ما جرى من خطأ ويعزز عرى الشراكة الوطنية بين قسمي العراق الفديرالي وسيمنح فرصا باتجاه السير بقانون النفط نحو استكماله وإقراره لمصلحة جميع مكونات الشعب ولمصلحة مستقبل البلاد وإعادة إعمارها بإطلاق الدورة الاقتصادية الأنجع تخطيطا والأنضج أداءً.

إنّ اندفاع قوة أو أخرى نحو صيغ الحسم المنفرد وتجاوز الشراكة أيا كانت دوافعه لا يمكنها أن تؤسس للحل السليم من جهة ولا يمكنها أن تأتي ببديل وطني. وهي بدل أن تنهي قضية فإنها تفتح ملفات مشكلات جديدة وتراكم معضلات وعقبات أخرى فوق تلك الموجودة والملتهبة في ميدان الواقع العراقي.

ولا يمكن الادعاء بأن طرفا هو الوطني الوحيد المخلص وأن الآخرين هم خونة وأعداء المصالح الوطنية، فعملية التخوين تلك مما يتأسس على الاتهام وعلى أوهام سياسية مرضية تحمل أجنة التشظي والتناقض لتخدم بالمحصلة أعداء عراق ديموقراطي فديرالي بمعنى تخدم أعداء الخيار الديموقراطي الذي يحترم التعددية والتنوع وينهض باتحاد الجميع وتشاركهم ومساهمتهم في مسيرة البناء وبخلاف هذا المسار تولد فرص تخدم من يطعن في الآليات الديموقراطية وبالمستوى الآخر تعلو أسهم الأعداء على حساب قوى الاتحاد والتكاتف والتعاضد والبقاء في إطار وجود وطني لدولة فديرالية مركبة .

المطلوب اليوم أيضا، وقف التصريحات الإعلانية وحال الاستعراض الحزبي السياسي في أجهزة الإعلام والتوقف عن حال التعريض بالآخر بخاصة أن ما ينطلق اليوم عبارة عن مراهقة سياسية تتصيد في المياه العكرة معتقدة أن الأمور جميعا سواء.. وأنها جميعا يمكن أن تمر بلا مضاعفات وبلا ردود غير محسوبة العواقب!

وبعض نواب كتلة بعينها راحوا يتشدقون بقرار التصويت على الموازنة وذهبوا بعيدا في تأجيج نيران، حتى شارك بعضهم مشعلي الحرائق في الوطن، لعبةَ افتعال الصراعات متوهمة الأسس واختلاق تناقضات مفتعلة المنطلقات..وهذا يتطلب من الزعامات المعنية أكبر قدر من التحلي بالمسؤولية تجاه اللحظة الراهنة وما تحمله من احتقانات خطيرة، وما يمكن أن تجره لعبة التصريحات غير المسؤولة.

وليكن النموذج هو ذاك الصوت الوطني الفديرالي العراقي الأصيل ممثلا بنواب القائمة الكوردستانية ودورهم في معالجة القضية بهدوء وموضوعية وبالتركيز على مواضع الاتفاق أكثر وعلى مفاتيح الحل الأسلم والأنضج بما يتيح فرص حل عاجل يخدم الجميع بلا حيف يحتمل أن يكون بحق طرف ما.

أما الحل الجذري الذي ربما فات وقته مرحليا في إطار البرلمان الحالي، أما الحل الجذري فيتمثل في إقرار نهائي لقانون النفط الذي سينظم الأدوار والأنشطة والخطط على أن يجري تشكيل لجنة وطنية عليا للطاقة تؤدي دورها في حسم الموضوعات الخلافية وتكون مرجعيتها  المجلس الاتحادي كجهة تشريعية وطنية عليا تتركب بالتساوي من مكونات الشعب وممثليهم وتتناصف سلطة القرار التشريعي مع مجلس النواب.

هذه القضايا لا يمكن أن تبقى معلقة إلى ما لا نهاية لأن ذلك يسمح بالعبث بمصير الشعب وتهديد وحدة الوطن وتمزيق وجوده وربما يتركه نهبا لمزيد من أشكال الاستغلال من قوى الكارتلات النفطية وقوى التدخل الخارجي غير المنظور.. ونبقى نحن جميعا بحاجة لضبط توجهات خططنا الوطنية بمستوياتها الفديرالية بما يلبي احترام اتفاقاتنا الدستورية من جهة وتلك التي رسمت التوافق الوطني مع تحقيق مصالح الشعب بكل تركيبه المجتمعي..

وبالمنتهى فإن الشعب العراقي وقواه الوطنية الديموقراطية الحية لن تخشى التضليل والتشويه وستدافع عن كل مكونات الشعب ولن ترضى بسياسة الإملاءات والعقاب الجماعي الذي يتعرض له الكورد لأي سبب أو ذريعة تُطلق بقصد التعتيم على المآرب الحقيقية.

ولابد من إطلاق الموازنة عاجلا في البرلمان بما يتضمن رؤى جميع الفرقاء شركاء العملية السياسية ويخدم وجودنا الفديرالي ومسيرة إنهاء زمن افتعال الأزمات واختلاق المشكلات ومن وقف وراء هذا طوال دورتين انتخابيتين بقصد التمكن من الانفراد بالقرار. ولعلنا نلاحظ أنّ الاعتراض على سياسة الانفراد لم تأتِ من كوردستان ولا من الغربية وحدهما بل من كل أقسام الوطن جنوبا شمالا غربا شرقا ومن كل مكونات الطيف الوطني العراقي.. أفلا يكفي هذا لكشف الحقيقة وإنهاء ما يُختلق من عقبات ومعالجته جوهريا؟؟؟

************************************************************************

 

رسالة جديدة إلى مسؤولي التعليم العالي بالدول العربية ودول الشرق الأوسط \ وزارات التعليم العالي والجامعات ومراكز البحوث العلمية

بشأن إقرار نظام التعليم الألكتروني وشرعنته وتوظيفه بمهام التحديث والتنمية البشرية

تحية طيبة وبعد

السادة في وزارات التعليم العالي ببلداننا أنتم معنيون بهذه الحملة ومثيلاتها، كونها تتقدم بمعالجة تفتح سبل التحديث وإضافة نظام تعليمي جديد [هو نظام التعليم الألكتروني] بما يمنح جامعاتنا أدوات معاصرة للتقدم والارتقاء؛ هذا فضلا عما يجلبه هذا [النظام التعليمي الموصى به] لشعوبنا ودولنا من آليات تختزل الجوانب المادية فيما تثري المسيرة بقدرات أدائية ومضامين جد كبيرة. وليس معقولا أن تضع دولة أو حكومة شخصية في سدة المسؤولية وأمامه مثل هذا المطلب الرئيس والمحوري الجوهري ولا يتفاعل معه لا من قريب ولا من بعيد!

فيوم قمتُ شخصيا بوضع قراءتي المتواضعة للتعليم الألكتروني ونقلت تجاريب جامعات مهمة كان الأمر يحمل طابعه المخصوص بمبادرة فردية.. ولكننا اليوم بصدد مشروعات أكاديمية جامعية بات لها سنوات من عمر محاولة التأسيس وقد ظهرت هذه الحملة وأخرى نظيرة في آفازAVAAZ ووقعهما مئات من الخبراء والأكاديميين والعلماء والأساتذة والمثقفين ومن أبناء شعبنا وصار الأمر مطلبا بإمضاء (جمعي) لنخبة ينبغي الالتفات إلى قراءتها وتوصياتها...

وبصرف النظر عن المرجعيات السياسية لكل حكومة وبلد وعن الاختلافات ببعض الخصائص؛ فإن موضوع إدخال التعليم الألكتروني اليوم بات كعملية إدخال التعليم المنتظم وتحديثاته مطلع القرن الماضي لأغلب بلداننا، التي كانت تزخر بنظام ملائي كتاتيبي معروف..

وكلما تأخرنا في التعامل مع هذه الحقيقة ارتكبنا جريمة مركبة بحق شعوبنا وتطلعاتها وبحق العملية التعليمية ومنجزها ومسيرة التحديث فيها وبهذا يكون مثل هذا السلوك سببا خطيرا في إشاعة التخلف والجهل بأدوات العصر من جهة وفي الجمود على آليات شاخت؛ فنقع بمحظور اتساع الهوة بيننا وعصرنا وفي هذه المرة لن ينفع علاج للأزمة التي ستنجم عن هذا وسنساق في أسواق عبودية الجهل والظلام وأمراضهما..

 

إنني لأتطلع لموقف جدي مسؤول أولا من زميلاتي وزملائي من أعضاء الهيآت التدريسية والإدارية بالجامعات في بلدان العربية والشرقأوسطية وإلى رئاسات الجامعات الفاعلة فضلا عن إدارات التعليم التي أتوسم فيها عمق الإدراك وحكمة التفاعل مع وصول مشروعنا هذا إلى أياديهم...

وشخصيا ومعي زميلاتي وزملائي من حاملي مشاعل التعليم الألكتروني نضع جهودنا بخدمة وزارات التعليم العالي والجامعات كيما نساهم بوضع الخطط المناسبة للتحديث وسن قوانين تشرّع لهذا النظام وتتفاعل معه مباشرة موظفة إياه في جهود التقدم والتحديث والتنمية البشرية برمتها في بلداننا

 

وبهذه المناسبة أتقدم منكم كافة بخالص التحايا والامتنان والتقدير ولكل من ساهم ويساهم في هذي الجهود العلمية المخلصة

كما ألفت النظر إلى أننا ينبغي أن ننقذ التجاريب  والمبادرات الجارية من المحاصرة ومن إيقاعها بمآزق تضحيات ليس سليما تركها تقع في مطبها مع أنه يمكن تجنبها بفضل تبني الخطى السليمة باتجاه إقرار نظام التعليم الألكتروني تحديدا بما يخص بلداننا وليس غير..

ولعل هذا هو ما يستند بحق إلى الإرادة الوطنية لكل بلد وتوجهه نحو التحديث والتنمية.. وبأمل تحقيق مطلب هذه الكوكبة من جهة وتطلعات الشعوب من جهة أخرى تجاه فلذات الأكباد من عشرات آلاف حاملي شهادات التعليم الألكتروني

وأجدد التحايا

 

أ. د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

 رئيس جامعة ابن رشد في هولندا                      

جامعة تعمل بنظام التعليم الألكتروني بحقول العلوم الإنسانية

 

*****************************************************************

 

العنف والتوتر بين الافتعال لمآرب متقصَّدة متعمّدة وبين إفرازات الجهل بإدارة الدولة والفشل في تسيير برامجها

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

[email protected]

 

 

  تتفاقم فلسفة العنف وتتزايد حدة التوترات المجتمعية يوميا. فعلى المستوى الاجتماعي العام نجد حالات التشنج والتوتر هي ما يسود الفعل ورد الفعل في العلاقات الفردية والجمعية؛ وربما كان من السهل هنا أن نشير إلى حالات الشجار واستخدام لغة تبادل الضرب والتعذيب البدني سواء ما تتعرض له الطفولة أم العنف الأسري بخاصة العنف ضد النساء الذي يصل حد جرائم القتل الأبشع؛ فضلا عن الإشارة إلى الشحناء العشائرية وأشكال التفاصل الدموية بين أطراف مجتمعية مشحونة بالتوتر!

لكننا هنا بهذه المعالجة، نريد التفصيل في موضوع خطير شكَّل أرضية هذا العنف والتوتر، وهو السياسة العامة الجارية في البلاد.. وهي سياسة تتسم بخطاب طائفي من جهة ومن جهة أخرى بتركيز على استخدام أداتين مرضيتين هما الفساد والإرهاب رديفيين ثابتين للخطاب الطائفي. وبجميع الأحوال فإنّ ما يُدار في برامج الحكومات المحلية والاتحادية كان مؤداه، طوال سنوات خلت، مزيد توترٍ في إيقاع العلاقات البينية بين قوى فرضت سطوتها على المشهد العام فـ حوَّلَتْهُ باتجاه العنف الدموي.  

إنّ قراءة هذا المشهد، تؤكد أنّ جزءاً مهماً من هذي الجريمة الهمجية يمثل نهجاً مخصوصاً بقوى الطائفية، تلك القوى التي تعتاش على افتعال متقصَّد للتوتر والانشطارات والتشظي ولاصطناع الخلافات بغاية مشاغلة المجتمع بأمور بعيدة عن جرائم الفساد بأشكالها وللتغطية والتعتيم على مجريات الحقيقة.

إذن، الأمر الأول الذي يمكننا تحسّسه يتمثل في نهج القوى الطائفية من جهة مسؤوليتها المباشرة عن جريمةٍ تجري بتعمّد وسبق إصرار، إنها جرائم العنف بمستوياتها وأنواعها.

ويمكننا الإشارة هنا، على سبيلِ المثال لا الحصر، إلى ما يجري من عنفٍ إرهابي في المنطقة الغربية وفي كثير من جغرافيا البلاد.. إنه صراع بمشهدية اقتتال مفضوح بطائفيته وبمرجعية الانقسام بين جناحي الطائفية السياسية وإنْ جرى التعتيم والتضليل بشأن حقيقة ما يجري. المشكلة الأعمق بكارثيتها هي أن تكون القوى المتحكمة بذراعي تلك المعركة هي ذاتها المتحكمة ببنية الحكومة ومؤسسات الدولة سواء المحلية أم الاتحادية..

ولعلَّ ظهور العلاماتِ الطائفية، في المعارك ضد الإرهاب، والانحراف بتلك المهمة الوطنية الملزمة للقوات (الحكومية) هي مؤشرٌ خطيرٌ للممارسة الطائفية ولسطوة النهج الطائفي المرضي الأمر الذي يمرر من جهة الإرهاب كما يوقع أفدح الأضرار وأكثر التضحيات الجسام في بنية المؤسسة الرسمية وبين المدنيين أيضاً...

ومن الطبيعي أنْ نشيرَ إلى فعالياتٍ أخرى للجيش (الوطني) المجيَّر بخطابٍ حزبيٍّ طائفي من قبيل تشكيلات بنيوية له جرت بخلاف القانون ووبتعارض مع الأسس الدستورية بخاصة تلك التي عُدَّت موجهة لإثارة التوتر وربما لخلافات تمزيقيةٍ من طرفِ مكوناتٍ مجتمعيةٍ فديرالية كما حصل مع قوات دجلة وسواها.. إلى جانب النسب الطائفية المجحفة في طريقة بناء هذه المؤسسة التي يُفترض بناؤها بناءً وطنياً...

الأمر الآخر لإشاعة التوتر والعنف المتعمد هو نهج عسكرة المجتمع؛ ما يبدو واضحاً من اللجوء المتكرر، وبإصرارٍ، إلى الحلول الأمنية العسكرية في التعامل مع القضايا الخلافية السياسية. مع فتح الفرص واسعةً لعمل الميليشيات الحزبية، طائفية المرجعية. ومن التسهيلات الجارية هي حالات الصمت تجاه التجنيد العلني لصالح تلك الميليشيات ومن ذلك تجنيد الأطفال والسكوت عن الاستعراضات العسكرية في الساحات والميادين فضلا عن تمرير جريمة استقبال مرتبات تلك المجاميع العنفية الآتية من وراء الحدود أو من جهات مشبوهة ربما متخفية عن بعض أنظار لكنها مفضوحة أو ينبغي أن تكون مكشوفة للحكومة وأن تتصدى لها من باب ممارسة المسؤوليات الوطنية في إطار دولة مدنية كما اختار الشعب توجهاً رسميا، الأمر الذي لم يتم تنفيذه حتى يومنا..

تشريع امتلاك الأسلحة وفتح منافذ الحصول عليها  فضلا عن ترك ميادين البلاد مباحة للتدريبات العسكرية لتلك القوى العنفية والإرهابية... ويصل الأمر إلى إطلاق سراح العناصر الإجرامية الأخطر والإرهابية بعمليات ليس أقل شأن فيها ما اكتنفها من فساد مالي وأمني  فهي مفعمة بأشكال فساد تمر من تحت أنظار المسؤولين الحكوميين وكأنها قضية معتادة؛ انطلاقا من عملية، أو نهج، تطبيع الأجواء على تلك الجرائم المتكررة وإشاعة حال الاعتياد عليها ومعايشة تلك الجرائم بدل التحقيق وفيها والقبض على مرتكبيها ومحاسبتهم وإيقاع القصاص العادل بهم!!

ومن الجرائم العنفية ونهج خطاب التوتر والتشنج المتعمَّد، إخضاع المواطن لحالات الابتزاز والبلطجة التي تُمارَس من أجهزة حكومية كما في مراكز الشرطة المحلية  والعناصر الحزبية المسؤولة في الضواحي والمدن وما تمتلكه من عناصر ووسائل بلطجة.

وقمة إرهاب المجتمع، تجسَّدت مؤخرا، في رفض الانصياع لسلطة رقابية، وأسمى تلك السلطات الرقابية، مجسدة بالسلطة التشريعية، التي طالما عطلتها ورفضت الانصياع لها تلك الشخصيات المسؤولة الأولى في السلطة التنفيذية. حيث مهد هذا لأصواتٍ لا تمتلك بديلا وحلا موضوعيا سوى الدعوة لاستكمال الفعل الانقلابي على الدستور بطلب إعلان حال الطوارئ والقصد يكمن في بلطجة الدولة والمجتمع وفرض الأحكام العرفية وسلطة القوة وعنف العسكر!

كل هذه الملامح وما تضمنته طوال السنوات المنصرمة من صولاتٍ ميدانيةٍ كانت بأغلبها ضد أطراف شريكة في السلطة أو حتى في التحالفات الأقرب طائفيا سياسيا! وهي بعمومها فعاليات عنفية قامت على افتعال الأزمات والتوترات التي مهدت وتمهد للاصطراع الذي وصل في الغالب لمستويات دموية. ولطالما رسخ في ذهن المواطن من تجاريبه اليومية أنّه لا يمكن أن يستثني أو يغفل الإشارة إلى مجريات التفجيرات اليومية وما لها من علاقات بتلك الافتعالات الأزموية العنفية البشعة.

ولأي قراءة موضوعية تخترق حالات التشويش المتعمد ألا تقف عند الجريمة المتعمدة بسبب النهج المخصوص، فهناك أيضا في ظل الفوضى وانفلات الأمور، كل تلك الجرائم التي قد لا تكون صدرت عن نهج متعمد متقصد بل نجمت عن فشل في إدارة الملفات الساخنة بسبب عدم الجاهزية للشخصية وللحركة التي توجه الأمور وتحصر صلاحيات اتخاذ القرار بين يديها، محتكرةً سلطة الفعل انفراديا...

وفي وقت يُعَدُّ هذا الفشل عائدا للمستوى المتواضع للشخصيات التي تسلمت المسؤولية وإلى عدم توافر الكفاءة في العمل العام ولخوائها من المستوى المعرفي المناسب لممارسة المسؤولية؛ فإنه في الوقت ذاته، فوق خطل نهجها وهزال مستواها، يعودُ إلى توجهها الانفرادي الذي فتح بوابات الصراعات وعطَّل إمكانات مجابهةٍ أفضل للمشكلات المعقدة.

إنّ جملة تلك الحقائق التي عاشها الشعب بكل مكوناته تفرض مسؤولية التغيير النوعي الجوهري المنتظر. إذ لن تكفي حالة الترقيع الإصلاحي الجزئي، فالخلل موجود بنيويا فيمن أمسك بسلطة القرار وانفرد به طوال المرحلة المنصرمة. ولابد لمن يريد العيش الآمن الكريم من أن يتخذ قرارا جريئا شجاعا باختيار بديل جوهري حيث يجب أن يتسم هذا البديل بالوطنية بديلا للطائفية وبالديموقراطية وخطابها التداولي التعددي بديلا للانفراد وطغيان سلطة الاستبداد بالرأي وبالاتجاه لبناء الدولة المدنية ومؤسساتها الدستورية بديلا لنهج التستر بخطاب ثيوقراطي طقوسي مصطنع لا يعالج جرحا ولا يقدم لقمة خبز ولا يفتح مصنعا ولا يحيي مزرعة وكل ما في حقيقته أنه: يستغل الجهل ولا علاقة له بدين أو مذهب.

بالخلاصة فإنّ العنفَ السائد اليوم، بجلّ ما يحياه المواطن، ناجمٌ عن نهج متعمد متقصّدٍ يستهدف مآرب من يقف وراءه من قوى جناحي الطائفية. وليست تلك المآرب سوى مواصلة إثارة غبار المعارك للتعتيم على ما يجري من نهب وسلب وجرائم فساد لن تنتهي حتى يُجهزوا على آخر قطعة من الوطن ويحولونها إلى ضيعة بين كانتونات الإذلال التابعة للمافيات الدولية وحصصها في ثروات البلاد؛ وحتى يضموا آخر مواطنة ومواطن  إلى قطيع سوق النخاسة يبيعونهما بأبخس الأثمان إن لم يقدموا رؤوسهم أضاحٍ لأعداء السلام والحرية!

إنّ تلك المآرب ليست مخفية بعد أن تضخمت الجريمة الجارية وباتت واضحة للعيان لكل أبناء الشعب ممن يرزحون اليوم لابتزاز العسكرة وإشاعة خطاب العنف الدموي وهمجية الجريمة التي يمارسها ثلاثي (الطائفية الفساد الإرهاب)...

وبالمجمل فإنّ الردّ المؤمل من أبناء الشعب، أن يؤمنوا برسوخ بقوة المواطن عندما ينوي التصويت للتغيير الجوهري بحجب صوته عن الحركات التي كانت أداة طحنه واستغلاله واستعباده واضطر بالأمس لمداراة لقمته بالعمل في إطار ما صادرته من مؤسسات. وطبعا بعدم ترك بطاقته تسرقها تلك القوى وبالتوجه لاستثمار بطاقته وتفعيل موقفه بالتصويت للبديل الوطني الديموقراطي ومشروع بناء الدولة المدنية وهو البرنامج الذي لا تبنيه القوى المتسترة تضليلا بالاسم فقط وإنما الخيار سيكون بالتصويت لأصحاب الأيادي النظيفة والأفئدة الطاهرة والعقول العلمية والضمائر الإنسانية الأنقى.. والشعب يعرف طريقه إلى هذي القوة المقصاة عمدا مع سبق الإصرار: إنها القوة المكونة من التحالف المدني الديموقراطي وحليفه التاريخي القوى الكوردستانية التي كانت وماتزال الركن المكين للتوجه نحو بناء مجتمع السلام والتسامح وإنهاء كل قيم العنف وما افتعلته قيم الثأر والانتقام والاحتراب والاصطراعات المفتعلة..

ولعل هذي المعالجة المتواضعة ستكتمل بعمق الخبرات المحتشدة في الأنفس والضمائر الحية عبر معاناة السنوات العجاف.. فمرحى بقوى التغيير من مكونات الشعب العراقي، تُنهي العنفَ وتبدأُ مشروعَ السلام.

 

*************************************************************************

من سينتصر في الانتخابات خيار بناء الدولة المدنية أم الاستمرار في عبث العسكرة وتفكيك الدولة

الأستاذ الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

[email protected]

 

 

وجودُ قوى التخريبِ ربما يكون إفرازاً عادياً في ظرفٍ بعينِهِ؛ ولكن أنْ تتصدرَ تلك القوى المشهد وتأخذ مكاناً يتحكَّم بهِ ويملأه عنفاً وسوداوية، فأمرٌ لا يعني سوى فتح طريق تفكيك البنى المؤسسية لمصلحة عبثِ العسكرة من جهةٍ والممارسات الميليشياوية القائمة على فلسفةٍ رأسُها البلطجة وقاعدتُها وآلياتُ عملِها فساد المال السياسي وتضليلية فكر الطائفية السياسية. في هذه الأجواء ربما يكون رأي المواطن معتَّماً عليه في غبار ما يُثارُ من أزماتٍ مفتعلة وحروبٍ واصطراعات مختلقة؛ لكنّ ممثلي هذا الصوت الأنجم الهادية والشموس التي تضيء فضاء ميدان يغلي، ليسوا بعيدين عن هذا المواطن المبتلى فهم يحيون معه ووسط تجمعاته وحشوده الهادرة... ربما في هذه الأجواء يتم الاتجاه نحو انتخابات يراد لها أن تحسم الأمور بين تداعيات عبث العسكرة والحل الأمني المحض وبين خيار بناء الدولة المدنية.. فمن سينتصر في مثل تلك الانتخابات؟

 

هذا المدخل لا يشكل اتهاماً لطرفٍ سياسيّ أو آخر، بقدرِ توصيفِهِ المجريات ميدانياً ومحاولته الإجابة عن أسئلة مركبة ربما يمكنها الوصول إلى الإجابة عن سؤال المنتصر في انتخابات يمكنُها أنْ تكونَ حاسمةً باتجاهٍ إيجابيّ يلبي تطلعاتِ المواطن في وجودٍ إنسانيّ آمنٍ مستقر كريم وحر.

لقد عانى المواطن من ثلاثي (الطائفية، الفساد، الإرهاب). فـفِكْر سياسي ظل طوال عشرٍ عجاف يعمّقُ الاحتقانات الطائفية ويختلق أشكال الاحتراب المفروضة قسراً؛ وفي وقت يدرك المواطن ألا مشكلة بينه وبين جيرانه في الحي وزملائه في الدراسة والعمل وأخوته في الوطن، يجابهُ ضغطاً مصنوعا بحبكات تضليلية لأسْرِهِ في فلك الطائفية السياسية.. وفساد ضَرَب كلَّ مفاصلِ وجود هذا المواطن الذي ما عاد يجد ما يسدُّ رمق العيش ولا نقول حاجاته الإنسانية من خدمات باتت شبه معدومة وما عاد يستطيع تمشية معاملة يومية من دون خضوعه قسراً لآليات الفساد: من رشى ومحسوبية ومنسوبية ومن بيع وشراء بكل قيمه وتفاصيل وجوده، حتى بيع الضمير وبيعت الكرامة وبيعت القيم الآدمية.. وصرنا مباشرة مع مأسورين يباعون أو على أقل تقدير تباع أصواتهم في سوق نخاسة الفساد المستشري! وفي ثالثة أثافي الوضع وأدواته يأتي الإرهاب مركباً من قوى ميليشياوية وعناصر تخترق مؤسسات الدولة وسياسة عرجاء تنحصر بالعسكرة وبالحل الأمني العنفي فتطيح بكلِّ فرصِ التطبيع والتغيير ومحاولة الشروع بالبناء.

إنّ هذا المشهد لم يأتِ من فراغ أو تسببت به كائنات فضائية خرافية بل بسبب برامج بعينها فشلت في وقف الجريمة بأشكالها فوقعت البلاد في مسار خراب وهدم ودمار فعَّلته قوى بعينها.. ومن هنا ينبعُ التغيير المؤمل باستبدال جوهري نوعي للبرامج  وبقوى نزيهة يمكنها الإيفاء بالوعود. وطرفا الصراع  هنا ليس من جناحي الطائفية اللذين يعتاشان على الاحتراب وما يختلقانه من اصطراعات عنفية دموية بل هذه القوى بضفة الشرور وقوى الشعب وإرادته وتطلعاته على الضفة الأخرى حيث الخير وقواه.

إنّ قوى الشعب وحراكه باتجاه بناء الدولة المدنية  مازالت في موقع بحاجة لحشد الوجود الشعبي:

أولا بتحريره من أسْرِ التضليل الذي يستغل شيوع الجهل والتخلف والأمية من جهة والعتمة والظلام المفتعلين من جهة أخرى

وثانيا بإنقاذه من بلطجة قوى العنف والجريمة

وثالثا بإيصال صوت الحق والضمير ومنطق برامج علمية يحملها أصحاب الأيادي البيضاء..

وذلكم هو أول الطريق للانعتاق من زمن التشويه والتضليل وتحكّم قوى الظلام بالمشهد العام للوطن والشعب...

 

أما الحلقة التالية للإجابة عن سؤالنا مَن سينتصر؟ هل هو خيار البناء أم الهدم؟ فيكمن في درجة الاستعدادات بمستوييها الذاتي والموضوعي.  أما الذاتي فستعكسه خطوات العمل والأداء للتحالف المدني الديموقراطي وحركة التحرر القومي الكوردية الركن المكين للتنوير في العراق الفديرالي الجديد. فيما سيكون العامل الموضوعي مركبا من مجمل التفاعلات الجارية واقعيا ميدانيا بخاصة هنا ما يتحكم بمزاج الجماهير الشعبية واتجاهه في اللحظة المخصوصة للاختيار وهذا ما ستحققه كثير من خطى التفاعلات الميدانية...

في المستوى الذاتي ينبغي تعزيز العمل الجمعي المؤسسي للتحالف المدني؛ والارتقاء بجهود الاتصال والتحشيد إلى مستويات نوعية مختلفة عن تلك الفردية أو الآليات الأولية البسيطة من قبيل توظيف أدوات التواصل الاجتماعي. وهي ضرورة مهمة وواجبة ولكنها سترتقي بأثرها عندما يوجد قواسم مشتركة بين جميع المرشحات والمرشحين وتحديد معالمها بضوابط تخترق التعتيم والتشويه الذي يحاط باشتغالهم...طبعا مع خصوصية كل مرشحة ومرشح بما يتفق وتطلعات مَن يتجه إليهم بميدانه حيث المحافظة ومطالبها وأولوياتها...

ولابد هنا من تجنب المطبات التي تحكمها الآليات والمحددات القانونية من جهة مع فضح للآليات المقابلة التي تستغل لعبة الشعارات الدينية واستغلال رموز بعينها مع إلقاء التبعة على عناصر أو أخرى وكأنّ ما يجري ليس سياسة رسمية رئيسة لوجود قوى الطائفية السياسية بكل أجنحتها وأقسامها، على ألا  يقع طرف التحالف وهو يفضح هذه اللعبة بمطب (محاولات) تشويهه وكأنه يناصب عداءً لطقسيات المواطن الدينية.

أما في صعيد الشأن الموضوعي بتفاصيل قوانين الصراع وتوجيهها وما يكتنف ظروف العيش من فقر وحاجات مادية وروحية وما تفترضه تلك الأوضاع من آليات وتتحكم بتوجيه الظرف فيه، فإنه سيدفع باتجاه سيادة خطاب وانعكاسات تسجل تداعيات الأمس القريب مثلما سيعيد إنتاج سمات ذلك الأمس وإن تبدت بطرق جديدة ووسائل تضليلة مبتدعة... على أن التعامل مع القوانين الموضوعية لحركة الحياة يبقى يقبل كل الاتجاهات ويقبل بتجييره لجميع الأطراف بحسب توافق العاملين الذاتي والموضوعي في لحظة بعينها ما يمنحنا فرصة القول: إنّ انتصار الصوت أو الاتجاه الإيجابي ممكن حتى اللحظة، ولكنه بحاجة جدية لموقف جدي مسؤول من كل مواطن..

فهذا المواطن عليه أن يحوّل الانتخابات باتجاه الحسم عندما يقرر هو ذلك بتصويته الصحيح؛ بمعنى أن تصويته هو ما سيحول الانتخابات من حال لعبة تعيد إنتاج من تحكّم بكرسي السلطة إلى آلية استطلاع رأيه والأخذ به بفضل خياره الإيجابي..فالانتخابات تبقى لعبة تضليلية في ظروف صمت الأغلبية سلبيا وبقاء من يصوِّت مأسورا مع اللاعبين.. إن التصويت بكثافة وبإيجابية لخيار القوى التي ستبني الدولة المدنية هو ما يمكنه أنْ يوقف مسلسل الجريمة وطابع العنف والبلطجة المتأتية من أوضاع عسكرة المجتمع ويُنهي ما بقي طوال المدة المنصرمة يمنح الميليشيات فرص النشاط والحركة في إطار مهام الهدم والتخريب والتقتيل! ومن ثمّ يقطع الطريق على منح فرص تفكيك مؤسسات الدولة وإحالتها إلى تشكيلات مجيَّرة لإدارة عناصر اخترقتها حتى قمة الهرم وأدى ذلك ليس للضعف حسب بل لمشكلات نوعية أخرى تصل لامتلاك المال السياسي مصدرا لكل ممارسات الفساد ومن ثم جعله حجر الزاوية الذي يبيع ويشتري في الوضع برمته بكل تفاصيله...

 

بمجمل ما نخلص إليه من قراءتنا هذه أن الأحداث الجارية ليست حصرا بمنطقة أو محافظة وأهلها بل هي مجريات على المستوى الوطني وهي من حمى محاولة امتلاك كرسي السلطة بخلاف ما تتطلبه الانتخابات من تداولية وقبول بنتائجها.. كون الجميع يعمل في إطار دولة مؤسسات بقدر تعلق الأمر بالدول الديموقراطية لكنها ليست كذلك بسبب سطوة من يتمسك بالكرسي على حساب الخيارات الشعبية الوطنية الأمر الذي أفرز كثيرا  مما طفا اليوم من معارك في الأنبار وفي غيرها ومن حال الفقر المدقع في محافظات الوسط والجنوب ومن بطالة أكثر من نصف المجتمع ومن سيادة للأمية وانهيار التعليم وتدني مخرجاته ومن تردي الأوضاع الخدمية والصحية واحتقانات (طائفية) مفتعلة... هذه الصورة هي ما تدعونا للثقة بأن صوت المواطن وخياره المدني السلمي هو البديل الوحيد لخيارات العنف والعسكرة وأنشطة الميليشيات والمافيات..

وهذا الخيار البديل ركنه المكين يكمن في قوى المدنية والوطنية والقوة الرئيسة لبناء عراق ديموقراطي فديرالي ممثلة في حركة التحرر القومي الكوردية بفضل كوردستان الحرة ومسيرة بناء مدنية سليمة فيها، تتقدم بخطى حثيثة نحو متغيرات تجسد حلم الشعب بمكوناته وأطيافه وبقواه السياسية الحرة المؤمنة ببرامج بناء الدولة المدنية، برامج السلام والتنمية والتقدم... ومثل هذا المسار يتيح الفرصة للجميع للتنافس وولوج البديل المؤسسي المدني السليم ويوقف البرامج التي أخطأت السبيل من دون أفعال ثأرية انتقامية ومن دون أعمال إقصائية تلغي الآخر.. وهذه الـ (من دون) بسبب البديل النوعي السليم...

وبالنتيجة فإن الانتصار للسلم والتقدم ولطريق البناء يكمن في تلاحم أصوات المواطنين وفي خيارهم هذا البديل فعليا اليوم قبل الغد.. 

 

************************************

 

 

رشى الانتخابات بين نهب الثروات والتضحية بالقرابين البشرية

 

توطئة: وصلت الأوضاع ما يستدعي مكاشفة ومصارحة واضحة المعالم. ولكن ما يجب في قراءة هذه المكاشفة، يتمثل في ألا تجعل أحد الأطراف يقرأها باستعجال وسطحية وبعدائية بل ينبغي في اللحظة المعقدة القائمة الالتفات إلى قبول المكاشفة بأبعد تفاصيلها من جميع الأطراف؛ وأن تطرح تلك الأطراف كل رؤاها سلميا على طاولة الحوار. وجزء من المصارحة بعد ما وقع ويقع في الأنبار وفي قرارات بالجملة من توزيع أراضي ومن تشكيل محافظات  يحتِّم أن توضع الأمور أمام جمهور الشعب، لأن القضية تتعلق بموقفه وصوته الآتي قريبا بصناديق الاقتراع.. وإلا فإن من سيخفي الحقائق ربما يقع ولو بصورة غير مباشرة في خدمة ما يراد للبلاد من وراء افتعال الأزمات أو سيفقد جمهوره أو بعض جمهوره لصالح اللعبة الجارية من قوى أخرى.. ثقتي أن تيار بناء الدولة المدنية من القوى الوطنية الديموقراطية وحركة التحرر القومي الكوردية هي صاحبة المصلحة بهذه المكاشفة  للوصول إلى جمهورها وخدمة مصالح الشعب بغالبية فئاته العريضة التي اختارت المسار المدني الديموقراطي.. 

*******

ولقراءة المجريات فإنَّ الوضع في المنطقة برمته ملتهب، معقد ومتشابك؛ تتداخل عدد من قضاياه الشائكة بعضها ببعض ما يزيدها إرباكا وابتعادا عن الحلول الموضوعية المنتظرة. والوضع العام في العراق يأخذ مسار تداعيات سلبية خطيرة في جوانب منها؛ بسبب طابع ما يحكمها ومَن يوجه إدارة الأمور عبر الوقوع بمصيدة سياسة مكرورة لم تنتج إلا افتعال الأزمات ومن ثمّ تراكمها من دون حل أو حتى معالجة لآثارها! وبالنتيجة يشكّل تراكم الأزمات المتعاقبة عامل ضغط وسببا لانفجار غير محسوب العواقب...

إذن، إدارة الوضع العام جارية بسياسة العيش على صفيح ساخن ملتهب أو متفجر بديمومة مع عناصر لم تمتلك إرادة التغيير إلا من بوابة مآرب خاصة سواء لأفراد أم شلل حزبية ميليشياوية اخترقت بعض القوى العاملة.. تلكم هي عناصر من امتدادات الإعداد السياسي لها عندما كانت خارج حدود الوطن فجاءت ممارستها أفعالها بآليات عمل اكتنزت بالأخطاء حدّ ارتكاب الجرائم بتبرير ظل يقول: بأنّ ما يقع من ضحايا هي قرابين للانتصار.. ولكن أيّ انتصار يتحدثون عنه، وها هم في سلطة القرار ولم يأتِ مع تلك السياسة ولم يتحقق في ظلالها أيٌّ من الوعود...

ها هي تلك العناصر تخترق أعلى هرم قوى معروفة، في إدارة الحكومة، ولكنَّ ممارساتها ظلت محصورة أما باشتغال يتركز على محاولة الاحتفاظ بالكرسي أطول مدة ممكنة أو أفاعيل وبرامج بناء مفرّغة من أيِّ منجز ملموس يخص المواطن.

وفي سياق هذا الاتجاه العام، يمكننا إزالة الحيرة من سرّ القرارات المبتسرة والمستعجلة التي تخرج علينا بين الفينة والأخرى، بخاصة منها القرارات والأفعال والقرارات التي جرت في الأسابيع الأخيرة. فبالعودة إلى الدورات الانتخابية السابقة، سنلاحظ ما مورس فيها من وسائل كسب الصوت بوساطة توزيع المدافئ والبطانيات وبعض بقشيش من السحت الحرام وما يُنهب من المال العام ومن مصادر مجهولة أخرى مما وقع أو انحصر في الماديات الرخيصة، غير أننا اليوم نجد المواطن الأميّ الذي تمَّ التضبيب على عينيه من قبل وتم استغلاله وتضليله وسحقه ليقبل بتلك الرّشى الهزيلة المهينة لم يعد اليوم يقبل بتلك الرِّشى وقد عانى من كل ما ابتلي به حتى بات يئن من أوجاع لها أول بلا آخر..

ومن هنا فقد اتجهت عناصر بعينها في تلك الجهة التي حاولت الانفراد بالإدارة الحكومية إلى أسلوب التصفيات السياسية [ربما بعضها العنفية] من جهة وإلى الضرب في بعض المناطق من أقاليم البلاد كما يحصل اليوم في استغلال المعركة مع الإرهاب لتوجيه ضربة جماعية في مدن الأنبار والغربية  برمتها، بعد أن خلطت الأوراق تعتيما على المسارات الفعلية التي تأخذ ضحاياها من أبناء تلك المناطق الأبرياء الذين لا ناقة لهم في الصراعات الدائرة ولا جمل...

وبهذه الإشارة إلى مجريات الأمور في الغربية والآن تحديدا في الفلوجة لا يقرأ المواطن في أغلب الفعاليات محاربةً للإرهاب وقواه القذرة، فيتساءل عن سرّ قصف الأحياء المدنية الآهلة بالسكان من نساء وأطفال وشيوخ وغيرهم بالمدفعية والطيران!!؟ وطبعا لا إجابة سوى البحث في قواميس تقديم رؤوس مواطنين عراقيين قرابين لكسب رؤوس مواطنين آخرين، سواء بالتهديد والبلطجة أم بإظهار الغربية بعبعا معادٍ للشرقية.. طبعا التقسيم هنا تبرز فيه فلسفة الطائفية السياسية بامتياز وجهر مفضوح....

ومواصلة لذات النهج في خيمة تقديم الرشى سواء مما يقع في الإطار المادي البحت على رخصه ودونيته أم من قرابين من ضحايا الشعب المدنيين، مواصلة لذاك النهج، اتجهت تلك العناصر التي تخترق الوضع ممن يخطط للمسار الرئيس وتحديدا ممن يتحكم بالكرسي ومن سلطة (اتحادية)، اتجهت إلى ممارسة أخرى تنثر ما يمكن وضعه في الرّشى من قبيل توزيع الأراضي [أراضي الوطن مما يملكه الشعب وليس مَن يوزع تلك الأملاك] وطبعا لا يكون التوزيع إلا بحضور اسم [الشخصية] المستفيدة وعناصرها وقواها الحزبية.. ولكن كيف يكون الاستغفال إن لم تكن توقيتات هذه الأفعال واقعة بهذه الآلية المرضية!؟

وفي هذا الوضع المعقد الشائك والكارثي الخطير الذي ينتظر موقفا جديا للعلاج والحسم، تأبى المعركة الانتخابية أن تغادر ذهنية تلك الجهات المنشغلة بما يتهددها من موقف شعبي أعلن بوضوح التصويت للبديل المدني الديموقراطي وأنه يتجه للتغيير الجوهري.. ومن هنا وجدنا عناصر في تلك القوى توجه الأمور باتجاه أن تتعامل لا مع المواطنين بوجودهم الفردي وبشراء أصوات الأفراد بل مع المجموعات القومية والدينية والمذهبية فراحت تغدق [بكرمها] على أطراف التصويت من أطياف الشعب وهذه المرة؛ تضرب عدة أطيار بحجر أو بقرار هو قرار تشكيل محافظات وعلى الرغم من أنّ القرار يظل مخالفة دستورية بصيغه ومضامينه إلا أنهم يمضون فيه بقصد اللعب على شق صفوف المجتمع وأطيافه من جهة ووضعها في تعارض واصطراع كي يسهل السطو على أصوات فئات الشعب من مجموعات قومية بعينها وطبعا على المدى الاستراتيجي لن تكون تلك المحافظات إلا بعبعا جديدا يطعن الشعب وقواه الوطنية الديموقراطية ويكون سبب تمزيق للوطن ووحدته مثلما يوضع بمجابهة وتعارض مع وجود عراقي فديرالي سليم على وفق منطق الدستور وإرادة الشعب وهو بالتأكيد يحاول أن يطعن أيضا في كوردستان الفديرالية المستقرة ويكون مبررا ومحاولة لزعزعة حاضرها ومستقبلها!!

ولكن بالمقابل فإن الشعب وقواه الحية تعي طبيعة تلك القرارات وجوهر مقاصدها ودلالاتها، ولن تقبل تلك القوى الوطنية المؤمنة ببناء دولة مدنية بروح وطني ديموقراطي، لن تقبل السير في درب (الصد ما رد) أي درب الاتجاه التخريبي المدمر لوحدة الوطن وحريته وسعادة الشعب وسلامة منجزه. وفي هذا الاتجاه يرتقي الشعب بفضل ذياك الوعي وبكشف اللعبة وعبثها بمصائر الناس...

إنّ ما يجابه العراق والعراقيين في ظل تداخل الأمور واختلاط الأوراق وفي ظل عوامل خارجية وأخرى داخلية تكتنف أجوائه، يدعو إلى المكاشفة الصريحة والحوار الوطني المخلص.. ولا يُستثنى من الحوارات والمشاركة في مسيرة إعادة بناء البلاد جهة أو قوة لأيّ مبرر طالما اختارت تلك القوة الاتجاه الوطني في بناء دولة مدنية تحتضن الجميع وتعمل بآليات الديموقراطية الحقة...

ومن هنا فإن هذه المعالجة لا توجه  إشاراتها بوصفها اتهامات لهذا الطرف أو ذاك ولا تطرح موقفا تسقيطيا لشخصية أو جهة. ولكنها معالجة تظل تبحث عن الرأي الآخر كي يجري إنضاج البديل المناسب الذي يحتفي بالجميع من جهة ولا يعتمد الإقصاء ولكنه في ذات الوقت لا يسمح بأية ممارسة مضرة للوطن والشعب وتكون على حساب طرف أو آخر.

فمن جهة واجب محاربة الإرهاب يبقى مهمة مطلوبة من الحكومة والجيش الوطني وقوى الأمن والشرطة الاتحادية والمحلية.. لكنه ينبغي ألا يُستغل باتجاهات مرضية سلبية مغايرة لمهمته الواضحة في القضاء على الإرهاب بأشكاله ومن يقف وراءه..  وعليه وجب وقف ما يُرتكب بحق مواطنين عراقيين يقيمون في بلداتهم ومدنهم بالغربية والأنبار والبحث في المعالجة السياسية بخصوص المطالب الدستورية الصحيحة عبر حوار مفتوح وممارسات سلمية مكينة تحترم الآخر وتعترف بوجوده وحقوقه وحرياته.. وفي ذات الوقت عدم إغفال أفضل الخطط الحازمة والحاسمة لضرب مكامن الإرهاب وقواه وعناصره التخريبية..

ومن جهة القرارات التي ترسم بنى الدولة العراقية ومنها على سبيل المثال تشكيل مؤسساته مثل المجلس الاتحادي الذي سيمنح حقا محجوبا عن المجموعات القومية والدينية وعن الأقاليم والمحافظات فرصته ليتشكل ويمارس دوره في أداء المهام بمشاركة متساوية بيني مكونات العراق الفديرالي لا من باب منح مقاعد الكوتاالتي لاتعني سوى توكيد التهميش ومواصلة النظر إلى أجنحة البلاد  بهامشية واستصغار!

ومن القرارات أيضا على سبيل  ما خص تشكيل المحافظات التي تكفي نظرة عجلى فيها لتكشف أنها تأتي بأسوأ من الاستعجال بوصفها إجراء يبحث عن مزيد اختلاق أزمات لا بين من أدار القرار وأصدره بل بين قوى مجتمعية ومكونات وأطياف يراد لها أن تنشغل بعيدا عن استمرار وجود حال الانفراد بقمة هرم السلطة الاتحاية ببغداد..

إن البديل لا يلغي هذا الطرف ولا ينوي إقصاءه ولكن البديل يعدّل المسار ويضع الحلول والمعالجات  السلمية لا العنفية، كما يوحد وطنيا ويجمع القوى كافة في بوتقة جديدة هي بوتقة العراق الفديرالي الديموقراطي، ويعيد المسار إلى طريقه الأكثر صوابا وسلامة...

وإذا كان أحدا لا يمكنه ادعاء صوابه المطلق وسلامة مطلقة لبرامجه وإمكان أن يبني لوحده فإن الصحيح البديل يكمن في سلامة جمع الرؤى الوطنية وتفاعلها بنيويا من أجل أفضل المعالجات ومن أجل ضمان مشاركة الجميع في مسيرة إعادة الإعمار والبناء.

وتعد فرصة الانتخابات فرصة للمراجعة وفي الاحتكام للشعب ولإرادته ومصالحه. ومن هنا فإن لعبة البحث عن الفوز ستكون مشروعة بقدر قبولها بالتصويت واحترام الصوت وحقه في الاهختيار بدل الإيقاع به في مطبات الأزمات المفتعلة ومحاولة إخضاعه بألاعيب غير مشروعة قانونيا وغير سليمة ولا سلمية سياسيا...

فهلا تنبهنا إلى لعبة الرّشى وتحولاتها وتضخم الأمور حتى وصلت لمستى ممارسات عنفية خطيرة ولقرارات مصنوعة بطريقة مرضية لا حكمة لها سوى إرادة التقسيم وافتعلأزمة بل أزمات مركبة أخرى، نتيجة تراكم الأزمات وتفجرها ونتيجة الشعور باحتمالات الهزيمة الانتخابية وتحولات الخطط السياسية لعناصر مرضية وخططها السلبية الكارثية؟

   

Share |